الانتخابات الأميركية ـ الوضع الاقتصادي في طليعة اهتمامات الناخبين الأميركيين العرب

أزمة البيوت وخسارة الوظائف في ميتشيغان تسيّر أصواتهم.. ومعظمهم يلومون بوش على تدهور الاقتصاد

حملات مكثفة للجاليات العربية للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية (أ.ف.ب)
TT

منذ خمس سنوات اشترى طارق منزله في منطقة هادئة بغرب ديربورن، وانتقل اليه مع زوجته جومانا وولديه محمد ونبيل، البالغين من العمر اليوم ثماني وتسع سنوات. يقول طارق إنه في كفاح يومي لتأمين مدخول كاف للعائلة، ودفع أقساط المنزل التي ارتفعت الى ضعف المبلغ الذي كان يدفعه عندما أخذ القرض المصرفي.

قصة طارق هي واحدة من مئات القصص التي يعيشها الأميركيون العرب في ولاية ميتشيغان مع تفجر الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة. كثيرون لم يتمكنوا مثل طارق ان يحافظوا على بيوتهم، وفقدوها بعد ان عجزوا عن تسديد القروض للبنك مع ارتفاع فوائدها احيانا الى الضعف، وبسبب فقدان الكثيرين منهم لوظائفهم. وهكذا، أصبحت هموم الاميركيين العرب في هذه الولاية، شبيهة بهموم باقي الأميركيين، وتصدر الوضع الاقتصادي طليعة القضايا التي تقلقهم وتوجههم نحو اختيار المرشح المقبل للرئاسة الأميركية. ولم تعد الحرب في العراق أو العلاقات الأميركية بالبلدان العربية وقضية السلام العربي – الإسرائيلي، ولا حتى التمييز الذين يتعرضون له بعد 11 سبتمبر (أيلول)، من أولوياتهم. فبحسب استطلاع أجراه «زغبي انترناشونال» للمركز العربي الاميركي على الناخبين الأميركيين العرب في كل الولايات، قال ثلثا المستطلعين ان الاقتصاد هو همهم الاول، فيما حلت الحرب على العراق في المرتبة الثانية والضمان الصحي في المرتبة الثالثة. طارق، الشاب الفلسطيني الذي يبلغ من العمر 31 عاما، يلوم سياسة الرئيس جورج بوش على تردي الوضع الاقتصادي، وكذلك 79 في المائة من مجموع الأميركيين العرب الذي شاركوا في استطلاع المركز العربي الاميركي. ويعتبر طارق ان الحرب على العراق والأموال الهائلة التي صرفت هناك، هي التي منعت الحكومة من الاستثمار في مشاريع انمائية في الداخل. وهو يعيش في الولايات المتحدة منذ 12 عاما، وانتقل الى ميتشيغان قادما من بيروت حيث ولد وعاش، مع والده الفلسطيني من صفد ووالدته من الجنوب اللبناني. ويروي طارق قصته منذ قدومه، ويقول انه لم يظن يوما بأنه قد يفكر بالعودة الى لبنان بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة في الولايات المتحدة. في السنة الأولى التي وصل فيها الى ميتشيغان تسجل في الجامعة ليتخصص في ادارة الاعمال، وكان أعمامه الذين يعيشون في الولاية يساعدونه في نفقاته وتأمين غرفة له. لكنه لم يكمل الا سنة تخصص واحدة. وجد التخصص صعبا، فقرر التوقف عن الدراسة وتزوج بفتاة أميركية والدها لبناني. وهكذا بدأ طارق يعمل سائق سيارة أجرة. استأجر سيارته من شركة تؤمن له الزبائن مقابل الايجار ويتكفل هو بالوقود. كانت الامور تسير بشكل جيد... حتى بدأت تتدهور مؤخرا. زوجته التي كانت تعمل ممرضة جرى تسريحها من عملها قبل عدة سنوات، ولم تبحث عن عمل آخر لانها فضلت التفرغ لتربية ولديها. ولكنها بقيت تستفيد من الضمان الصحي المقدم فقط لولديهما، وهي وطارق يدفعان مائتي دولار شهريا لشركة ضمان صحي لهما. مردود عمله الذي كان يكفي العائلة ويسمح له بأن يدفع القرض السكني للبنك، بدأ يقلّ. الشركة التي يستأجر منها السيارة، خفّ عدد زبائنها. وعوضا عن المائة سيارة التي كانت تؤجرها، انخفض العدد الى 45. وبدل ثمانمائة طلب من زبائن كانت تتلقاها الشركة يوميا وتوزعها على السائقين، لم يعد عدد الطلبات يتجاوز المائتين يوميا، ما يعادل أربع طلبات لكل سائق. وبعد أن كان طارق يعمل لست ساعات خلال النهار فقط، لم يعد يرفض اليوم طلبات من زبائن في ساعات الفجر الأولى. وأصبح مجبرا على ايجاد زبائن بنفسه، اضافة الى الزبائن الذين تؤمنهم الشركة. وأصبح يعمل عشر ساعات يوميا. ومع ذلك، يجد نفسه يكافح لتغطية نفقات العائلة ودفع الديون والأقساط والفواتير... أسعار الوقود ارتفعت، من دولارين ونصف الدولار لغالون البنزين قبل عامين، الى أربع دولارات اليوم. حتى المدرسة التي يرتادها ولداه، أصبحت تطلب من الأهالي ان يزودوا اولادهم بالأدوات القرطاسية بعد ان كانت تؤمن لهم الدفاتر والكتب والاقلام. ميتشيغان هي الولاية السابعة اليوم من حيث الولايات التي يخسر سكانها منازلهم للمصارف، ونسبة البطالة فيها تصل الى 8.9 في المائة، الأعلى في الولايات المتحدة. محمد موسى، شاب أميركي فلسطيني، يعمل وكيلا عقاريا في ديربورن ومعظم زبائنه من العرب. يقول إن ما حصل لمعظم الذين خسروا منازلهم، هو عدم تمكنهم من اللحاق بالفائدة. فبعد مرور عامين على القرض الذي استدانوه من المصرف تبدلت الفائدة التي كانوا يدفعونها ولم تعد ثابتة بل أصبحت تتبع السوق. وارتفعت الفائدة لدرجة لم يعد يستطع الكثيرين من دفعها، فخسروا منازلهم. ويقول موسى ان البنوك كانت توافق على اعطاء قروض سكنية لأشخاص غير مؤهلين ماليا وبمعاشاتهم منخفضة ووضع إقراضي سيئ. والعقد الذي كانت توقعه المصارف مع الزبائن كان على أساس فائدة ثابتة لمدة سنتين ثم متغيرة. ولكن الوسطاء كانوا يعدون الأشخاص شفهيا بأنه بعد انتهاء السنتين سينقلون عقودهم الى عقود أخرى بفائدة ثابتة، ويطمئنونهم الى انه ليس عليهم ان يقلقوا من ارتفاع الفائدة. ويضيف موسى ان الوعود التي أطلقت كانت وعودا فارغة، ومع مرور السنتين التي كان اعتاد خلالها المستدينين على دفع مبلغ معين شهريا، تغيرت الفائدة وبدأت ترتفع ولم يكن لديهم اثبات مكتوب وموقعا من المصرف على الوعد الذي قطع عليهم. وهكذا باع الكثيرون بيوت أحلامهم ليخسروها مع تحول الأسواق.

ولكن في المقابل، هناك من استفاد من الأزمة ومن انخفاض أسعار البيوت. رامي مثلا، وهو رجل أعمال يملك شركة معدات هندسية في ميتشيغان، قال انه اشترى خمسة منازل خلال عام واحد بسبب انخفاض الأسعار الكبير، ودفع مقابل منزل كان معروضا للبيع بـ110 آلاف دولار اميركي، 37 ألف دولار فقط. ولكن ما ساعد رامي ليس ازدهار اعماله في ميتشيغان بل في منطقة الكاريبي وفنزويلا. ويقول رامي ان أعماله في ميتشيغان تخسر منذ عامين بعد ان خسر أكثر من 50 في المائة من زبائنه الذي أفلسوا وأقفلوا شركاتهم. وهناك كثيرون مثل رامي، يريدون الاستفادة من انخفاض اسعار البيوت، ولكن يجدون صعوبة أكبر باقتراض الأموال. ويقول موسى انه بعد الأزمة الأخيرة، أصبحت المصارف تتخوف من اعطاء قروض حتى للأشخاص الذين يعتبرون مؤهلين لذلك، أي أنمعاشاتهم مرتفعة ووضعهم الاقتراضي جيد. فقبل عام، كانت البنوك توافق على اقراض اكثر من 80 في المائة من عملاء رامي، واليوم لا يتعدى عدد الذين يحصلون على القرض الـ50 في المائة من مجموع الطلبات التي يقدمها. وهذه الأزمة يقول موسى، كل من يعمل في هذا المجال شاهد حصولها قبل ان تقع. فقبل عامين وصل الأمر ببعض المصارف الى اعطاء قروض لأشخاص من دون أن يكونوا يملكون دفعة أولى، ومعاشاتهم منخفضة جدا.. ثم بدأوا باستعادة البيوت وبدأت الأزمة. أزمة البيوت لم تكن الوحيدة التي أثرت في الأوضاع الاقتصادي للأميركيين العرب في ميتشيغان، فالكثيرون منهم خسروا بيوتهم بعد ان خسروا وظائفهم بسبب تسريحهم او بعد افلاس الشركات او المؤسسات الصغيرة التي يملكونها. فهذه الولاية تشتهر بصناعة السيارات، وهي صناعة تضررت كثيرا في الأعوام الأخيرة لأسباب كثيرة أهمها المنافسة من الدول الآسيوية، وعدد كبير من الأميركيين العرب يعملون في هذا المجال. ومع اقتطاع شركات السيارات الكبرى العاملة هناك مثل فورد وكرايزلر وجنرال موتورز، الآلاف الوظائف، خسر الكثيرون من الأميركيين العرب وظائفهم. والسبب الأساسي الذي يدفع بالكثيرين منهم الى العمل في هذا المجال هو نقص المؤهلات. وتقول آمنة طالب من المركز العربي للخدمات الاقتصادية والاجتماعية في ميتشيغان، ان هناك أشخاصا كثيرون من الأميركيين العرب فقدوا وظائفهم ليس فقط في صناعات السيارات، بل شركات أخرى تقلل عدد موظفيها. وتقول ان هؤلاء يجدون صعوبة بالغة في ايجاد فرص عمل جديدة بسبب مؤهلاتهم المحدودة. والمشكلة الأكبر التي تواجه هؤلاء الأشخاص غير القادرين على الحصول على عمل ان بسبب ضعف لغتهم او مؤهلاتهم، تقول آمنة طالب، هو عدم تمكنهم من الحصول على نفقة من الدولة بسبب وضع أوراقهم ولأنهم لم يصبحوا مواطنين أميركيين بعد، وذلك بعد التعديلات التي أدخلت على نظام الرعاية الاجتماعية في العام 1996. وبموجب هذه التعديلات، أصبح المهاجرون الشرعيون وغير الشرعيين، غير مخولين بالحصول على معظم اشكال المساعدات والنفقات التي تقدمها الحكومة. ولم تعد تقدم الا الخدمات الصحية الطارئة، مثل التكفل بنقل مريض بحالة طارئة الى المستشفى، على ان يتكفل هو بتكاليف علاجه. وتقول آمنة طالب انه حتى الأشخاص الذين مكثوا لفترة كافية في البلاد تخولهم الحصول على الجنسية، يواجهون صعوبات في اتمام المعاملات، منها بسبب ارتفاع المبلغ الذي يتوجب عليهم ان يدفعوه للتقدم بطلب، ويبلغ 675 دولار أميركي، ثم الامتحان الذي عليهم ان يقدموه وعليهم ان يحفظوا غيبا مائة سؤال مع إجاباتها، وهذا يشكل عائقا رئيسا امام الاشخاص الذين لم يتعلموا اللغة جيدا. وتضيف طالب انه بالاضافة الى كل ذلك، هناك بعض الاشخاص من الذين يتقدمون بالطلب ويقدمون الامتحان، ولكن ترفض طلباتهم بسبب لائحة الأسماء للأشخاص المشتبه في ارتباطهم بجماعات متطرفة. ولاية ميتشيغان تحاول منذ ست سنوات ان تدخل صناعات بديلة عوضا عن صناعة السيارات التي كانت عاملا أساسيا في اطلاق الولاية اقتصاديا. ويقول أحمد شباني، أحد مؤسسي غرفة التجارة العربية الأميركية في ديربورن، والذي كان عضوا في الهيئة الاقتصادية في حكومة الولاية لمدة أربع سنوات، إن هناك محاولات لإدخال صناعات بديلة يمكن ان تستوعب العدد الكبير من العاطلين عن العمل، مثل الطاقة الهوائية والبحث التكنولوجي وغيرها. وغرفة التجارة تساعد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على الانطلاق وتساعدها أيضا في الحصول على قروض من المصارف. ولكن هذه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، هي أكثر من دفع ثمن الأزمة الاقتصادي، يقول شباني. فأعداد الشركات التي أفلست وأقفلت أبوابها وصل الى 15 في المائة، وهذا الرقم قد يرتفع بسرعة. فأحد المشاكل الرئيسية التي تواجهها الشركات الصغيرة والمتوسطة هو اقناع البنوك بإعطائهم قروضا، وهو أمر يقول شباني أصبح صعب جدا بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة. وهكذا مع تصدر الاقتصاد اهتمامات الأميركيين العرب، تتجه عيونهم صوب المرشح الأقدر برأيهم على إخراجهم من هذه الأزمة. وتشكل أصوات الناخبين العرب عاملا مهما في الانتخابات، بسبب ارتفاع معدل إقبالهم على التصويت مقارنة بالمعدل العام لدى الناخبين الأميركيين، وبسبب تركزهم في ولايات متأرجحة. ففي ميتشيغان يعيش أقل بقليل من 500 ألف أميركي عربي من أصل ثلاثة ملايين ونصف المليون موزعين في الولايات المتحدة، وتشكل أصواتهم هنا نحو 5 في المائة من أصوات الناخبين. ويتوزع الباقون على ولايات مهمة تصنف المتأرجحة، مثل فلوريدا وأوهايو وبنسلفانيا، حيث تشكل نسبة أصواتهم نحو 2 في المائة في كل ولاية من مجموع الناخبين الأميركيين. وعلى الرغم من ان هذه النسبة قد لا تبدو مرتفعة، الا ان باستطاعة هذه الفئة أن تلعب دورا أساسيا، خصوصا اذا كان النتائج متقاربة، كما حصل في انتخابات العام 2000 حيث فاز بوش بفارق 500 صوت في فلوريدا على آل غور، ليفوز بذلك بالانتخابات. وبحسب استطلاع زغبي للمعهد العربي الاميركي، فإن 54 في المائة من الأميركيين العرب في كل الولايات قالوا إنهم سيصوتون لأوباما مقابل 33 في المائة لماكين و13 في المائة قالوا إنهم سيصوتون لمرشح آخر. وفي العام 2000، صوت 44 في المائة من الأميركيين العرب لجورج بوش، مقابل 38 في المائة للمرشح الديمقراطي آل غور، وفي العام 2004 حصل المرشح الديمقراطي جون كيري على 63 في المائة من أصواتهم مقابل 28 في المائة فقط لجورج بوش. وبحسب الاستطلاع أيضا، قال 40 في المائة من الذين اختاروا أوباما إن سبب اختيارهم قضايا داخلية، فيما قال 3 في المائة فقط ان السياسة الخارجية هي سبب تأييدهم له. اما من بين الذين اختاروا ماكين، فقال 19 في المائة منهم ان اختيارهم هو الاقتصاد، فيما قال 16 في المائة ان السياسة الخارجية كانت عامل الاختيار، و30 في المائة لأنه يعجبهم كشخص. ومن هؤلاء المستطلعين، قال 46 في المائة منهم إنهم مسجلون مع الحزب الديمقراطي مقارنة بـ40 في المائة في العام 2000، فيما 20 في المائة مسجلون مع الحزب الجمهوري مقارنة بـ38 في المائة في العام 2000، و19 في المائة مستقلون.

رامي، صاحب شركة المعدات الهندسية، يقول انه سيصوت للمرشح الجمهوري جون ماكين، لأن نظرته الاقتصادية تناسب عمله أكثر. فالجمهوريون يؤيدون السوق الحرة، وتدخل حكومي اقل في الاعمال، وضرائب أقل. ورامي يلوم الاميركيين على الوضع الذي حل بهم لأنهم سمحوا لأنفسهم بأن يستدينوا اكثر من طاقاتهم. ولكن طارق، الشاب الفلسطيني سائق سيارة الأجرة الذي يكافح لدفع أقساط منزله وبدأ حتى يفكر بالعـــودة الى بيروت، يقـــول انه سيصوت للمرشح الديقراطي باراك أوباما لأنه يثق فيــه أكثر من ماكين بإعادة بناء الاقتصاد وإنهاء الحرب في العراق وإعادة الاستثمار بمشاريع إنمائية في الداخل.

* غدا : الأميركيون العرب مأخوذون بأوباما .. ويأملون أن يتفهم مخاوفهم