الانتخابات الأميركية ـ معركة الرئاسة.. كل المؤشرات تاريخية

مكانان في نيويورك تفصل بينهما مسافة عشر دقائق مشيا على الأقدام.. يحملان مفتاح البيت الأبيض

TT

للمرة الاولى في التاريخ تصبح نتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية تاريخية، قبل صدورها. يومان متتاليان، الاول في الثامن والعشرين من أغسطس (آب) يوم اعلان باراك اوباما ترشيحه الرسمي للانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي، والثاني في التاسع والعشرين يوم اعلان الحزب الجمهوري ترشيح سارة بالين لمنصب نائب للرئيس مع جون ماكين، خطّا محطة جديدة في تاريخ الولايات المتحدة. بعد أقل من أسبوعين، سيعرف الاميركيون أي تاريخ سيصنعونه وسيكونون قد اختاروا بين أول رئيس أسود، أو أول امرأة تصبح على بعد «دقة قلب واحدة» من مقعد الرئاسة.

مسيرة دراماتيكية خاضها المرشحان في حملتيهما الطويلتين اللتين بدأتا قبل عامين. وفي هذه المسيرة أحداث أخرى لا تقل دراماتيكية رافقت السباق. «الايام السوداء» التي خلفتها الازمة الاقتصادية، و«الخانة الرمادية» التي تشكلها العنصرية، تجعلان من هذا السباق سباق الاقتصاد واللون بامتياز.

منذ عام تقريبا، قبل شهرين من انطلاق الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، كانت هيلاري كلينتون تتقدم على باراك أوباما بعشرين نقطة. لم يتوقع أحد ان يحقق المرشح الشاب، القليل الخبرة، والصغير في السن، وصاحب «الاسم الغريب» ما حققه. الجميع كان ينتظر من هيلاري كلينتون ان تصنع التاريخ بإدخال اول امرأة الى البيت الابيض. لم يتوقع احد ان الولايات المتحدة أصبحت جاهزة لإدخال اول اسود الى البيت الابيض، ولم يمرّ بعد 45 عاما على اعطاء الاميركيين السود حقوقهم المدنية.

ومنذ نحو عام أيضا، كان المرشح الجمهوري جون ماكين على وشك الانسحاب من السباق بسبب نفاد أموال التبرعات لمتابعة حملته. لم يتوقع أحد أن يتابع حملته، ويفوز الرجل «المستقل» في الحزب، والذي لا يحبه المحافظون، بترشيح الحزب الجمهوري. ولكن هذا النفور بين ماكين والقاعدة الرئيسية في الحزب، هو الذي سيجعل من فوز المرشح الجمهوري، تاريخيا أيضا، أسوة بفوز أوباما، بسبب اختياره امرأة للترشح معه، ارضاء للمحافظين في حزبه.

مسيرة الرجلين رافقتها أحداث دراماتيكية أيضا، قلبت المعادلة وأعطت تقدما واضحا لاوباما، بعد ان كان المرشحان متعادلين لاسابيع، وهو تعادل برره البعض بأنه بسبب لون اوباما. وقبل ان تبدأ «الايام السوداء» بالتوالي على السوق المالية في نيويورك، ويبدأ اوباما بتحقيق تقدم في استطلاعات الرأي، كانت النتائج بين المرشحين متقاربة رغم انتماء المرشح الجمهوري الى حزب رئيس فقد شعبيته، بشكل أساسي بسبب الحرب على العراق. وتقول البروفسورة فاليري سانكلير، من مركز دراسات السياسة الاميركية الافريقية في جامعة روشستر الاميركية لـ«الشرق الاوسط»، إن السبب الرئيسي الذي جعل من السباق متقاربا لهذه الدرجة هو لون أوباما من دون شك، والتمييز العنصري الذي لا يزال يسيّر البعض.

ولكن التحول في السباق الذي بدأ يوم 15 سبتمبر (أيلول)، مع اعلان افلاس «ليمان براذرز» ـ رابع أكبر مصرف أميركي، هو دراماتيكي، لانه قبل شهر واحد كان يبدو أن ماكين قد بدأ يتقدم على منافسه، مستفيدا من الازمة التي اندلعت في القوقاز بين جورجيا وروسيا. وكانت استطلاعات الرأي تشير الى ان 55 في المائة من الاميركيين يثقون بماكين أكثر للتعاطي مع روسيا، مقابل 27 في المائة فقط بأوباما. وحتى ان الشكوك بقدرة اوباما على التعاطي مع الازمات الخارجية كانت منتشرة بين مؤيديه، إذ قال 48 في المائة فقط من المسجلين مع الحزب الديمقراطي انهم يعتبرون أوباما مؤهلا للتعاطي مع الازمة مقابل 31 في المائة اختاروا ماكين. وقد تكون من أكثر اللحظات التي خلّفت ندما وجدالا في هذه الحملة، هي اللحظات التي اعترف فيها ماكين بأن معرفته بالاقتصاد هي أقل بكثير من معرفته بقضايا الدفاع والسياسة الخارجية. كانت تلك اللحظات هي التي ستطارد جون ماكين حتى الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني). وعلى الرغم من انقضاء ثلاث سنوات على تصريحاته هذه، لم تهدأ مخاوف الناخبين من قدرته على ادارة أفضل للاقتصاد، حتى مع نفيه اقواله بعد شهرين من الادلاء بها، وتأكيده على أنه «متمكن في الاقتصاد». فبعد اختيار الحزبين رسميا لمرشحيهما، كانت النقاشات لا تزال تركز على الحرب في العراق والحرب في افغانستان وملاحقة اسامة بن لادن، وكلها تعتبر «ملعب ماكين»، اضافة الى القضايا الداخلية الاخرى مثل الضمان الصحي وازمة البيوت. نقاط قوة ماكين هي من دون شك خبرته الطويلة في الكونغرس ومعرفته الواسعة في السياسة الخارجية. حتى ان كبير الاستراتيجيين في حملته، شارلي بلايك، قال في زلة لسان قبل نحو ثلاثة أشهر من تفجر الازمة الاقتصادية، إن ماكين سيستفيد كثيرا من اعتداء ارهابي يضرب الولايات المتحدة قبل الانتخابات الرئاسية. وتبين زلة اللسان هذه اهمية الاحداث التي تقع قبل الانتخابات مباشرة ودورها في التأثير على اصوات الناخبين، احيانا تأثيرا حاسما. فلو ان «زلزالا ارهابيا» ضرب الولايات المتحدة، كما قال بلايك، بدلا من «الزلزال الاقتصادي»، لكان ماكين حتما هو الذي يتقدم استطلاعات الرأي اليوم. وهكذا، تبادل مكانان في نيويورك، تفصل بينهما شوارع قليلة ومسافة عشر دقائق مشيا على الاقدام، مفتاح الدخول الى البيت الابيض في انتخابات العام 2004 وانتخابات اليوم. المكان الاول هو «غراوند زيرو» أو «المنطقة صفر» التي جعلت قضية «الحرب على الارهاب» هاجس الاميركيين الاول بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001. والمكان الثاني هو شارع «وول ستريت» الذي أحدث زلزالا ماليا في سبتمبر (أيلول) الماضي، جعل من الازمة الاقتصادية تتصدر هواجس الاميركيين وتتقدم على الحرب على الارهاب والحرب في العراق.

وبعد ان كانت المنافسة قبل أربع سنوات بين جورج بوش ومنافسه الديمقراطي حينها جون كيري على اقناع الناخبين بالقدرات القيادية لكل منهما على متابعة «الحرب على الارهاب» تحولت اليوم الى منافسة لاقناع الناخبين بالافضل لانقاذهم من الازمة الاقتصادية، ولكن في خبايا هذه المنافسة أمورا أكثر تعقيدا. فحتى بعد حدوث الزلزال الاقتصادي، والتقدم الذي يبدو أن اوباما يحققه في استطلاعات الرأي، لا يزال التخوف من «الخانة الرمادية»، العنصرية، التي قد تشكل المفاجأة يوم الانتخابات. جورج دياز، وهو كاتب وصحافي في صحيفة «اورلاندو سانتينل» في فلوريدا، قال في حديث مع «الشرق الاوسط» ان «العنصرية واقع موجود، ولكن ما ليس معروفا هو حجمها والى اي مدى قد تعلب دورا في الانتخابات». فالمرشح الديمقراطي الذي استفاد من الازمة الاقتصادية أمامه عوائق أخرى قد تقف في طريقه يوم الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني)، خصوصا مع هدوء الاسواق المالية، وسكون الذعر الذي يسيطر على اذهان الاميركيين من الوضع الاقتصادي. أوباما لديه مشكلتان أساسيتان في نظر البعض: والده الذي أورثه اسمه ولونه، وخبرته.

وعلى الرغم من تخطي مسألة التمييز في القانون بين السود والبيض منذ أكثر من أربعين عاما، إلا ان التمييز العنصري لا يزال أمرا يعاني منه السود في الولايات المتحدة. فهم يعانون مثلا من مستوى بطالة أكثر ارتفاعا من الفئات الاخرى، وتبلغ نسبة البطالة بينهم 11.4 في المائة بحسب آخر احصاء في سبتمبر (أيلول) الماضي صادر عن مركز التعداد السكاني، ويشير الى ان هذا المعدل ارتفع خلال الشهر الاخير، مقارنة بـ5.4 في المائة لدى البيض و6.1 في المائة على الصعيد الوطني.

ويروي شبان في هارلم، الواقعة في نيويورك وكانت تعرف بعاصمة السود في الولايات المتحدة، قصصا يومية عن حوادث يتعرضون لها بسبب لون بشرتهم. لاري وكليف مثلا، شابان يعملان في محل للحلاقة في هارلم، رويا لـ«الشرق الاوسط» خلال جولة في الحي كيف تعرض أحدهما للتوقيف والتفتيش من قبل الشرطة من دون سبب، والاخر يخبر بألم كيف رفض سائقو سيارات أجرة التوقف له. ونتائج الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي تدل بوضوح على ان اوباما كانت لديه مشكلة التواصل مع البيض الذين ينتمون الى الطبقة العاملة. فقد فازت هيلاري كلينتون حينها بالولايات التي تضم عددا كبيرا من الطبقة العاملة البيضاء، وحاولت في ما بعد اقناع الناخبين الكبار بان عدم قدرة اوباما على التواصل مع هذه الفئة قد يكلف الحزب البيت الابيض. وعلى الرغم من فوز اوباما بترشيح الحزب الديمقراطي، لا يزال الكثيرون من هذه الطبقة من الذين صوتوا لكلينتون في الانتخابات التمهيدية، مترددين ويرفضون تأييد اوباما. قليلون يعترفون بان سبب عدم تأييدهم لاوباما هو لون بشرته. ميك مثلا، شاب في الثلاثينات من عمره من ولاية فرجينيا، كان يعمل في سوق للخضار في ميشيغان، قال لـ«الشرق الاوسط»: «ما زال الوقت مبكرا لرئيس أسود... كم يشكل السود من مجموع الاميركيين؟ 20 في المائة؟ الوقت لا يزال مبكرا».

ويشير استطلاع للرأي أيضا أجرته وكالة اسوشييتد برس للأنباء وموقع «ياهو» على الانترنت، الى أن ثلث البيض الذين ينتمون الى الحزب الديمقراطي، يحملون أفكارا سلبية عن السود، والكثير منهم يصف السود بأنهم «كسالى» و«عنيفون». ولكن على الرغم من كل هذه المعطيات، لا يزال غير معروف عدد الذين لن يصوتوا لاوباما لانه أسود، وقد لا يعرف حتى بعد انتهاء الانتخابات وظهور النتائج. ولكن ويليام غالستون، وهو كان من كبار مستشاري الرئيس بيل كلينتون ويعمل اليوم كخبير في شؤون السياسة الاميركية في معهد بروكينغز في واشنطن، يقول لـ«الشرق الاوسط» إنه كلما ساء الوضع الاقتصادي، كان التركيز أكثر على المشروع الاقتصادي الذي يقدمه اوباما بدلا من لونه. ولكنه يضيف أنه مع اقتراب الانتخابات وهدوء الاسواق المالية، ستهدأ هواجس الاميركيين أيضا ومخاوفهم من تدهور الاقتصاد. الا ان انسحاب حملة ماكين من ميشيغان وولايات أخرى يوحي بان الطبقة العاملة البيضاء قد تختار في النهاية المرشح الذي يقدم لها مشروعا اقتصاديا جيدا وتغض النظر عن لونه.

وميراث والده الذي سيكون أحد العوائق أمامه يوم الانتخابات ليس لونه فقط، بل اسمه حسين.

اوباما نفسه كان يعلم ان هذا الاسم سيصبح عبئا عليه. فكتب في كتابه الثاني «جرأة الامل» الذي صدر في العام 2006، انه بعد تجربته الاولى الفاشلة للحصول على مقعد في الكونغرس، أراد ان يحاول مرة ثانية بعد عامين، وكان ذلك في نهاية العام 2001، بعد اعتداءت 11 سبتمبر (أيلول). كتب ان صديقا له يعمل مستشارا اعلاميا، قال له حينها: «أنت تعلم ان الدينامية السياسية تغيرت؟ حظك سيئ. لا يمكنك ان تغير اسمك بالطبع... لو كنت لا تزال في بداية مهنتك ربما ولكن الان...». الشائعات عن انه مسلم بالسر لم تهدأ منذ إعلانه ترشحه. ومؤخرا، بدأ روش ليمبو، مقدم برنامج اذاعي وهو من الجمهوريين المحافظين، يقول ان اوباما عربي، لإخافة الناخبين منه. وراح عدد من مؤيدي ماكين يردد كلامه. كثيرون يصدقون ان اوباما مسلم. جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الاميركي، ومن المندوبين الكبار في مؤتمر الحزب الديمقراطي، يروي لـ«الشرق الاوسط» ان اسم باراك حسين لم يكن فقط يخيف الاميركيين العاديين، بل حتى بعض المندوبين الكبار في مؤتمر الحزب الديمقراطي. ويقول انه خلال الانتخابات التمهيدية، كان يجري اتصالات مع مندوبين كبار في المؤتمر كونه واحدا منهم، لاستطلاع عدد مؤيدي اوباما، «وحتى هؤلاء المندوبين، الذين يفترض أنهم من قادة الحزب، كانوا يترددون ويقولون انهم يتلقون رسائل الكترونية تقول ان اوباما مسلم بالسر وأنه يكذب بشأن ديانته وعرقه...».

والذين لا يصدقون أنه مسلم، يشككون في أمر آخر، هو وطنيته. فانتماؤه طوال عشرين عاما الى كنيسة جيريمايا رايت، القس الذي يدعو الى «لعن آميركا بدلا من تمجيدها» ويعتبر ان ما أصابها في 11 سبتمبر (أيلول) هو نتيجة سياساتها في العالم، يجعل البعض يتساءل كيف كان أوباما ينتمي الى هذه الكنيسة لمدة عشرين عاما من دون ان يكتشف ان هذه افكار قسها ؟ وبالتالي يقولون انه يؤيد هذه الافكار. البعض يزعجه الامران معا. الحاخام تورك، وهو من اليهود الاورثوذكس في ميامي في ولاية فلوريدا، يتحدث عن الشائعة التي انتشرت بكثرة وأقلقت بعض اليهود، وهي ان اوباما مسلم، ويضيف لـ«الشرق الاوسط» ان ما يؤثر سلبا على سمعة أوباما بين اليهود المحافظين، هو «انتماء اوباما طوال 20 عاما الى كنيسة عنصرية، قسها جيريمايا رايت معاد لاسرائيل». وبالاضافة الى كل ذلك لدى اوباما مشكلة أخرى وهي صغر سنه ونقص خبرته. ولكن هذا الامر بقدر ما يشكل عائقا بالنسبة للبعض، ومن بينهم اليهود المحافظون والاميركيون الكوبيون الذين تعتبر اصواتهم مهمة جدا في فلوريدا، وآخرين، وخصوصا من هم في عمر الشباب، عامل جذب كبير. فالكثيرون اقتنعوا بخطابه القائل ان الحكمة اهم من الخبرة مستندا بذلك الى خطابه الشهير الذي ألقاه في الكونغرس مفندا فيه سبب رفضه للحرب على العراق. كما ان آخرين اطمأنوا أيضا عندما أحاط نفسه بعدد كبير من المستشارين المهمين في السياسة الخارجية واختياره لجوزيف بايدن، سيناتور ديلاور، الذي قضى ثلاثين عاما في الكونغرس ويرأس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، ليترشح معه كنائب للرئيس. ولكن البعض، مثل فيليكس رودريغز (كوبي أميركي من ممثلي المجتمع الكوبي في فلوريدا) يعتبر اوباما «ساذجا». ويقول لـ«الشرق الاوسط» إن مواقفه تبدو ضعيفة ودعوته للحوار مع أشخاص مثل فيديل كاسترو، غير واقعية.

ولكن في مقابل لون واسم اوباما، لدى ماكين أيضا مشكلتان اساسيتان: الاولى عمره، والثانية انتماؤه الى الحزب نفسه الذي ينتمي اليه رئيس فاقد لشعبيته.

ماكين يبلغ من العمر اليوم 72 عاما. واذا فاز، سيكون أكبر رئيس يشغل البيت الابيض من الولاية الاولى، علما بان رونالد ريغان كان في الـ73 من العمر عندما فاز في ولايته الثانية وفي الـ77 عندما غادر الجناح الغربي. يتخوف البعض من صحة ماكين، ليس فقط بسبب كبر سنه، بل بسبب اصابته في السابق بسرطان الجلد. ولم يساعده اختيار سارة بالين، حاكمة ولاية آلاسكا، للترشح معه كنائب للرئيس، في تهدئة هذه المخاوف. وعلى الرغم من أن بالين تمكنت من سرقة الاضواء من اوباما في الايام وحتى الاسابيع الاولى من اعلان الحزب الجمهوري اختيارها، الا ان تسليط الاضواء عليها كشف نقص معرفتها الكبير بالسياسة الخارجية وقضايا الاقتصاد. ولكن اختيار بالين ساعد ماكين مع الناخبين المحافظين في الحزب الجمهوري، وهم يشكلون قاعدة انتخابية مهمة للحزب ساعدت جورج بوش على الفوز، ويعتبرون ماكين اكثر ليبرالية مما يتحمل الحزب الجمهوري.

أما مشكلته الثانية، فهي ارتباطه بجورج بوش، رئيس فقد شعبيته اولا بسبب الحرب على العراق، وثانيا بسبب الوضع الاقتصادي الذي يحمله معظم الاميركيين مسؤولية اهتزازه، وهو أمر تحاول حملة المرشح الديمقراطي منذ أشهر التركيز عليه وتصوير ماكين على انه بوش. ولكن يبدو ان الجهود التي يبذلها ماكين لاظهار نفسه على انه «مستقل» عن بوش قد بدأت تلعب دورها، اذ ان استطلاعا للرأي ظهر قبل يومين وبيّن انه للمرة الاولى، هناك أقلية ترى ان ماكين هو بوش وليس أكثر، اذ قال 51 في المائة انهم يرون ماكين كرجل مستقل بقراراته مقابل 46 في المائة قبل شهر، وقال 49 في المائة أنه شبيه ببوش.

إلا ان اوباما يتقدم على ماكين في أمر آخر غير الاقتصاد: الحيوية التي استطاع ان يوصلها الى الناخبين الشباب، والاقليات والاثنيات الاميركية، ومن بينهم العرب الذين يشعرون باستياء كبير من المعاملة التي يلقونها بعد 11 سبتمبر (أيلول) ويقولون انها المرة الاولى التي يشعرون فيها منذ زمن ان هناك من يستمع اليهم. كثيرون شبهوا أوباما بجون كينيدي، حتى شقيقه ادوارد كينيدي وابنته كارولين وآخرون من الذين يتابعون الانتخابات الاميركية منذ سنوات، قالوا انهم لم يشاهدوا مثل هذه الحماسة لدى الشباب، واذا خرجوا يوم الانتخابات للتصويت بالحماسة نفسها التي قادتهم طوال الحملة الانتخابية، فان اوباما سيتمكن من تعويض الاصوات التي قد يفقدها بسبب لونه واسمه ونقص خبرته. وقد يكون الدليل على ذلك التبرعات الهائلة التي تمكن اوباما من جمعها، معظمها من أشخاص عاديين. فخلال شهر سبتمبر (أيلول) وحده، جمع اوباما 150 مليون دولار اميركي، وهو رقم حطم حتى ارقامه السابقة التي جمعها. ووصل مجموع التبرعات التي جمعتها حملة أوباما في الانتخابات الرئاسية الى 600 مليون دولار أميركي، وهو رقم يعادل المبالغ التي جمعها المرشحان بوش وكيري في انتخابات العام 2004 من متبرعين كبار. أما ماكين الذي قبل التبرعات الفدرالية التي رفضها اوباما، فقد جمع في شهر أغسطس (آب) المبلغ الاعلى والذي بلغ 47 مليون دولار أميركي، علما بان انفاق حملته خلال الانتخابات محدود بسقف الـ 84 مليون دولار.

وتمكن اوباما حتى الان من اختراق ولايات حمراء (جمهورية) وتحويلها الى زرقاء (ديمقراطية) وبنفسجية (ولايات متأرجحة)، مثل كولورادو ونيفادا وميسوري وايوا واوهايو وفلوريدا وفرجينيا وايوا ونيومكسيكو. نتائج الانتخابات في الرابع من نوفبمر (تشرين الثاني) سينتظرها ليس فقط الاميركيون بل العالم أجمع. فالرئيس الجديد امامه تحديات كبيرة ليست فقط داخلية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، بل عليه اتخاذ قرارات مهمة على صعيد باكستان وافغانستان وحرب الارهاب ومصير الجيش الاميركي في العراق والازمة الايرانية وربما مسيرة السلام في الشرق الاوسط.

* غدا : «اللون».. القضية الصامتة