عراقيون تدربوا في إيران: علاقات متوترة مع مدربينا الإيرانيين .. ودورات هندسية للأذكياء فقط

تحدثوا عن «استخفاف» المدربين بمقتدى الصدر .. وقالوا إنهم فضلوا ملقنين من حزب الله اللبناني

جنود عراقيون يفتشون سيارة عند نقطة تفتيش في مدخل مدينة الصدر ببغداد أمس (أ.ب)
TT

استيقظوا قبل الفجر حتى يتسنى لهم ممارسة بعض التدريبات وتناول الطعام وأداء الصلاة قبل بدء الدرس الأول في ذلك اليوم، وكان هذا الدرس حول استخدام بنادق الكلاشنيكوف. وخلال الثماني ساعات التالية، كانوا يمارسون تدريبات استخدموا خلالها البازوكا (وهو سلاح خفيف يحمل على الكتف تطلق منه الصواريخ على الدبابات) أو كانوا يتدربون على زرع القنابل على جوانب الطرق، وكانت هناك فترة راحة لتناول الغداء وحضور درس ديني إلزامي. وفي المساء، كانت هناك فقرة حرة يتاح لهم فيها مشاهدة التلفاز أو لعب تنس الطاولة (بينغ بونغ). وتطفأ الأنوار في الساعة الحادية عشرة مساء. هذه صورة ليوم نموذجي في القاعدة العسكرية خارج العاصمة الإيرانية طهران، حيث كانت قوات القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني وعناصر حزب الله اللبناني تقوم على مدى عدة أعوام بتدريب متشددين شيعة عراقيين على كيفية تنفيذ هجمات ضد القوات الأميركية في العراق، حسب ما أفادت به تقارير سلمها مقاتلون عراقيون وقعوا في الأسر لمحققين أميركيين. وقد تحدث مسؤولون أميركيون كثيرا عن التدريبات والأسلحة الإيرانية وقالوا إنها السبب في الهجمات المميتة التي ينفذها مقاتلون شيعة في العراق، ومع ذلك ينكر المسؤولون الإيرانيون تلك التدريبات. وفي الوقت الحالي، يوجد أكثر من 80 صفحة تمثل وثائق استخباراتية كشف النقاب عنها أخيرا، وهي تصف ـ لأول مرة ـ بشكل تفصيلي شبكة معقدة استخدمها العراقيون للوصول إلى إيران والحصول على تدريبات تحت إشراف إيراني. وتعد تلك الوثائق التقرير الأكثر شمولا حتى اليوم الذي يدعم المزاعم الأميركية حول الجهود الإيرانية التي تهدف إلى تأسيس قوة تعمل بالوكالة في العراق. وقد جرى تسييس تلك المزاعم بصورة كبيرة، حيث يقول منتقدو إدارة بوش إن التقارير عن تورط الإيرانيين بها مبالغات كثيرة. ولا يمكن التثبت من تقارير المعتقلين بصورة مستقلة، ولكن أدلى المعتقلون بتفاصيل متشابهة بصورة مدهشة حول أماكن التدريب في إيران وشبكة سرية من المنازل الآمنة في إيران والعراق، حيث كانوا يستخدمونها للوصول إلى المعسكرات، كما تحدثوا عن توترات في المعسكرات كانت تحدث بين العراقيين ومدربيهم الإيرانيين. ومع أن هجمات الميليشيات الشيعية على الأميركيين تراجعت بصورة كبيرة خلال العام الجاري، يقول مسؤولون في الجيش ومسؤولون استخباراتيون إن ثمة أدلة على أن الميليشيات، والتي يشار إليها في بعض الأحيان بـ«المجموعات الخاصة»، قد تعود إلى العراق كي تفسد الانتخابات المرتقبة وتروع السكان. والوثائق، التي قام بتجميعها مركز مكافحة الإرهاب في «ويست بوينت»، عبارة عن مجموعة من تقارير لتحقيقات تعتمد على ما قاله أكثر من عشرين مقاتلا شيعيا أسروا في العراق في عامي 2007 و2008. وتعرض الوثائق إستراتيجية إيرانية تعتمد على استخدام الشيعة العراقيين بالوكالة، ويهدف ذلك جزئيا إلى تجنب أسر الإيرانيين في العراق. وفي أحد التقارير الاستخباراتية، أخبر أحد المعتقلين آسريه أن «إيران لا تحب الدخول في حرب مباشرة» ضد القوات الأميركية في العراق بسبب مخاوف طهران من أن تقوم الولايات المتحدة بتدمير إيران. ويقول مسؤولون استخباراتيون أميركيون إنهم يعتقدون بأنه منذ أسر مجموعة من رجال الحرس الثوري الإيراني في بغداد في عام 2006، تحولت إيران في إستراتيجيتها إلى إحضار مجموعات صغيرة من العراقيين إلي إيران، وبعد ذلك يعود العراقيون إلى العراق كي يقوموا بتدريب كوادر من المقاتلين الشيعة بأعداد أكبر. ويقول مسؤول استخباراتي أميركي بارز إن هناك دلائل على أن برامج التدريب في إيران يمكن أن تكون قد تم توسيعها بصورة كبيرة خلال العام الجاري لتستوعب العشرات من مقاتلي الميليشيات الشيعية الذين هربوا من العراق خلال حملات الجيش العراقي في البصرة وبغداد. ويقول مسؤولون أميركيون إنه لم يتضح بعد طبيعة الدور الذي يلعبه مسؤولون إيرانيون في التدريب، رغم أنهم قالوا إنهم يعتقدون أن التدريبات تحدث بناء على موافقة ضمنية من عناصر في الحكومة الإيرانية. ولا تقدم الوثائق أية دلائل مباشرة على إشراف مسؤولين بارزين في الحكومة على التدريب. وقد أورد الأسرى شرحا مفصلا للبرنامج اليومي في المعسكرات الإيرانية ومنها التدريبات المكثفة على استخدام الأسلحة. وقد وصف أحد الأسرى العراقيين ثورة مصغرة بين المتدربين لأنه لم توزع عليهم جوارب يرتدونها مع الأحذية العسكرية. وتكشف الوثائق عن خلافات عميقة بين الإيرانيين والشيعة العراقيين، حيث اشتكى العراقيون من أن المتدربين الإيرانيين لم يظهروا تجاههم الاحترام المناسب وأنهم كانوا يتحدثون باستخفاف عن رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر. ويقول أحد المعتقلين: «الشيعة العراقيون أسمى من الإيرانيين لأن الشيعة العراقيين يتحلون بالخلق الحسن والرحمة ويراعون الآخرين، أما الإيرانيين فلا يتحلون بالخلق الحسن ولا يراعون الآخرين، ويعتقدون أنهم أسمى من الجميع». ومن ناحية أخرى، يقول العراقيون إنهم ينوون أن تكون لهم علاقات أمتن مع مقاتلي حزب الله اللبناني، فهم عرب يتحدثون نفس اللغة التي يتحدث بها العراقيون.

وبعد أن اختيروا للتدريب في طهران، قال بعض المتدربين لعائلاتهم إنهم سوف يذهبون إلى مدينة النجف للمساعدة في حراسة الأضرحة الشيعية هناك. وفي الواقع، كان المتدربون يذهبون في المعتاد إلى مدينة العمارة، التي تقع في شرق العراق وهي ليست بعيدة عن الحدود الإيرانية. وهناك، يقابلون الرجل الوسيط في مرأب سيارات في المدينة، حيث كانوا يحصلون على بعض النقود ويقيمون في منازل آمنة في المدينة. وبعد يوم أو يومين، كان يتم نقل من يحمل جواز سفر في حافلة أو تاكسي عبر الحدود الإيرانية إلى مدن في غرب إيران مثل الأهواز وكرمنشاه. وقال أحد المعتقلين إن التدريبات الإيرانية كانت عادة ما تكون في الفترة التي تكون فيها أجازات شيعية كبرى، عندما كان يقوم عدد كبير من الحجاج بعبور الحدود وتكون هناك فرصة أكبر لتحرك المقاتلين دون أن يلاحظهم أحد. وكان يتم نقل من لا يحملون جوازات سفر ليلا عبر أماكن معينة، حيث كانوا يستقلوا مراكب صغيرة ليتم نقلهم عبر الحدود إلى حيث تنتظرهم بعض السيارات. وبعد قضاء ليلة في الأهواز أو كرمنشاه، ينقل المتدربين إلى مطار محلي ومنه ينقلون جوا إلى طهران ثم إلى قاعدة عسكرية على بعد ساعات من طهران. وقد قال العديد من المعتقلين إن معسكر التدريب هو قاعدة سيد الشهادة العسكرية. وقال أحد السجناء إنه بمجرد وصول المتدربين إلى القاعدة يحصلون على ملابس رياضية وحذاء تنس ومنشفة وطعام عسكري، وأضاف: «كانت الثلاجات ممتلئة بالكثير من الطعام والفاكهة». ويقضون شهرا في التدريب على إطلاق النار من أسلحة من العيار الصغير وإطلاق قذائف الهاون واستخدام الأسلحة المضادة للطائرات، بالإضافة إلى التدرب على إعداد الكمائن وأعمال التمويه وحضور دروس دينية يومية. وشارك بعض المتدربين في «دورة هندسة» خاصة تعلموا خلالها زرع القنابل على جوانب الطرق، ولكن كان يسمح للمتدربين «الأذكياء» فقط بالمشاركة في التدريبات الهندسية، حسب ما قاله أسير أشار إلى أنه كان ينظر إليه على أنه لا يتمتع بالذكاء الكافي الذي يؤهله لحضور تدريبات خاصة. وأشار أحد تقارير التحقيقات إلى أنه «إذا لم تكن تتمتع بالذكاء الكافي، فلن يضيع مع أحد الوقت والمال ليرسلك إلى إيران للمشاركة في تدريبات هندسية لأنك لن تفلح. ولم يكن أحد المعتقلين يهتم بالتدريبات الهندسية ولم يكن يريد العودة إلى إيران لأن تلك التدريبات كانت مضيعة للوقت وكان يضطر لترك عائلته مقابل لا شيء».

ويرى سجناء آخرون نفس وجهة النظر في تلك التدريبات، حيث قالوا لمحققين أميركيين إن دورات تدريبية منفصلة كان يديرها رجال حزب الله في لبنان أفضل كثيرا من التدريبات في إيران. ويقول المعتقلون إنه للحصول على دورة تدريبية في لبنان، كان يتم نقل العراقيين بالحافلة إلى مطار في إيران حيث يتم نقلهم جوا إلى العاصمة السورية دمشق ثم إلى الحدود اللبنانية. وبمجرد وصولهم إلى لبنان كانوا يشاركون في تدريبات على مدى أسابيع عدة تحت قيادة رجال من حزب الله، وكانوا يتدربون على «جرد مخازن الأسلحة» و«التخطيط للمشروعات» والاتصالات. وكان لدى هؤلاء المتدربون العراقيون الذين لم يذهبوا إلى لبنان فرصة لزيارة بعض الأماكن خلال الأيام المتبقية لهم في إيران، والبعض منهم ذهب إلى طهران لزيارة الأضرحة الدينية الموجودة حول المدينة العاصمة، فيما سافر آخرون إلى مدينة مشهد الإيرانية للتسوق وزيارة الحدائق السياحية أو حديقة الحيوان الموجودة هناك. شارك ستيفن فارل في كتابة التقرير من بغداد.

* خدمة «نيويورك تايمز»