الخلافات داخل إدارة بوش تؤخر المساعدات العسكرية الكبرى للجيش اللبناني

مسؤولون في البنتاغون يعربون عن «تخوفهم» من وقوع الأسلحة في يد حزب الله

TT

على مدى عدة أعوام، كان الجيش اللبناني يعتبر المجموعة المسلحة الأقل فعالية في لبنان الذي يضم العديد من التنظيمات المسلحة. وبعد أن تمزقت أوصال الجيش خلال الحرب الأهلية التي استمرت خمسة عشر عاما، تحولت ترسانته إلى ما يشبه المتحف الذي يحتوي على دبابات قديمة وطائرات لا تتحرك. ولكن كل ذلك بدأ يتغير الآن، إذ يمكن أن ترى على أبواب قاعدة عسكرية شمال بيروت، عددا من الجنود يقودون شاحنات وسيارات «همفي» الأميركية الحديثة، ويحمل بعض الجنود أسلحة أميركية جديدة ومنصات لإطلاق القنابل. تأتي تلك الأسلحة في إطار التزام أميركي جديد بتوفير إمدادات لجيش اللبناني الذي يناط به دور محوري في هذا البلد رغم صغر مساحته. وقد تمكن لبنان منذ ثلاثة أعوام من التخلص من السيطرة السورية. وتهدف موجة المساعدات الجديدة، التي تعد أول مساعدات مسلحة أميركية كبرى إلى لبنان منذ الثمانيات من القرن الماضي، إلى بناء قوة مسلحة قادرة على تعزيز الاستقرار في لبنان الذي يعاني من التمزق ومواجهة تهديد إرهابي متنامي وتقديم بديل شرعي لحزب الله الشيعي، الذي يسيطر على جنوب لبنان، والذي رفض نزع سلاحه، بدعوى أنه القوة الوحيدة التي يمكنها الدفاع عن لبنان ضد إسرائيل. وحتى الوقت الحالي، لم تكن أي المساعدات الأميركية بالحجم الذي يتطلب إخطارا رسميا للكونغرس، فتلك الصفقات ما زالت في مراحلها الأولى، حسب ما يقوله مسؤولون في الإدارة (الأميركية). وقد أعرب مسؤولون في البنتاغون ووزارة الخارجية الأميركية عن خوفهم إزاء تقديم مساعدات موسعة إلى لبنان حيث لم يمض على تحرره من السيطرة السورية وقت طويل، ويوجد به حزب الله، الذي لديه علاقات لصيقة بسورية وإيران وما زال يوسع من نفوذه السياسي. ويعد ذلك مصدر قلق رئيسي لإسرائيل، التي تدعو إلى مستوى أقل من المساعدات (الأميركية للبنان) لتجنب احتمال أن يستخدم الدبابات والمروحيات الأميركية ضدها في يوم من الأيام. ويلقي التاريخ بظلاله على هذا الأمر، فقد انتهى الحال بآخر عملية كبرى تضمنت مساعدات أميركية للجيش اللبناني في الثمانينات من القرن الماضي بأن حوصرت القوات الأميركية في حرب أهلية في لبنان. وقد تسببت تلك الشكوك، وفي مقابلها المساعدات العسكرية الأميركية الكبيرة لإسرائيل، في إثارة الغضب في لبنان، وقد صورت مسرحية كوميدية متلفزة عرضت في لبنان الأسبوع الجاري البعثات الأميركية وهي تسلم جوارب وطائرات لعبة لجنرالات لبنانيين. ومع ذلك، يقول مسؤولون في وزارة الخارجية (الأميركية) والبنتاغون إنهم مقتنعون بأن إعادة بناء الجيش اللبناني أمر ضروري لخدمة جهود السلام في المنطقة. وهناك دول أخرى ذات صلة بالأمر، منها الإمارات وألمانيا وبلجيكا وبريطانيا وكندا، إضافة إلى عروض تنافسية لتقديم المساعدات من روسيا والصين وإيران، ولكن حتى الآن تقول الولايات المتحدة، التي ظلت لفترة طويلة المصدر الرئيس لأسلحة وتدريب الجيش اللبناني، إنها ستحافظ على دور رئيسي في هذا الأمر. ويقول كريستوفر ستروب، نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط: «تهدف سياسة الولايات المتحدة إلى أن يكون لبنان دولة مستقلة ذات سيادة وأن تسيطر الحكومة ومؤسساتها على كل الأراضي اللبنانية وأن يتم نزع سلاح الميليشيات، وندرك أن ذلك لن يحدث بين يوم وليلة، ولكن هذه سياستنا».

وبدأت فكرة إعادة تسليح لبنان في عام 2005، بعد أن تمكنت ما عرفت باسم «ثورة الأرز» من إجبار سورية على الانسحاب من اراضيه، ومثل ذلك مبررا لجهود الرئيس بوش لنشر الديمقراطية في المنطقة. وفي عام 2006، عززت حرب الـ34 يوما بين إسرائيل وحزب الله فكرة حاجة لبنان إلى جيش قوي كي يقدم بديلا وطنيا لمليشيات التنظيم الشيعي. وقد عانى الجيش من ظروف صعبة، فبعد مساعدات أميركية لفترة قصيرة في أوائل الثمانيات من القرن الماضي، تفرق بين الاتجاهات السياسية والطائفية فيما تحولت الفرقة السادسة المشكلة باكثريتها من جنود شيعة دربهم أميركيون إلى ميليشيا. وبعد الحرب الأهلية، وخلال الأعوام التي كانت تسيطر فيها سورية على لبنان، تردى حال الأسلحة الموجودة في مخازن الجيش لدرجة أن الجنود لم يكونوا يطلقوا النار أكثر من 30 مرة في العام. يقول الياس حنا، وهو جنرال لبناني متقاعد: «أصبح (الجيش) مثل قوة شرطة، ولكن بتدريب ضعيف ومعدات قليلة، وحتى القوات الخاصة كانت تضم شبابا صغارا جدا وتعوزهم الخبرة، فيما كان لدى حزب الله الكثير من الخبرة». وفي الواقع، حرص المراقبون السوريون في لبنان على الحفاظ على الجيش ضعيفا، فلم يكونوا يريدون قوة بديلة قوية، وكان ذلك بعضا مما ساعد حزب الله على النمو لتصبح له هذه القوة الهائلة خلال الثمانيات والتسعينات من القرن الماضي، مستخدما أسلحة متطورة تقدمها له إيران وسورية. ومع ذلك، يقول مسؤولون أميركيون في الوقت الحالي إنهم مؤمنون بأهمية تحقيق استقلالية ومهنية الجيش، الذي أصبح متكاملا بصورة كبيرة ويضم مختلف الفصائل الإثنية والدينية في لبنان، كما نأى بنفسه عن التدخل في الأمور السياسة. وقد أظهر مراجعون مكلفون من الولايات المتحدة أنه لم يذهب شيء، تقريبا، من العتاد المقدم للجيش اللبناني إلى حزب الله. ويقول مارك كيميت، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية والعسكرية: «لقد برهنوا عاما بعد آخر على أنه عندما نعطي لهم معدلات يكونون مسؤولين عنها».

وقد كانت مرحلة مهمة بالنسبة للجيش في فصل الصيف من عام 2007، عندما دخل في معركة استمرت ثلاثة أشهر انتصر خلالها على إسلاميين متطرفين في مخيم لاجئين فلسطينيين في نهر البارد في مدينة طرابلس. وقد أظهر القتال، الذي قتل خلاله 168 جنديا وعدد غير معروف من المسلحين، الحاجة إلى إعادة تسليح الجيش، فقد اضطر الجيش إلى إلقاء القنابل باليد من مروحيات «هوي» تعود لفترة حرب فيتنام، إذ لم تكن لديه طائرات قتال أو أسلحة دقيقة، وقد أفضت تلك الطريقة التي تعوزها الدقة إلى تدمير المخيم تقريبا. ومع أن الولايات المتحدة أسرعت بإمداده بطائرات مليئة بالمؤن، فقد أعرب قادة الجيش عن استيائهم لعدم تقديم أسلحة أكثر تقدما لهم. ويقول ضابط رفيع المستوى بالجيش اللبناني، اشترط عدم ذكر اسمه: «استمرت (أحداث) نهر البارد لمدة 105 أيام، ولو كان لدينا مروحيات مقاتلة، لكن الأمر قد انتهى في 15 يوما.» وتظهر طموحات الجيش اللبناني الجيدة والحاجة لملء الفجوات بصورة واضحة على الحدود الشمالية بين لبنان وسورية. فخلال الأسابيع الأخيرة، وبعد سلسلة من التفجيرات في طرابلس خلفت 20 قتيلا معظمهم من الجنود البنانين، أرسل الجيش 8000 جندي إلى الحدود كي يرصدوا عمليات التهريب عبر الجبال في الشمال. ويعد هذا الأجراء بمفرده دليلا على استقلالية لبنان عن سورية، ولكن كانت قوة حفظ الحدود صغيرة للغاية، وافتقرت إلى المعدات الضرورية، حسبما قاله مسؤولون في الجيش اللبناني. وقال ضابط لبناني في قسم المشتريات: «ليس معهم طائرات دون طيار ولا أجهزة للرؤية الليلية ولا أي من أجهزة الاستشعار التي تستخدم في الدول الأخرى ليعرف الجندي أن ما يراه يمثل تهديدا أم أنه مجرد حيوان.» وأضاف: «كي أوضح لك، لدينا 50 واديا في منطقة واحدة، وهناك جنود موجودون على قمم التلال، ويمكنهم الرؤية خلال النهار، ولكن في الليل لا يمكنهم القيام بشيء».

ويقول قادة في الجيش اللبناني إنهم يشعرون بالقلق إزاء الوتيرة البطيئة للمساعدات التي يقدمها الجيش الأميركي، فمن بين 410 ملايين دولار قيمة التزامات منذ عام 2006، لم يتم تقديم إلا أقل من نصف تلك الالتزامات، وغالبا ما تكون مؤن وأجهزة اتصالات وسيارات «همفي» وأسلحة ومنصات لإطلاق الصواريخ آليا وغيرها من المعدات الخفيفة وقطع الغيار، حسبما يقول مسؤولون لبنانيون ومسؤولون في الجيش الأميركي. ويشير مسؤولون لبنانيون إلى الحاجة إلى أسلحة ثقيلة، لاسيما نظام للدفاع الجوي، الذي من شأنه أن يساعدهم على القول بأنه يمكنهم أن يحلوا محل حزب الله كقوة رادعة أمام إسرائيل في الجنوب. ويقول ضابط مشتريات لبناني: «من أبجديات أي جيش أن تكون لديه القدرة على الدفاع عن نفسه، فخلال حرب 2006، كانت الطائرات الإسرائيلية تطلق النيران من ارتفاع 300 متر».

ويقول ستروب إن التركيز ما زال منصبا على تحديد احتياجات الجيش اللبناني تحديدا، وبعد ذلك النظر في الأسلحة التي تناسبه. ويعني ذلك أنه مع أن لبنان طلب الحصول على مروحيات مقاتلة، على سبيل المثال، فليست هناك صفقة محددة يجرى الحديث عن الموافقة عليها. ويضيف ستروب: «عليهم أن يقوموا أولا بتحديد الاحتياجات، فكل شخص يريد الحصول على المعدات بسرعة، ولكن علينا تحديد الاحتياجات». ومع ذلك، يقول مسؤول في وزارة الخارجية (الأميركية) إن الخلافات في الإدارة تؤجل أي صفقة كبرى، حيث أن هناك في البنتاغون ووزارة الخارجية متحمسين لإعادة بناء القوات المسلحة اللبنانية، فيما يشعر آخرون بالتردد من التحرك سريعا، على ضوء المخاوف الإسرائيلية. ويضيف المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بمناقشة تلك القضية: «هناك وجهات نظر مختلفة».

ويريد اللبنانيون صواريخ مضادة للدبابات تتسم بالدقة، وأسطولا جديدا من الدبابات لتحل محل المعدات الأميركية والسوفياتية المتهالكة التي في حوزتهم. وتحديدا، فإنهم يريدون المزيد من دبابات «ام 60» التي تعود إلى فترة فيتنام يتم إعادة تجهيزها بقطع غيار أميركية وتنقل إلى لبنان عن طريق الأردن. ومع أن تلك الأسلحة التي يريدها لبنان لا تشمل الأسلحة الأكثر تطورا، فهي مبعث قلق لدى إسرائيل. ويقول ضابط إسرائيلي، طلب عدم ذكر اسمه بسبب المفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة: «لا نريد أن يتحكم حزب الله في لبنان». ويضيف المسؤول إن «هناك خوفا من أن تذهب الأسلحة إلى أيد خطأ». وحتى الآن، يقول مسؤولون أميركيون إنهم ملتزمون مساعدة لبنان على الحصول على الأسلحة التي يحتاج إليها للدفاع عن نفسه، ويقرون بأن التأخير في هذا الأمر قد تسبب في بروز قلق في لبنان. ويقول كيميت، من وزارة الخارجية: «نفهم الإحباط الذي يعبر عنه اللبنانيون».

* خدمة «نيويورك تايمز»