جدل حول مصير المعتقلين العراقيين لدى إبرام الاتفاق الأمني

بغداد تقر بعدم جاهزيتها لتسلم ملفهم.. والأميركيون يتجهون لإطلاق سراح بعضهم بضمانات

TT

يقع أكبر معسكر اعتقال تابع للجيش الأميركي في صحراء العراق الجنوبية، وهو يأتي في قلب أكثر النقاشات تعقيدا ذات الصلة بموضوع التحول من حكم الجيش الأميركي إلى السيادة العراقية الكاملة. وثمة تساؤل مطروح: ماذا سيحدث مع خمسة آلاف سجين عراقي ينظر إليهم الجيش الأميركي على أنهم مصدر تهديد للهدوء في العراق؟ هذا الهدوء الذي بذل من أجله الكثير، ومع ذلك ما زال يتسم بالهشاشة.

وسيكون هناك تغير وحيد واضح إذا ما مُررت آخر مسودة للاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة. ففي إطار تقليص سلطات الجيش الأميركي وسيطرته على الأوضاع الأمنية في العراق، لن يكون في مقدور الأميركيين إلقاء القبض على من يشتبه فيهم بممارسة أعمال التمرد بعد 31 ديسمبر (كانون الأول)، حسبما تنص عليه القواعد الجديدة المقترحة، وسيحتاج الجيش الأميركي إلى تصريح من السلطات العراقية المختصة للقبض على أي شخص، وسيكون عليه تسليم المتهمين إلى السلطات العراقية خلال أربع وعشرين ساعة. ومع ذلك، فإن ما سيحدث مع المعتقلين حاليا، الذين يبلغ عددهم 17000 معتقل ما زال يكتنفه بعض الغموض. من الناحية النظرية، لن يكون للولايات المتحدة الحق في الإبقاء على المعتقلين، وحيث أن الولايات المتحدة تسعى إلى إنهاء بعثتها في العراق تدريجيا، فإن القادة الأميركيين يقولون إنه يحدوهم الحماس لإنهاء نظام أثبت أنه يتسبب في نزيف في الأموال، ويقوض من المصداقية الأميركية، بعد الكشف عن أعمال التعذيب التي مورست في أبو غريب. ويقول المتحدث باسم القوات التي تقودها الولايات المتحدة في العراق، ديفيد بيركينز: «نعمل على إنهاء دورنا في عمليات الاعتقال». بيد أنه، وفي مثال مهم يدلل على التعقيدات الأوسع التي تكتنف عملية نقل المسؤوليات إلى العراقيين، تقر السلطات العراقية بأنها غير جاهزة حتى الآن لتولي مسؤولية المعتقلين. فلم يتم بناء السجون اللازمة حتى الآن، ولم يتم تدريب الحراس، كما أن المحاكم متخمة بالقضايا. ولذا، يبدو أن المفاوضات الهادئة، التي تأتي في إطار اتفاقية أمنية أوسع، ستسمح للجيش الأميركي بالإبقاء على بعض المعتقلين الخطرين بناء على طلب من العراقيين، في الوقت الذي يطلق فيه سراح آخرين، ولكن ستكون تلك تسوية منقوصة يمكن أن تقوض من المكاسب الأخيرة التي تحققت على الصعيد الأمني في العراق. ويأتي ضمن المعتقلين الذين ما زالوا رهن الاعتقال الأميركي، نحو 5000 شخص، ينظر إليهم على أنهم «راديكاليون خطرون»، حسبما يقول ديفيد كوانتوك، الجنرال القائد بقوة المهام 134، المسؤولة عن الإشراف على نظام المعتقلات في العراق. ويضيف أنه من المحتمل أن تضطر الولايات المتحدة إلى إطلاق سراح قرابة 4000 منهم عندما ينتهي حق الجيش (الأميركي) في اعتقال مواطنين بنهاية العام الجاري. ومن المحتمل أن تجري إعادة اعتقال معظم باقي المعتقلين ويبلغون 12000 معتقل، وهم عبارة عن مواطنين يعتقد الأميركيون أنه ألقي القبض عليهم بطريق الخطأ أو أن لهم أدوارا صغيرة في أعمال التمرد، طالما أنه يمكنهم الحصول على عمل. وطبقا للقواعد المقترحة، سيسمح للولايات المتحدة بالإبقاء على معتقلين في حالتين: إذا كانت هناك أدلة كافية كي يصدر قاض عراقي مذكرة توقيف، وإذا ما كانت قد وجهت للمعتقل تهم بالفعل وينتظر المحاكمة. وسيكون على العراقيين توجيه طلب للولايات المتحدة بالإبقاء على هذا الشخص رهن الاعتقال. ويعتقد مسؤولون أميركيون أنهم سيتمكنون من الوفاء بالشروط في ما يتعلق بنحو خُمُس المعتقلين، ممن ينظر إليهم على أنهم خطرون. ويقول الجنرال كوانتوك: «سنحصل على الأدلة اللازمة لتوجيه تهم إلى نحو 1000 شخص في محاكم عراقية، أما بالنسبة لـ4000 معتقل فعلينا الوصول إلى برنامج كفالة صارم».

وفي إطار برنامج الكفالة، يوافق أحد المواطنين ـ مثل أحد الزعماء القبليين ـ على رعاية المعتقل، ويتعهد بأنه إذا ما ارتكب مخالفة فإن الزعيم القبلي أو مواطنا آخر سيسجن بدلا عنه. ويقول مسؤولون في الجيش إنه ليس من الواضح ما إذا كان سيمكنهم العثور على من يقومون بكفالة هؤلاء المعتقلين، الذين يعدون عناصر ضارة بالفعل للمجتمع. ومع قرب انتهاء آخر موعد (لتفويض الأمم المتحدة)، يعمل الجيش الأميركي بجد من أجل تقليل الأعداد في مراكز الاعتقال، وأحيانا تكون لذلك الأمر عواقب غير متوقعة تظهر أن أعمال العنف ما زالت أمرا متوقعا، وما زالت هناك علامات استفهام حول إمكانية نقل السلطات كاملة إلى العراقيين. وقد تعرض العديد ممن أطلق سراحهم إلى القتل. ويرتاب الجيش الأميركي في القيادات المحلية التي تخشى من زعزعة الاستقرار في مناطقهم. وتسبب الوتيرة التي يجري بها إطلاق سراح المعتقلين قلقا في بعض الأماكن التي يعود إليها المعتقلون، لاسيما في محافظة الأنبار، غرب بغداد. ويقول الجنرال جون كيلي، من قوات المارينز، إنه عندما بدأ يسمح بإطلاق سراح المعتقلين لأول مرة في المحافظة، أتى إليه شيوخ محليين وعليهم إمارات اضطراب شديد. ويضيف الجنرال كيلي: «ذهبنا إلى الشيوخ وقلنا: لقد أطلقنا سراحهم. ولكنهم كانوا ضد ذلك، وقالوا: ليست هناك طريقة لاحتوائهم، فالمحافظة بها 40 في المائة من البطالة والكثير ممن لا يعملون في وظائف تناسبهم». «وعليه، فقد قررنا إطلاق عدد معقول، بلغ 450 معتقلا في الشهر، ولكن سرعان ما أتوا إلينا وقالوا: أنتم لا تعلمون من تطلقون سراحهم، لا تظنوا أنكم تطلقون سراح جون كيلي. لا، إنه عبد الكريم، وهو قاتل تابع لتنظيم القاعدة في العراق، ولكن لا تقلقوا لقد تولينا أمره».

يقول الجنرال كيلي: «اما انهم طلبوا منهم أن يرحلوا أو، حسنا، نحن على علم بوقوع 10 أو 12 عملية قتل خارج إطار القانون». وخلال الأيام الأخيرة، أعرب سياسيون عراقيون عن خوفهم من المعتقلين الخطرين ويطلبون إجراء تعديلات استراتيجية على الاتفاقية (الأمنية)، في ظل احتمالية تولي العراقيين مسؤولية المعتقلات بدلا من الأميركيين. ويقول حيدر العبادي، وهو برلماني بارز وعضو في حزب الدعوة التابع لرئيس الوزراء نوري المالكي: «تقول مسودة الاتفاقية الأمنية أن الأميركيين سيطلقون سراح كل المعتقلين من قواعدهم بمجرد التوقيع على الاتفاقية، مما يعني أنهم سوف يطلقون سراح مجرمين من القاعدة ومسلحين».

ويشير العبادي ومسؤولون آخرون إلى أن العراقيين سيريدون إتاحة معلومات استخباراتية أميركية أمامهم في قضايا ذات صلة بمعتقلين خطرين محتملين حتى يتسنى لهم استصدار مذكرات توقيف خاصة بهم والإبقاء عليهم رهن الاعتقال العراقي أو توجيه طلب للأميركيين للإبقاء عليهم في معتقلاتهم. ولكن ـ يقول مسؤولون أميركيون ـ إنه من غير المحتمل أن يوافقوا على طلبات للحصول على نسخ من معلومات استخباراتية، خاصة إذا كان من المحتمل أن يفضي ذلك إلى الكشف عن بعض المصادر. ومنذ بداية الحرب في عام 2003، سعى الجيش الأميركي إلى القضاء على أعمال العنف، عن طريق ما يطلق عليه «عمليات اعتقال أمنية»، وهو اعتقال مواطنين من دون توجيه تهم لهم يعتقد أنهم يمثلون خطرا محتملا للأمن. وطبقا للقانون العراقي ـ كما هو الحال مع القانون الأميركي ـ لا يوجد ما يسمى بـ«اعتقال أمني». وفي معظم الحالات، لا يمكن توقيف المواطنين ما لم تكن هناك مذكرة توقيف. وعندما يتم نقل نظام المعتقلات إلى السلطات العراقية، سيتم الإبقاء على المتهمين المعتقلين إذا ما كان الأميركيون قد تمكنوا من جمع أدلة كافية لتوجه تهم لهم في المحاكم العراقية. وسيطلق سراح الباقين، ليس على الفور ولكن بصورة تدريجية، حتى لا يتم تكديس أعداد المعتقلين المطلق سراحهم في بعض المناطق التي ما زالت تعاني من عدم الاستقرار. ونظريا، سيحدث ذلك بضمانات من قيادات قبلية محلية. ومن المخطط أن يتم إغلاق معسكر بوكا بحلول منتصف العام المقبل. ويقول الجنرال كوانتوك إنه يأمل البدء في عملية نقل المعتقلين إلى سجون جديدة يجري بناؤها في التاجي، على بعد أميال قليلة شمال بغداد، بحلول يناير (كانون الثاني). وعندما يتم الانتهاء من سجن التاجي، فإنه سوف يكون به 5600 معتقل، وتنقل مسؤولياته إلى العراقيين. ولم يتضح بعد ما سيحدث مع سجن كروبر. وفي الوقت نفسه، يسعى الأميركيون إلى جمع الأدلة الكافية لضمان أن أكبر عدد ممكن من المعتقلين الخطرين المحتملين سيجري توقيفهم بناء على مذكرات توقيف أو بتوجيه تهم لهم وفق القانون العراقي. ولكن، يقول الكثير من المحامين بالجيش إن هذه المهمة ستكون صعبة، فالكثير من المعتقلين ألقي القبض عليهم في ذروة أعمال التمرد، قبل عامين أو ثلاثة أعوام، وعندما كان الجيش يقوم بجمع بعض الأدلة في المواقع التي ألقي القبض عليهم فيها، رحل أغلب الشهود أو قتلوا. وتتطلب الإدانة في المحاكم العراقية شاهدين يشهدان على وقوع الجريمة أو اعتراف المتهم. ويقول محام بالجيش الأميركي تابع لقوة القانون والنظام إن أقل من 10 في المائة من القضايا التي رفعت أمام المحكمة الجنائية المركزية العراقية انتهت بإدانة. ومع وجود وسائل أخرى تلبي متطلبات توفير الأدلة، فإن الشهود والاعتراف ما زال الأكثر شيوعا. وما زالت الأدلة الشرعية، وهي إحدى أقوى صور تقديم الأدلة في النظام القضائي الأميركي، شيئا غريبا على كثير من القضاة العراقيين، الذين يرون أنه لا يمكن الاعتماد عليها مثل الاعتراف. ويتغير هذا الرأي في الوقت الحالي، ولكن سيستغرق هذا بعض الوقت. ويقول الجنرال كوانتوك: «يمكن أن تظهر الأدلة الشرعية الشخص وهو يحمل (متفجرات) تي إن تي، ولكن لن ينظر إلى مثل هذه الأدلة على أنها نهائية. ينظر للأدلة الشرعية على أنها نوع من أعمال الشعوذة ولذا سوف نرجع إلى القضايا ونعود لنصل إلى شهود عيان».

ولمنع المزيد من عمليات القتل خارج إطار القانون لمن يطلق سراحهم، يقوم الجيش الأميركي في الوقت الحالي بإعطاء الشرطة والشيوخ القبليين والأئمة صورا للمعتقلين قبل أن يطلق سراحهم. وإذا كانت السلطات العراقية تعتقد أنه يمكنها رفع قضية، تذهب الشرطة إلى المحكمة وتطلب منها إصدار مذكرة توقيف لإعادة إلقاء القبض على المتهم فورا.

* خدمة «نيويورك تايمز»