إيران محذرة المنطقة والغرب من «عواقب» الحوار مع طالبان: لا داعي لفشل آخر

مصدر إيراني لـ«الشرق الأوسط» : لا نعتقد أن الحوار مع الحركة هو الحل

TT

حذر وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي من اجراء محادثات مع مسلحي حركة طالبان الافغانية، مشيرا بشكل ضمني الى فشل القوات الاجنبية في افغانستان، داعيا الغرب ودول المنطقة الى «عدم القيام بمحاولة فاشلة اخرى». واتسمت علاقة طالبان، الحركة السنية الاصولية، مع إيران، ذات الاغلبية الشيعية، بالتوتر اثناء حكمها افغانستان حتى عام 2001، الا ان الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية تتهم طهران الان بدعم عناصر طالبان ومدهم بالاسلحة الايرانية لزعزعة الاستقرار الامني والسياسي في افغانستان، وبالتالي شغل واشنطن والدول الغربية عن تحديات اخرى من بينها الملف النووي الإيراني. وفيما نفت طهران مرارا قيامها بتسليح عناصر طالبان، الا ان تقارير غربية عديدة قالت أن هناك أدلة على أن دوائر داخل المؤسسات الإيرانية تقوم بتسليح طالبان، وان أسلحة إيرانية الصنع وجدت مع مقاتلين طالبان، كما أن أحد قادة طالبان قال في حوار قبل أيام مع محطة الـ«بي بي سي» البريطانية إن الحركة تحصل على سلاح من إيران، موضحا ان السلاح الإيراني افضل وأرخص من السلاح الصيني الموجود ايضا في «السوق السوداء» للاسلحة. وقال متقي في مؤتمر صحافي أمس «اليوم أصبح العالم باكمله يعرف بالفشل الاستراتيجي للقوات الاجنبية في افغانستان ونحن ننصحهم بعدم القيام بمحاولة فاشلة أخرى». وأضاف «نحن ننصحهم بالتفكير في عواقب المحادثات (مع طالبان) التي تجري في المنطقة وفي اوروبا وتجنب ان يلدغوا من نفس الجحر مرتين». وتابع متقي «يجب على الغرب ان لا يفكر بان بامكانه حصر التطرف في افغانستان وباكستان واسيا الوسطى»، محذرا من ان التطرف سيصل في يوم من الايام الى اوروبا والغرب. وأضاف: «افغانستان تواجه اليوم اوضاعا متوترة مقارنة بالسنوات السبع الماضية وذلك منذ دخول القوات الاجنبية الي هذا البلد.. ان انتاج المخدرات في افغانستان وقياسا بفتره دخول القوات الاجنبية الي هذا البلد ازداد نحو عشره أضعاف، ويؤكد الجميع في المنطقة على فشل مهمة القوات الاجنبية في هذا البلد». وتابع متقي: «على المتفاوضين الغربيين مع جماعة طالبان أن يولوا أهمية الى المثل الايراني الذي يقول: كل من يزرع الريح.. يحصد العاصفة». واعتبر متقي دراسة اخطار سياسة الغرب في افغانستان أهم عمل يجب أن يقوم به الغرب في الظروف الراهنة، موضحا: «نحن نوصي الغربيين بالاهتمام بتبعات التطورات الجارية في المنطقة لكي لا يلدغوا من جحر مرتين».

وكان الرئيس الافغاني حميد كرزاي قد دعا طالبان الى دخول محادثات مع السلطات الافغانية لوقف العنف، بشرط قبولهم دستور حكومته وان لا يعملوا مع تنظيم القاعدة. وفيما لم يستفض متقي في تفاصيل التخوف الإيراني من المحادثات مع طالبان، قال مصدر إيراني لـ«الشرق الأوسط» ان عملية التفاوض مع طالبان قد تؤدي الى مشاكل أكثر مما تؤدي الى حلول، موضحا ان سلطة كرازي، التي لا تمتد لابعد من العاصمة كابل، قد تتدهور أكثر إذا جرت المحادثات وحدثت اختلافات بين الطرفين حول الاتفاق على توزيع الوزارات وشروط المصالحة. وتابع: «نحن دعونا دائما لمساعدة الحكومة الافغانية لاحلال الامن والاستقرار، لكننا لا نعتقد ان الحوار مع طالبان هو الطريق للحل. لا نعتقد أن قيام القوات الاجنبية بهذا سيساهم في الحل. موقفنا واضح القوات الاجنبية تعقد الوضع في افغانستان». ويعد متقي أكبر مسؤول إيراني يتحدث صراحة عن معارضة طهران لفتح حوار مع طالبان لانهاء حالة الحرب في افغانستان، وقبله تحدث السفير الإيراني في الامم المتحدة محمد خزاعي ضد الفكرة. منتقدا القوى الغربية التي ايدت الحوار مع طالبان. وقال خزاعي في تصريحات يوم 15 اكتوبر الجاري (تشرين الاول) في لقاء بالامم المتحدة حول افغانستان: «الحوار مع جماعات متطرفة في افغانستان سيساهم فقط في عودة سيطرة المتشددين من طالبان على افغانستان مجددا»، موضحا ان أفضل طريقة لتعزيز السلام والامن في افغانستان هي الاسراع في عملية إعادة البناء في افغانستان، بدعم المجتمع الدولي، كما دعا الى تأسيس جيش وقوة شرطة قوية في افغانستان لمواجهة عناصر طالبان. وتضع إيران عينها على المحادثات المحتملة مع طالبان كون افغانستان تشكل احدى اوراق السياسة الخارجية الايرانية، وعرضت طهران من قبل التوسط في الأزمات الافغانية واللبنانية والعراقية مقابل فتح حوار غير مشروط مع أميركا. وفيما تسيطر طالبان حاليا على أكثر من 50% من مساحة افغانستان، فإنها تريد انسحابا كاملا للقوات الاجنبية من افغانستان غير أنها تؤكد في الوقت ذاته انها لم تعد مرتبطة بالقاعدة ولا تحمل اجندته المعادية للولايات المتحدة الاميركية. وبالرغم من ان انسحاب القوات الغربية من افغانستان المحاذية لافغانستان يلعب في صالح إيران لانه يخفف الضغط عليها، الا ان ما قد يقلق إيران هو انها كانت تدعم قوات التحالف الشمالي (من الطاجيك والأوزبك) عام 2001 الى جانب روسيا والهند، ضد حركة طالبان (العرق الباشتوني). وينظر الطاجيك في حكومة كرازي باهتمام الى الوضع الراهن واحتمالات الحوار مع طالبان، فيما يسود الغموض ما إذا كان الرأي العام وسط طاجيك والاوزبك الافغان يدعم الحوار، تحسبا لعودة طالبان والعرق الباشتوني من السيطرة على افغانستان خصوصا وان آثار الحرب الاهلية في افغانستان عام 2001 بين الطاجيك والاوزبك الذين يشكلون التحالف الشمالي، وبين الباشتون الذين يشكلون طالبان ما زالت عالقة في الاذهان.

وأعربت العديد من الدول الغربية عن دعمها للتفاوض مع طالبان من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وذلك بعدما اقترحت السعودية افكارا للحوار مع المعتدلين من طالبان من اجل تعزيز الامن في افغانستان وإنهاء الاقتتال اليومي الذي ادى الى مقتل الالاف من المدنيين الافغان وتعطيل محاولات اعادة بناء الاقتصاد الافغاني. وكانت «الشرق الأوسط» قد كشفت عن لقاء تم بين مسوؤلين من الحكومة الافغانية ومسؤولين من طالبان في مكة مؤخرا تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بحث فيه الطرفان امكانيات الحوار، بدون ان تشكل هذه المباحثات بحد ذاتها محادثات رسمية. وأيد عدد من قادة القوات الدولية في افغانستان فكرة الحوار مع طالبان من بينهم العميد مارك كارلتون سميث، احد القادة البريطانيين البارزين في القوات البريطانية بافغانستان. بدوره اطلق الجنرال ديفيد بترايوس حملة اعادة تقييم للاستراتيجية الاميركية في افغانستان وباكستان وايران والعراق والمنطقة المحيطة محذرا في الوقت نفسه من ان انعدام التنمية وتزايد دوامة العنف في افغانستان سوف يجعل منها على الارجح «اطول حملة في الحرب الطويلة» كما نقلت صحيفة الواشنطن بوست الاسبوع الماضي. وعملية اعادة التقييم التي تستمر مائة يوم سوف تؤدي الى مخطط جديد للحملة من اجل الشرق الاوسط وآسيا الوسطى حيث ستكون القوات الاميركية البالغ عديدها اكثر من 200 الف عنصر تحت ادارته بدءا من 31 اكتوبر. والحملة سوف تبدأ رسميا الشهر المقبل الا ان الخبراء العسكريين المشاركين في الحملة يرون ان بترايوس يركز على موضوعين اساسيين هما المصالحة بقيادة الحكومة مع حركة طالبان في افغانستان وباكستان وتعزيز المبادرات الاقتصادية والدبلوماسية مع الدول المجاورة التي تؤثر على الحرب. وفي لقاء مع صحافيي واشنطن بوست، قال بترايوس ان «الجهد في افغانستان سوف يكون الحملة الاطول في حرب طويلة». وكان صرح في لقاء الاسبوع الماضي في مؤسسة «هيريتدج فاونديشن» ان اجزاء من افغانستان «تدهورت فيها الحالة الامنية خلال هذا العام» مضيفا «الدرس الاكبر في محاربة التمرد هو ان كل حالة فريدة من نوعها. يجب ان نكون متنبهين جيدا ليكون لدينا هذا الفهم المتناسق للظروف على الارض». ومن اهم الاهداف التي يركز عليها بترايوس هي المصالحة مع المتمردين المعتدلين من طالبان الراغبين بالتعامل مع الحكومة الافغانية. ويقول «أعتقد ان علينا ان نتحدث الى الاعداء، من الواضح اننا نريد ان نتصالح مع اكبر عدد منهم، المسألة الرئيسية هنا هو ان نتأكد من ان كل ذلك يتم بالتنسيق مع الحكومة الافغانية والرئيس كرزاي وبدعمهما المطلق».