صيادو السمك في الفاو لـ«الشرق الاوسط»: نحن ضحايا تجاهل الدولة واستئثار دول الجوار

السلطات تمتنع عن سماع شكاواهم ونيران خفر السواحل الإيرانية والكويتية تستهدفهم

امراة تبيع سمك الصبور («الشرق الأوسط»)
TT

أصبح صيادو الأسماك البحرية في الفاو جنوب البصرة خلال السنوات الخمس الماضية وهم  يبحثون  بين أمواج البحر عن ارزاقهم في مهنة موروثة لا يجيدون غيرها بين معادلة يتجاذب طرفيها السلطات المحلية التي أوصدت أبوابها وامتنعت عن سماع معاناتهم واتهامهم بتهريب الوقود، ونيران قوارب السواحل الإيرانية والكويتية التي قتلت أعدادا منهم بادعاء انهم عبروا الخطوط الوهمية للحدود. وقال عدد من الصيادين لـ«الشرق الاوسط» إنهم يعيشون في محنة حقيقية، فلا الحكومة قادرة على حمايتهم ومنع اعتداءات دوريات دولتي الجوار الكويت وإيران والمطالبة باطلاق سراح العشرات من الصيادين المعتقلين في سجونهما والبحث المشترك عن المفقودين وتعويض أهالي القتلى، ولا هي ساعية لتوفير مستلزمات الصيد التي توفر فرص العمل لعشرات المئات من العاطلين. وأوضح حازم الجزائري، رئيس اتحاد الصيادين: «نظم الصيادون طيلة السنوات الماضية تظاهرات سلمية، مطالبين السلطات المحلية بحقوق 35 صيادا قتلوا في البحر وإطلاق سراح 68 معتقلا في إيران، و45 في سجون الكويت، وتوفير الحماية للآخرين وإعادة بيع  زيت الغاز لزوارقنا بالسعر المدعوم الذي كنا نحصل عليه، لكننا لم نجد أذنا صاغية خلف الأبواب الموصدة امامنا، واتهامنا بتهريب الوقود الى الخارج ..».

وأضاف «وخلال صولة الفرسان قامت الأجهزة الأمنية بإحراق وإغراق عشرات من زوارق الصيد بتهمة أنها تشترك بعملية التهريب من دون تمييز، وساوت بين الأخضر واليابس».

وأكد غازي البهادلي، ممثل الصيادين من خور الزبير، انه عندما كانت الدولة العراقية قوية «كان البحر لهم، إذ كانت دوريات دور الجوار تتجنب الاقتراب منهم. أما بعد السقوط، ورغم وجود القطع البحرية لقوات التحالف التي لا تهتم بقضايا الصيد، فقد بات الصياد العراقي «مكفخة» من الجميع. وتقول لنا دوريات خفر السواحل الكويتية إن العراقيين غزوا الكويت، والدوريات الإيرانية ترى أن أهل الفاو وأبي الخصيب بالبصرة من السنة، ونحن لسنا من هذا الطرف او ذاك». ويقول قاسم الدوسري، صياد حاصل على بكالوريوس آداب، ان ركوب البحر في رحلات الصيد الى اماكن بعيدة «كان عالما ساحرا وجميلا، حيث يقضي الصيادون أوقاتهم بين زرقتي البحر والسماء في سكون هادئ، لا يشغلهم غير نشر الشباك وسحبها وجمع الصيد وغناء أطوار النهم والنوبان التي عادة ما يغنيها «النوخذة» قائد السفينة والصيادون يرددون معه برقصات ايقاعية فريدة». وأضاف «عند عودتهم من تلك الرحلة الى الساحل يكون باستقبالهم عوائلهم التي تزغرد لهم تشجيعا لصيدهم الوافر. أما اليوم فعوائل الصيادين تترقب الساحل بالدعاء لسلامتهم ان لم تكن قد فجعت بمقتل أو إصابة أو اسر احد الصيادين». وعندما تقطع ثلث الطريق بين ساحة سعد المشهورة في البصرة الى الفاو (99 كم) يقترب الطريق البري من شط العرب وتلوح لك بوضوح مدينتا المحمرة وعبادان الايرانتان، حيث تكون الحدود بين البلدين منتصف مجرى شط العرب. وعند الوصول الى مدينة الفاو التي تقع في نهاية الشط، وقبيل مصبة في الخليج العربي، تشاهد المئات من زوارق الصيد المتهالكة في مرساها الرئيسي والمئات من الصيادين البسطاء. وإذا كان العراقيون يضربون المثل بطيبة اهل البصرة، فان البصريين يضربون المثل بطيبة اهل الفاو. وأكد جابر فارس عقيل، رئيس اتحاد الصيادين في الفاو، أن الكثير من الصيادين «يتعرضون للضرب المبرح وأحيانا مصادرة زوارقهم وتمزيق شباكهم في عرض البحر»، مشيرا  الى  أن السلطات الإيرانية والكويتية «تعلن بين الحين والآخر عن اطلاق سراح صيادين محتجزين لديها، في اشارة الى مراعاة الجوانب الانسانية بحقهم، لكن حقيقة الأمر ان هؤلاء الصيادين اكملوا مدد محكومياتهم في السجون».

ويرى عقيل ان الصيد البحري «تراجع كثيرا عن السابق بسبب تلك المضايقات وارتفاع تكاليف الرحلة البحرية». وعن اشهر أنواع الأسماك البحرية التي يتعاملون معها، قال عقيل «يعد سمك الصبور من اشهر الأنواع والأكثر رواجا، ويبدأ موسم صيده في منتصف مارس (آذار) من كل عام، أي في بداية فصل الربيع، إذ تأتي هذه السمكة من شبه القارة الهندية من المحيط الهادي تدفعها تيارات هوائية جنوبية شرقية إلى الخليج العربي صعوداً إلى شماله في منطقة الفاو، وكذلك اسماك الزبيدي والنويبي والهامور والجفوت ولسان الثور (الميد) والحمام  والروبيان والطعطعوع وأنواع أخرى كثيرة». وشكا الصيادون من تنافس الأحزاب على انضمامهم الى النقابات ومنظمات المجتمع المدني كي تتبنى المطالبة بحقوقهم. ففي الوقت الذي يعدهم فيه اتحاد نقابات البصرة من الشغيلة وجزء من الحركة العمالية، يرى اتحاد الجمعيات الفلاحية أن ارتباطهم يجب ان يستمر بهم كما كانوا قبل عام 2003.