زعماء الصحوة في الأنبار يعيدون رسم ملامح محافظتهم.. وربما مستقبل العراق

يحولون مناطقهم إلى إقطاعيات يفرضون فيها قوانينهم

الشيخ جاسم السويداوي يحمل بندقيته («واشنطن بوست»)
TT

فيما بدأ حلول الظلام، جلس جاسم محمد السويداوي على وسادة بنية اللون على الأرض، مدخنا بشراهة، وهو يراقب بهدوء بالغ رجال القبيلة وهم يتجادلون بخصوص الدّية. فقد قتل رجل من الدليم آخر من قبيلة الجنابي، وكان بمقدور كبار القبيلتين الاجتماع طلبا لتنفيذ العدالة عن طريق المجلس العرفي، كما كان بإمكانهم التباحث مع الشيوخ التقليديين الذين يدركون تماما الطرق المتوارثة عبر قرون لحل النزاعات. إلا أنهم لم يفعلوا ذلك. لقد جاءوا إلى السويداوي، وهو رجل تغلب عليه سمرة الشمس، كما أنه شيخ قبيلة يدعمه الأميركيون، وفي أقل من عامين فقط، أصبح أقوى الرجال نفوذا في منطقة شرق الرمادي. وقد سأل الرجال الحاضرين إذا ما كانوا يثقون في سلطته ونفوذه، فأومأوا بالموافقة. وفي غضون دقائق معدودة، أنجز عملية التسوية، إلا أن بعض الرجال لم يكونوا راضين عنه، ومع ذلك، كانوا يخشون أيضا السويداوي (52 عاما)، كما أنهم كانوا بحاجة إلى حمايته. وقال السويداوي لرجال القبيلتين وهم يقبلونه كتقدير له: «إن تقديركم لي لن يُنسى».

ويعتبر الشيخ جاسم ـ والذي يدعوه رجال قبيلته بالسويداوي ـ من بين جيل جديد الزعماء القبليين الذين بزغ نجم نفوذهم عبر المناطق السنية، كما نالوا احترامهم من خلال خوضهم القتال ضد المتمردين التابعين لتنظيم القاعدة في العراق. وعن طريق الدعم وأموال الأميركيين، استطاع شيوخ وزعماء هذه القبائل إقرار نظام هش في محافظة الأنبار ـ والتي كانت في يوم من الأيام أشد مسارح العنف في العراق وأخطرها ـ بل إنهم أيضا حققوا في شهور ما لم تستطع القوات الأميركية إنجازه في سنوات. إلا أن سطوع نجم هؤلاء القادة والزعماء ـ والذين يُطلق عليهم قوات الصحوة ـ من شأنه أي يؤدي إلى الانجرار وراء صراعات جديدة من الممكن أن تتعمق دون الدعم العسكري الأميركي فيما بعد الانسحاب. فقد عمل هؤلاء الزعماء والقادة الجدد على تجريد الزعماء القبليين التقليديين من نفوذهم، كما أنهم حولوا المناطق السنية إلى إقطاعيات يفرضون فيها نفوذهم وسلطانهم وقوانينهم ويرسخون فيها مجتمعاتهم مضعفين بذلك نفوذ وسلطان الحكومة المركزية. وقد بدأت هذه الانقسامات في الظهور الواحدة تلو الأخرى مع توالد الزعماء القبليين الجدد، بل إنهم حتى ينافسون الأحزاب السنية على الهيمنة السياسية. ويعكس صعودهم كيف يشكل صراع المراكز المحلية والإقليمية بصورة متزايدة مستقبل العراق. كما أن نفوذهم المتزايد يؤكد أن قطاعات كبرى من العراق ستبقى خاضعة للقانون القبلي، بدلا من القوانين الحديثة، الأمر الذي يفرض بدوره الكثير من العوائق على الأسس الديمقراطية التي يحلم الكثيرون بأن يرونها راسية بالبلاد. ويقول السويداوي: «لا يمكن لأحد أن يزيحنا»، ففي هذه الأيام، يدعي السيطرة على أغلب قبيلة البو سودا، والتي يبلغ عدد أفرادها 30.000.

ومنذ أن تأسست قوات الصحوة في الأنبار عام 2006، توسعت وانتشرت في أغلب المقاطعات ذات الغالبية السنية ببغداد، والمحافظات الأخرى لتكون وسيلة للسنة للدفاع الشرعي عن النفس. كما أن القوات الأميركية بدورها كانت تمنح رواتب شهرية قدرها 300 دولار لمقاتليها – وأغلبهم من المتمردين السابقين ـ لحراسة مناطقهم وإيقاف الهجمات على القوات الأميركية. علاوة على هذا، سلم المسؤولون العسكريون الأميركيون زعماء الصحوة القبليين عقود إعادة الإعمار الخاصة بمناطقهم، اعتمادا على نفوذهم بتلك المناطق. وكانت القوات الأميركية تقوم بدعم العمليات القبلية ضد «القاعدة» في العراق عن طريق الغارات الجوية والمساعدات اللوجستية العسكرية الأخرى. ويتذكر السويداوي أن الضباط الأميركيين وعدوه بتعبيد الطريق المؤدي إلى منزله. وقد اعترف القادة الأميركيون بأن حركة الصحوة قد قامت بدور رئيس في خفض معدلات العنف في مختلف أنحاء العراق، بل ذهب البعض إلى ما هو أبعد من ذلك، مشيرين إلى أنها لعبت دورا أكثر أهمية من الزيادة الأميركية في العام الماضي والتي كان قوامها 30.000 جندي. وفي هذا الشهر، سلم الجيش الأميركي للحكومة المركزية أكثر من نصف جماعات الصحوة، والتي يبلغ قوامها في الوقت الحالي 100.000 تقريبا، أغلبهم من المحاربين السنة. إلا أن الحكومة ـ المصرة والواثقة بأنها قادرة على توفير الأمن من جانبها ـ رفضت تسجيل أغلب أعضاء الصحوة في قوات الشرطة أو الجيش. بل إن قوات الأمن العراقية ألقت بدورها القبض على بعض زعماء الصحوة والذين كانوا من المتمردين سابقا، وذلك مخافة أن يحملوا السلاح مجددا ضد الحكومة. وفي هذا الصدد يقول حيدر العبادي ـ المشرع الشيعي في حزب الدعوة التابع لرئيس الوزراء نوري المالكي: «هناك أعضاء صالحون بالصحوة، ولكن هناك آخرون كان كل ما فعلوه ببساطة هو تغيير قمصانهم، وهم لا يريدون التقدم، ولا يؤمنون بعراق جديد. ونحن لا نريد دخول تلك العناصر إلى صفوف قواتنا الأمنية». من جانبهم، يخشى القادة الأميركيون أنه من الممكن أن تتلاشى نجاحاتهم التكتيكية إذا أوقف القادة العراقيون دفع أجور محاربي قوات الصحوة، حيث يقول الجنرال جيفري هاموند ـ القائد العسكري الأميركي المسؤول عن بغداد: «إن هذا الأمر قد يحدث تمزقًا في هذا البرنامج المهم، والذي قد يؤدي بهؤلاء الرجال إلى اللجوء إلى العنف. وذلك نظرا إلى أن هناك دائما شخصا ما في الخارج مثل (القاعدة) وجماعات المقاومة المحددة العازمة على منحهم اتفاقًا أفضل من جانبهم».

أما في الأنبار، يصر السويداوي وباقي الزعماء الآخرين الذين أسسوا الصحوة على أنهم لن يعودوا إلى العنف مرة أخرى. وقد انضم 20.000 مقاتل إلى قوات الشرطة بتلك المناطق، إلا أنهم ما زالوا موالين إلى قبائلهم أكثر من الحكومة، مما يعمق من مشكلة السيطرة على الحركة. ويقول السويداوي: «إنني غير واثق في الحكومة العراقية، فهناك برنامج لإقصائنا من العملية الأمنية بأي طريقة ممكنة».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)