موريتانيا: مداخلة الوزير أحرجت الجنرال وتسببت في إقالة مدير التلفزيون

شخصيات موريتانية توجه رسالة لساركوزي وتدعوه لـ«عدم إفساد الوئام بين الدولتين»

TT

ما زالت تداعيات برنامج حواري مباشر بثه التلفزيون الموريتاني قبل ثلاثة أسابيع، تلاحق القائمين على هذا البرنامج، حيث أثارت جدلا واسعا في الساحة السياسية الموريتانية، خصوصا بعد اعتقال الوزير السابق اسلم ولد عبد القادر أحد أبرز ضيوف هذه الحلقة، وإحالته للعدالة.

وأثارت هذه الحلقة التي بثها التلفزيون الموريتاني على الهواء مباشرة، استياء في الأوساط العسكرية وأججت مشاعر الغضب لدى رئيس المجلس الأعلى للدولة الجنرال محمد ولد عبد العزيز، الذي سارع لإقالة مدير التلفزيون وعزل مقدم البرنامج، فيما رفعت وزارة الدفاع دعوى قضائية ضد أحد ضيوف البرنامج على خلفية اتهامه لرئيس الدولة باغتصاب السلطة عن طريق «ميليشيات» الحرس الرئاسي، الذي اعتبر أنها قوة غير مشروعة، وطالب الجيش بأخذ مسؤولياته لحماية الحوزة الترابية. يشار إلى أن الجنرال عبد العزيز هو من يرأس هذه الكتيبة.

وفيما اتسمت برامج التلفزيون الموريتاني خلال السنتين الماضيتين بهامش واسع من الحرية، فتح الباب أمام البرامج الحوارية التي تلتقى فيها مختلف وجهات النظر، فإن الرفض الشعبي لانقلاب السادس من أغسطس (آب) الماضي، الذي قاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز دفع السلطات لتقليص هذا الهامش، وكرست جميع البرامج الحوارية في وسائل الإعلام الرسمية لحشد الدعم والتأييد لمنفذي الانقلاب، مما جعل الأطراف السياسية المناوئة للانقلاب غائبة عن المشاركة في برامج التلفزيون الحكومي، ووصل الأمر إلى حد توقيف بث الحوارات المباشرة والاقتصار على تلك المسجلة مع الإصرار على اختيار ضيوف معروفين بولائهم للقادة الجدد.

ولاحظ القائمون على التلفزيون الرسمي، تراجعاً في عدد المشاهدين، فحاولوا كسر هذا الجمود الذي أصبح يلف الحياة في هذه المؤسسات، مما قادهم لاستعادة بعض الحوارات التي كانت تجذب المشاهدين وتسليط الضوء على بعض القضايا الأكثر متابعة ومن بينها برنامج «تحت الضوء» الذي يقدمه الصحافي سيدي ولد لمجاد، وقد سبق له أن أقيل من نفس المنصب بسبب إثارته لقضايا حساسة لرئيس الحكومة السابق يحيى ولد الواقف في حلقة مباشرة من برنامجه الأسبوعي. كان الشيء الوحيد الذي لم يكن يدور بخلد مدير التلفزيون الرسمي، وهو يختار بعناية فائقة أسماء ضيوف أول حلقة مباشرة عقب الانقلاب العسكري، هو أن يصب المشاركون جام غضبهم على الرئيس الجديد إلى حد تحميله مسؤولية كل ما تعرضت له موريتانيا من كوارث في الفترة الأخيرة، واتهامه بالإبقاء «على ميليشيات بعض عناصرها أجانب» وتوفير كل ما تحتاجه من معدات متطورة فيما لا يتوفر الجيش الآخر على أبسط نوع من الذخيرة، على حد قوله.

وعلى ما يبدو فإن مدير التلفزيون الجديد وهو صديق مقرب من الرئيس الحالي وابن عمه، فشل في أول مهمة أسندت إليه منذ توليه هذا المنصب صبيحة إطاحة الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وانتهى مشواره القصير بالإقالة ثم الاستجواب من طرف فرقة الدرك المختلطة، بعد تحريك وزارة الدفاع دعوى قضائية ضد أحد ضيوف الحلقة التلفزيونية المثيرة للجدل وتم الاستماع لطاقم البرنامج بمن فيهم الفنيون ليقتسم الكل مسؤولية تصريحات اعتبرت السلطات أنها تهدف للعنف والتحريض وزرع الأحقاد بين ضباط المؤسسة العسكرية، مما قد يضع الرئيس الجديد على المحك لإظهار صورة مغايرة لتلك التي رسمها ولد عبد القادر في أذهان الموريتانيين في حلقة حوارية أذيعت لمرة واحدة، عكس حلقات كثيرة أخرى اعتاد الموريتانيون على سماعها أكثر من مرة. ولم يتسن الحصول على تعليق من مدير التلفزيون.

وفي سياق متصل، دعت شخصيات عسكرية ومدنية موريتانية أمس، الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى «عدم افساد الوئام بين الدولتين» وذلك تعليقا على اشتراط الاتحاد الاوروبي التحرك لإعادة الحكم الدستوري للبلاد خلال شهر.

وأضافت الشخصيات المدنية والعسكرية في رسالة وجهتها الى الرئيس الفرنسي الذي ترأسه بلاده الاتحاد الاوروبي حالياً: «من واجبنا أن ننادي فيكم صفات رجل الدولة ومعاني المسؤولية، كي لا تفسدوا الوئام بين الدولتين الذي استطعنا الحفاظ عليه من كل الهزات. وفي النهاية نؤكد لكم ان الشعب الموريتاني يرفض رفضا باتا نقطتين أساسيتين.. الاولى عودة الرئيس المخلوع، والثانية تطبيق العقوبات على الدولة الموريتانية». وفي تصريح للصحافة، قال نقيب المحامين السابق السيد أحمد ولد يوسف ولد الشيخ سيديا، ان الهدف من الرسالة «هو اشعار الفرنسيين بضرورة احترام التوازنات القائمة في موريتانيا»، داعيا الفرنسيين الى أن يكونوا جزءا من الحل بدلا من الحصار والتضييق على الشعب الموريتاني، «الذي لا يتحمل الحصار».

ومن أبرز الموقعين على الرسالة، قائد أركان الدرك الأسبق العقيد فياه ولد معيوف، والوزير الأول الموريتاني الاسبق سيد احمد ولد ابنيجاره، وقائد أركان الدرك الاسبق العقيد محمد محمود ولد الديه، والعقيد احمد ولد احمد عيده وهو قائد سابق لأركان الحرس، والنقيب جدو ولد حكي مدير سابق للامن ورئيس الهيئة العليا للصحافة هيبتن ولد سيدي هيبه، ونقيب المحامين السابق أحمد ولد يوسف ولد الشيخ سيديا.