العطور في النجف.. هدايا الوافدين إلى ذويهم في بقاع الأرض

سكان الشمال يفضلون الهادئة وأهل الجنوب الحادة.. والفتيات يتبركن بها للحصول على عريس

عطار يجرب عطرا في محله بمدينة النجف («الشرق الأوسط»)
TT

عند خروجك من مرقد الإمام علي في مدينة النجف باتجاه السوق الكبير يستقبلك سوق العطور او ما يطلق عليه «سوق الريحة».. روائح طيبة وقناني صغيرة وكبيرة حينها تجذبك رائحة العطور الجميلة لشراء عدة أنواع منها. وتشهد المدينة رواجا تجاريا كبيرا بسبب الطلب المتزايد على عطرها «الروحاني والمقدس» من الدول الإسلامية. كرار علي، أحد بائعي العطور في النجف، امتهن هذه المهنة من والده الذي يعمل في صناعة خلط العطور منذ أكثر من 50 عاما، يقول لـ «الشرق الأوسط» إن «مهنة بيع العطور متعبة جدا، حيث كثير من الأشخاص عملوا فيها، لكن لم يجدوا نفعا وتركوها لأن أغلب أصحاب المحال القدماء لهم زبائن من داخل العراق وخارجه وأغلب المترددين على محلنا هم من الزوار الخليجيين والإيرانيين وبعض الهنود والباكستانيين».

وأضاف علي الذي يقع محله داخل إحدى القيصريات القريبة من الروضة الحيدرية الشريفة والذي لا يتجاوز طوله ثلاثة أمتار وبعرض مترين ونصف المتر، ان «هنالك نوعين من العطور؛ العطر الحاد والذي يرغب به أهالي المناطق الجنوبية في العراق والتي تكون درجة الحرارة فيها مرتفعة مثل عطر كلامور والدنهل وكابوشين. اما العطر الهادئ فيرغب به أهالي المناطق الشمالية والوسطى التي يكون فيها الجو باردا او معتدلا. ومن هذه العطور عطر غرام الليل والهافوك واكشان». وتابع يقول ان «الزوار الوافدين لمدينة النجف دائما يحرصون على المرور بمحال بيع العطور التي تخلط من عدة أنواع من العطور وزوار دول الخليج العربي يرغبون في العطور المركزة وتسمى العطور الخليجية مثل الشيخة والسندس وعود الكمبودي وعود البحريني وغيرها، أما الزوار الايرانيون فيرغبون في عطور الورود والقداحات مثل الياسمين والورد المحمدي والتريوز وعطور الفواكه». وأضاف علي أن «هنالك عطور خاصة للاماكن المقدسة التي تتميز برائحة روحانية وعبادية وهادئة، والعطر الذي يستخدم في الصحن الحيدري الشريف هو عطر الورد المخلوط من عدة أنواع من الورود وعطر الليمون، حيث ترش هذه العطور في الجو». وفيما يخص أسعار العطور يقول علي «هنالك الكثير من أنواع العطور المخلوطة وحسب قوة تركيزها وتباع بقيمة السسي وتتفاوت أسعار السسي الواحد من 500 دينار ـ 5000 دينار (حوالي أقل من نصف دولار الى 4 دولارات) وبعض الزوار تأخذ كميات كبيرة من العطور المخلوطة تصل الى 1000 سسي والبعض الآخر يأخذ عطورا مركزة تصل الى 9 أنواع وأغلب هؤلاء لديهم محال لبيع العطور في دولهم».

يروي جاسم محمد، 72 سنة، صاحب محل للعطور في سوق الحويش الذي تكثر فيه محلات الكتب الدينية، وهو من أبرع صانعي العطور في المدينة يقول لـ«الشرق الاوسط» ان «والدي كان ممتهنا مهنة صناعة العطور وأتذكر كانت لدينا ماكينة ألمانية المنشأ لصناعة العطور وكان والدي يصنع بها عطر الورد والرازقي ومسك الحضرة على وجه الخصوص»، مضيفا «كنا في السابق نعاني الكثير، خصوصا عندما نخرج مع والدي لنأتي بالورد المحمدي والجوري والرازقي والمسك من مناطق مختلفة وننظفه قبل أن يضعه والدي في الماكينة التي لها فتحتان أحداهما للعطر». ويقول محمد «توارثنا المهنة عن آبائنا وفي السابق كنا نصدر الجزء الكبير من انتاجنا الى خارج البلاد عبر الزوار الذين يتوافدون على مدينة النجف من مختلف انحاء العالم، لكن الآن نصدر القليل من العطور ونعتمد الآن على العطور الجاهزة من الدول العالمية المشهورة بصناعة العطور».

أم نور من أهالي البصرة، 53 سنة، تقول لـ«الشرق الاوسط» ان «الزوار الوافدون لمدينة النجف عليهم العودة الى مدنهم وهم حاملين صوغات (هديا) وبركات من النجف وخصوصا العطور القريبة من مرقد الإمام علي (ع)»، وتضيف ان «العطر النجفي له ميزة خاصة عندنا نحس انه قريب منا ويعطينا استرخاء وأمانا كلما تعطرنا به، لذا من عادتنا ان نحتفظ بالعطر في منازلنا ونقوم بتعطير المريض به أو الذهاب إلى مناسبات الفرح»، مشيرة بقولها الى ان «العطر النجفي رخيص جدا قياسا بأسعار العطور التجارية الاخرى، لكنه غال على قلوبنا وانأ اليوم اشتريت 9 قناني من العطور لأفراد بيتنا وجيراننا».

ساجدة، 18 سنة، من اهالي الناصرية وطالبة في كلية الادارة والاقتصاد، جاءت مع عائلتها لزيارة المرقد المطهر ومقبرة النجف، تقول ان «عطور النجف تتميز بقيام صاحب المحل بتحضير وخلط العطور امام المشتري وايضا له الحق في اختيار العطر المفضل وخلط أي عطر من الورود القريبة من نفسه أو التي يتفاءل بها».

ساجدة اشترت ثلاث قناني عطور صغيرة فقط وحين سألناها لمن قالت «العطر المحمدي لوالدي والرازقي لأمي اما العطر الجوري فهو لإنسان عزيز علي جدا» وابتسمت وصمتت قليلا وقالت إنه «لأعز إنسان عندي انه حبيبي؛ طالب معي في الكلية وعمدت ان آخذ العطر له تبركا من النجف لأحظى به كزوج إن شاء الله».

اما سعد علوان من أهالي بغداد فقال إن «العطور تعطي حالة روحانية خاصة عند المراسم الطقوسية، وهذه الحالة موجودة في الكنائس والأديرة وفي المساجد والأضرحة». مضيفا أن «العطر سنة نبوية وردت في الكثير من الأحاديث والروايات، وقد اعتاد الزوار والمصلون على وضع الطيب والعطور قبل التوجه للزيارة أو الصلاة أو لزيارة الموتى في مقبرة وادي السلام بالنجف».