السدود والمبازل والتلوث.. تهدد مستقبل دجلة والفرات

عشرات السدود في العراق وتركيا وسورية وإيران تقلل مياه النهرين.. ودعوة لإبرام معاهدات دولية

TT

فقد دجلة والفرات حرارة لقائهما الأزلي في مدينة القرنة شمال البصرة، التي اكتسبت تسميتها من اقترانهما، وظهرت عليهما علامات الشيخوخة  لكثرة السدود المقامة عليهما في اربع دول، مما ادى الى شحة ورداءة المياه فيهما، بعد ان كانا في السنوات القليلة الماضية يهددان المدن بالفيضانات.

واجمع اهالي القرنة وخبراء وبرلمانيون في احاديث لـ«الشرق الاوسط» على ان كميات المياه المتدفقة في نهري دجلة والفرات وسرعة جريانهما عند التقائهما ليكونا شط العرب تغيرت كثيرا نتيجة السدود التي اقامتها تركيا وايران وسورية والعراق عليهما، واستخدامهما مبازل بعد اعادة المياه الراجعة من الاستخدامات الزراعية والصناعية والمدنية اليهما مرة اخرى،  مما زاد الاملاح والعناصر الثقيلة فيهما، اضافة الى ارتفاع نسب التلوث.

وقال الشيخ صباح محسن عرمش المالكي، رئيس عشائر بني مالك الذي يقطن القرنة، ان «انخفاض مناسيب المياه في السنوات الاخيرة اثر سلبا على زراعة الحنطة والشعير، التي تشتهر بها المنطقة»، مشيرا الى ان «استمرار انخفاض مناسيب المياه سيحول مساحات واسعة الى اراض جرداء». واضاف الشيخ المالكي ان «سكان المدينة وضواحيها عزفوا عن استخدام مياه النهرين في الشرب لارتفاع نسبة الملوحة فيهما، ويلجأون الى شراء الماء العذب، مشيرا الى جفاف مساحات واسعة من الاهوار التي غمرتها المياه بعد عام 2003»، ودعا المالكي الى «زيادة الاهتمام بالمنطقة التي يلتقي فيها النهران كونها من المرافق السياحية الفريدة».

ومن جهته، اكد الدكتور ماجد السيد ولي، استاذ الجغرافية بجامعة البصرة، ان المشاريع التي تقيمها دول الجوار على الأنهار المشتركة مع العراق باتت تؤثر على المياه التي تصل العراق من حيث الكم والنوع، اذ يوجد في تركيا 22 سدا و19 محطة كهرمائية ضمن مشروع جنوب ـ شرق الأناضول لاستصلاح مساحة كبيرة تعادل مساحة بلجيكا. ويعد سد أتاتورك الواقع على مسافة قريبة من الحدود السورية أكبر السدود التركية، ويحجز خلفه بحيرة صناعية تصل مساحتها إلى 817 كم مربع، وفي سورية توجد 5 سدود على الفرات، أقيمت 3 منها (الكبيرة) في منتصف ستينات القرن العشرين ضمن مشروع سد الفرات أو سد الثورة، الذي شكل خلفه بحيرة صناعية كبيرة اسمها بحيرة الأسد، تقع في محافظة الرقة قرب مدينة الثورة، يحجز كمية من المياه تصل إلى 11.6 مليار متر مكعب قبل مدينة الرقة. وسد البعث ويقع في محافظة الرقة في مدينة المنصورة وأنشئ السدان الأخيران في أواخر الثمانينات للري السطحي. تنوي الحكومة السورية حالياً إنشاء سد كبير آخر في منطقة التبني شمال دير الزور. وتوجد في العراق 7 سدود عاملة على الفرات منذ سبعينات القرن العشرين. وفي أوائل الثمانينات، تم وصل الفرات مع دجلة بقناة قرب سامراء. ولاذت الحكومة بالصمت ازاء المشاريع الايرانية  الجارية حاليا على روافد عدد من الأنهار المشتركة، كشفها مسؤولون في حكومة اقليم كردستان مؤخرا بعد جفاف مجرى نهر الوند، الذي ينبع من إيران ويمر وسط مدينة خانقين، ويقول المسؤولون ان ايران عمدت الى  تغيير مجراه لتبقى مياهه محصورة في عمق الاراضي الايرانية. ويلتقي هذا النهر بنهر سيروان المهدد هو الآخر بالجفاف ليكونا معا نهر ديالى، وهو من أبرز الروافد المائية لنهر دجلة، اضافة الى بناء سدود في الجنوب على نهري الكارون والكرخة، اللذين يصبان في شط العرب. وتوقع سيد ولي ان تصل نسبة العجز في مياه الأنهار المشتركة الواصلة إلى العراق من هذه الدول إلى أكثر من 33 مليار متر مكعب سنوياً بحلول عام 2015، بعد انخفاض منسوب مياه نهر دجلة عند اكتمال مشروع سد «اليسو» التركي المتوقع انتهاء العمل به عام 2010. ومن خلال مشروع الغاب، ستتأكد قدرة تركيا على التحكم بمياه نهر الفرات وتراجع الواردات المائية لسورية والعراق جراء انخفاض منسوب هذا النهر، حيث يتوقع الخبراء تراجع حصة العراق من 29 مليار متر مكعب في العام إلى ثلاثة مليارات متر مكعب فقط عام 2010، أي بنسبة 90 في المائة. وكشف عمار جاسم، مهندس، عن تحويل منظومات مجاري المياه الثقيلة في المحافظات الى الانهار، وقال «خلال سنوات الحصار وما بعدها اصاب محطات تصفية المياه الثقيلة في المدن الاندثار والتوقف، واضطرت دوائر المجاري الى تحويل شبكات الصرف الصحي من المحطات الى الانهار مباشرة».

وأضاف جاسم ان «ان تعثر انجاز مشروع المصب العام الذي شرع العمل بتنفيذة منذ اكثر من ربع قرن بهدف نقل مياه البزل من اراضي الوسط والجنوب الى البحر عبر شط البصرة، ادى الى رجوع تلك المياه الى النهرين لعدم وجود منافذ لها، مما الحق اضرارا بالغة في نوعية مياه الرافدين». وحمل وائل عبد اللطيف، عضو البرلمان، وزارة الموارد المائية التقصير في معالجة ازمة شحة المياه في الرافدين داخليا وخارجيا، معربا عن خشيته من ان تكون الحرب القادمة حربا من اجل المياه. وقال ان المياه تعد من الثروات المهمة للشعوب، وستلعب دورا مهما في العلاقات الدولية في المستقبل القريب، ولهذا يقتضي ابرام معاهدات مع دول الجوار ووفق المواثيق الدولية لضمان حقوق العراق وتوفير حصصه المائية».