الأزمة الاقتصادية في إيطاليا تجعل رئيس الوزراء يحلق عالياً

برلسكوني يتمتع بأكبر نفوذ منذ دخوله الساحة السياسية رغم تراجع أسهم شركاته

رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو بيرلسكوني ينظر الى وزيرة التعليم الايطالية ماريستيلا جيلميني اثناء مؤتمر صحافي لهما في روما امس (أ ف ب)
TT

في ظل الهبوط الحاد الذي تشهده الأسواق العالمية والذعر الذي ينتاب جميع المستثمرين على اختلاف أنشطتهم، ظل الملياردير ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني يتابع أسهم شركاته، وهي تهوي بنسبة تصل إلى نحو 40 في المائة. ومع ذلك، بقي رئيس الوزراء مبتهجاً على عادته، كما ظل يمرح حتى الفجر في إحدى صالات ملهى ليلي بميلانو بعد أن أنهى اجتماعا مع القادة الأوروبيين يدور حول كيفية التعامل مع الأزمة المالية. وبعيداً عن نزواته التي بسببها يكرهه الإيطاليون ويحبونه في الوقت نفسه، بدأ برلسكوني، 72 عاماً، في التحليق عالياً، حيث أصبحت سلطته ونفوذه أعلى من السابق. والسبب في ذلك يرجع إلى أن هذا الرجل الذي يتمتع فعلياً بمكانة فريدة في نوعها بمركز الاقتصاد والسياسة في البلاد، يقف الآن في صف التحكم في مليارات الدولارات من الأموال العامة لإنقاذ الشركات الخاصة التي في أمس الحاجة إلى ذلك. ويؤكد التوسع الزائد في نفوذ وسلطة برلسكوني ـ وهو الوضع الذي يهاجمه البعض هنا في إيطاليا، مشيرين إلى أنه يعد أمراً خطيراً بينما يثني عليه آخرون بأنه ضروري لمواجهة الأوقات العسيرة ـ القول الشائع هنا في إيطاليا: هناك نوعان من الإيطاليين، من يعملون لحساب برلسكوني، ومن بصدد العمل لديه. ويقول المعلق السياسي ستيفانو فولي: «إن النفوذ والاقتصاد هما ما تعد الدولة بحاجة إليه الآن. وإذا كان ذلك هو ما تحتاج إليه الدولة، فإنها بحاجة إلى برلسكوني». ويأتي هذا النفوذ الاقتصادي في وقت يتمتع فيه برلسكوني فعلياً بالكثير من النفوذ السياسي أكثر من أي وقت آخر منذ توليه للسلطة قبل 15 عاماً. أما في البرلمان، فقد تم انتخاب ائتلاف يمين الوسط ـ «بيبول أوف ليبرتي» أو «شعب الحرية» ـ التابع لبرلسكوني في أبريل (نيسان) الماضي بفارق كبير من تسع نقاط. وأصبح وضعه الآن أقوى من السابق، عقب عزله بعض الأحزاب اليمينية الصغيرة. كما أنه يحكم البلاد دون معارضة فعلية، وذلك نظراً إلى تراجع اليسار في الانتخابات. وفي نهاية الأسبوع، انفصلت الجماعة المعارضة الرئيسة في البلاد والمتمثلة في الحزب الديمقراطي عن حزب الوسط الحليف لها، وهو ما يمثل مزيدا من الانقسام الذي طالما أفسد ترتيبات اليسار والوسط. ويقول فيروتشيو دو بورتوليو ـ رئيس تحرير الصحيفة المالية «إل سول 24 أور»: «إنه يقف في هذه المرحلة بدون أي منافسين، وفيما يتعلق بما إذا كان ذلك في صالح البلاد أم لا، فإن لدي شكوكاً». وطالما كانت إيطاليا لاعباً رئيساً في الأمور الاقتصادية التي تعتبر فيها الارتباطات والعلاقات الشخصية مهمة للغاية. وفي الأسابيع الأخيرة، بدا أن ايطاليا منفتحة مثل معظم الدول الأوروبية نحو إنقاذ المؤسسات المالية الخاسرة، ولكن عندما يكون رئيس الحكومة أيضاً أقوى رجال الأعمال بالبلاد، وواحدا من الأثرياء، فهناك احتمال بأن يأخذ النظام الخرِب إلى مستوى جديد. ففي العديد من الدول، تعلو وتهوي شعبية الحاكم مع حالة الاقتصاد، إلا أن هذا ليس هو الوضع السائد في إيطاليا. فمنذ غرة سبتمبر (ايلول)، هبطت بورصة ميلانو بنسبة 22 في المائة، وكذلك زادت المخاوف بشأن معدلات الفائدة على الرهون العقارية. ومع ذلك، افاد استطلاع نُشر الأسبوع الماضي ان شعبية برلسكوني في أرجاء البلاد مرتفعة بنحو 62 في المائة. ونسب نقاده من يسار الوسط ـ ومنهم زعيم الحزب الديمقراطي والتر فلتروني ـ النجاح الذي يتمتع به برلسكوني إلى أنه يسيطر فعلياً على شبكات وموجات البث التلفزيوني العام والخاص. فمن المعروف أن برلسكوني يملك «ميديست»، أكبر شبكة تلفزيونية خاصة في إيطاليا. وأفاد جهاز المراقبة الحكومي على الإعلام في الفترة الأخيرة نوعاً من «التفاوت» في البرامج العامة التلفزيونية في شهر سبتمبر، حيث تم تخصيص الكثير من الوقت للحكومة مقارنة بالمعارضة. وبالرغم من تصريح برلسكوني بأن الاقتصاد الإيطالي ليس في ركود ـ وهو الرأي الذي يعارضه الكثيرون ـ دعا اول من امس لعقد اجتماع مع البنوك، واتحاد الصناعيين الإيطاليين «كونفيندوستريا» الأسبوع المقبل، للتأكد على حد قوله: «من أن الأزمة المالية لا تؤثر على الاقتصاد الحقيقي». من ناحية أخرى، هناك غيوليو تريمونتي وزير المالية البارز في حكومة برلسكوني والذي توقع حدوث الأزمة المالية الراهنة في كتابه «فير آند هوب» (أو الخوف والأمل)، وهو الكتاب الذي ظهر ربيع هذا العام وحذر من مغبة أضرار العولمة. وفي الأسبوع الماضي، أعلن الوزير أن الحكومة على استعداد إلى أن تنقذ البنوك على أساس مرحلة ثم مرحلة. وتجدر الإشارة إلى أن تريمونتي يحظى بنفوذ قوي بين الأحزاب المشاركة في ائتلاف يمين الوسط، كما أنه ساعد في إعطاء دفعة في بعض إجراءات الموازنة على مدار فترة الصيف، الأمر الذي منح الحكومة المزيدَ من المرونة خلال الأزمة الحالية. فمفاوضات الموازنة عادة ما تصيب البرلمان بالشلل طوال فترة الخريف. ومع ذلك لم يقنع الجميع بذلك. ومن الصعب قياس مدى الخسارة التي ستتكبدها إمبراطورية بيرلسكوني. فقد أعلنت شركته القابضة «فينيفيست» وغير المطروحة للاكتتاب العام اول من امس عن انخفاض صافي أرباحها بنسبة بلغت 20 في المائة هذا العام. بينما انخفضت أسهم «ميديست» بنسبة بلغت 40 في المائة منذ بداية العام، أما «موندادوري» ـ دار نشرـ فقد انخفضت أرباحها بحوالي النصف. وانخفضت أرباح «ميديولانام» ـ شركة تأمين ـ بحوالي 40 في المائة. ومع ذلك، وبصورة عامة، فقد عزز برلسكوني من موقفه في الاقتصاد الإيطالي، سابع أقوى الاقتصادات العالمية. وفي الفترة الأخيرة، حذر برلسكوني من أن الشركات الإيطالية كانت منفتحة على عمليات الشراء العدائية. كما أنه أمل في تمرير قانون يجعل من هذا الأمر أكثر صعوبة. ويخشى نقاده من أن يؤدي مثل هذا القانون إلى تقليل الاستثمار الأجنبي، وأن يمنح القليل من السلطة بين أيدي الناشئين بالبلاد. وفي الوقت الذي تزداد فيه حدة أزمة الائتمان، يتحرك برلسكوني أيضًا نحو أكبر بنكين استثماريين إيطاليين: «يونيكريدت» و«انتيسا سانباولو» اللذين يعتبر رئيساهما غير قريبين من ائتلاف يمين الوسط. وبأمر مباشر من برلسكوني، بدأ كرادو باسيرا المدير التنفيذي لبنك «إنتيسا سانباولو» في العمل مع الحكومة لصياغة وتدبير عملية الإنقاذ الأخيرة للخطوط الجوية (أليتاليا). وتعهد برلسكوني خلال حملته الانتخابية بالمحافظة والإبقاء على شركة الطيران الإيطالية، أي ما يعني تأميم خسائر شركة الطيران والاتجار بالامتيازات لحمل المستثمرين على شراء حصة كبيرة من الشركة. ويقول مايكل بولو، أستاذ الاقتصاد بجامعة بوكوني في ميلانو إذا ما أخفقت عملية تجديد رأس المال الخاصة، وتحول «يونيكريديت» إلى عملية التمويل الحكومية التابعة لبرلسكوني، فسينتهي الحال إلى «تقليل استقلالية هذين البنكين بالغي الأهمية واللذين كانا في الماضي بعيدًا عن قبضة يده».

هل تعد كل هذه السلطة والنفوذ التي يتمتع بها برلسكوني صالحة لخير البلاد؟ يجيب ألبيرتو بومباسي نائب رئيس اتحاد الصناعيين الإيطاليين، كونفيندوستريا: «إجابتي الحالية هي نعم، في الأوقات العصيبة من الصالح أن تتمتع البلاد أكثر حسماً». وبعيداً عن الشكوك الاقتصادية، فإن برلسكوني الذي يبدو أنه يتمتع بحياته الخاصة والبلاد على شفير كارثة ما زال عرضة لخطر الانتقاد، فهو يخضع للمحاكمة في ميلانو، لاتهامه بإخفاء حسابات غير قانونية. بينما تنظر المحكمة الدستورية الإيطالية قانونًا من شأنه أن يمنحه الحصانة. ويقول باولو بونيتي، الناطق باسم برلسكوني إن ثمة مغالاة في التقارير المتعلقة بازدياد نفوذ برلسكوني، فـ«هو يحظى بتأييد الشعب، فما هي المشكلة في ذلك؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»