تقرير يبرز مشروعا في الفلوجة مثالا على إخفاقات برنامج إعادة الإعمار

مشروع مياه المجاري تأخر إنجازه 3 سنوات وارتفعت تكلفته بواقع 3 أضعاف

TT

كان من المفترض من وراء منشأة معالجة مياه الصرف الصحي التي مولتها الولايات المتحدة في مدينة الفلوجة والتي استهدفتها القوات الأميركية مرتين لاستئصال شأفة التمرد في عام 2004 أن تكون أحد جهود إعادة بناء العراق، الذي دمره الحرب، وتطبيق المعايير الصحية الغربية فيه.

ولكن بدلاً من ذلك، تحول المشروع ـ الذي تكلف ثلاثة أضعاف الميزانية الأصلية، ليصل إلى 100 مليون دولار وتأخر عن الموعد المقرر له ثلاث سنوات ـ إلى نموذج للفشل والإسراف في برنامج إعادة إعمار البنية التحتية العراقية بخبرة ودولارات أميركية.

فقد كشف تقرير لمحققين فيدراليين نشر أمس أن المشروع تم تنفيذه بصورة رديئة للغاية، حيث لا توجد كهرباء كافية لتشغيل المضخات وخزانات التنقية، ولا توجد أموال لربط البيوت بشبكات الصرف الصحي التي تجري تحت شوارع الفلوجة دون فائدة.

والتقرير الذي أعده مكتب المفتش العام لإعادة إعمار العراق ـ وهو مكتب فيدرالي مستقل يقوده ستيوارت باون ـ لم يذكر شيئا عن أن مسؤولي سلاح المهندسين بالجيش الأميركي الذي اضطلع بالمسؤولية الكاملة عن إنشاء المشروع أو مكتب مساعدة التحول التابع لمكتب إعادة الإعمار التابع للسفارة الأميركية، قد قاموا بإخفاء معلومات حول المشكلة. لكن محققي باون أكدوا أن مسؤولين كبارا بالسفارة ومؤسسة الجيش كانوا على علم بالمشكلة طوال سنوات، ولم يتم طرح الأمر على السفير رايان كروكر أو تضمين هذه المشكلة بأية صورة في تقارير وزارة الخارجية المسماة تقارير 2207 التي يفترض أنها تعلم الكونغرس بحالة المشروعات التي يمولها دافعو الضرائب في العراق. وقال التقرير إن كروكر لدى علمه بتلك المشكلات في شهر يوليو (تموز) طلب من المحققين معرفة السبب وراء عدم إطلاعه على الأمر. واكتشف المحققون وجود عدد من العوائق النظامية في سلسلة القيادة في الإبلاغ عن الفشل في إعادة الإعمار، ومن الممكن أن يساعد ذلك في تفسير جهل المسؤولين في السفارة بالأمور الحقيقية، إضافة إلى ثناء المسؤولين العسكريين الدائم على المشروعات التي اتضح فيما بعد أنها متصدعة أو غير فعالة. ولإزالة أي نوع من الشك الذي يمكن أن يثار حول المشروع دأبت المؤسسة العسكرية على الإشادة بمشروع الفلوجة كنجاح بارز في سلسلة بياناتها الصحفية حول الإعمار في العراق.

ففي أبريل (نيسان) ـ على سبيل المثال ـ أصدر الجيش الأميركي في العراق بيانًا قال فيه إن المشروع تم تشغيله في مايو (آيار) من عام 2007 وسوف يعمل على خدمة جميع منازل الفلوجة، لكن المحققين وجدوا أن المشروع بدأ في يونيو (حزيران) من عام 2004 وأنه كان من المفترض أن ينتهي خلال 18 شهرًا. ووجد المحققون أيضا أن المشروع لن يبدأ العمل إلا في أبريل (نيسان) المقبل. وعلى الرغم من أن المنشأة الأصلية كان يفترض بها أن تخدم المدينة كلها، فقد تم تصغير حجمها لتخدم ثلث المدينة فقط، أي حوالي 9.300 منزل، وهو ما يعني أن المشروع سوف ينتهي بتكلفة تصل إلى 10.000 دولار للمنزل الواحد، لكن حتى مع هذا الثمن الضخم، وحتى وإن تم توفير التمويل اللازم لتوصيل خطوط الصرف الصحي إلى المنازل، فمن المحتمل ألا تعمل المحطة على الإطلاق.

ولدى وصول المحققين إلى بغداد هذا الخريف وجدوا أن فتحات البالوعات وصمامات التحكم مقفلة على خط الصرف الرئيس من قبل متعاقد حانق لم يحصل على مستحقاته المالية نظير جزء صغير كان يفترض أن تقوم الحكومة العراقية بتمويله. كما وجد المحققون أن هناك إيصالات تستحق الدفع منذ عامين. ويقول التقرير إن «خط الأنابيب هذا هو الخط الرئيس المكون للشبكة، وإذا لم تحل هذه المشكلة فإن مياه الصرف سوف ترتد إلى المنازل مما يتسبب في الدمار والروائح الكريهة». وأشارت ديدي كوردل، المتحدثة باسم سلاح المهندسين في بغداد، إلى أنه على الرغم من الانتقادات التي حملها تقرير المفتش العام، إلا أنه أشاد بالمسؤولين عن سلاح المهندسين في العثور على المشكلة، وأوضحت كوردل أن المشروع الذي بدأ تحت إشراف سلطة التحالف المؤقتة والحكومة الانتقالية بعد الغزو لم يسلم إلى القيادة العسكرية إلا في مايو (آيار) من عام 2006. وأضافت أن التضارب في التصريحات الصحافية للجيش لا بد أنها ناتجة عن خطأ مطبعي.

وأشارت كوردل إلى أن خطط منشأة الصرف الصحي تغيرت مرارًا، بعضها بناءً على طلب الحكومة العراقية بأساليب اعترض عليها الجيش بالقول «نحن لا نقوم بهذه المشروعات في الخواء». وكتبت كوردل في رسالة إلكترونية «تلك شراكة مع الحكومة العراقية». وأضافت أن العمود الفقري لنظام الصرف الصحي سوف يتمكن من خدمة مدينة الفلوجة بأكملها، لكن الحكومة العراقية سوف تكون مسؤولة عن توصيل خدمات الصرف الصحي إلى المنازل.

وأردفت بالقول: «بالنظر إلى الوضع الأمني المتفجر الذي واجهناه من قبل في الفلوجة، فإننا سعداء لأن نرى ذلك المشروع يكتمل»، وأضافت: «كان ذلك تحديا لا يصدق وخطرا لا يوصف سواء من ناحية أمن البناء أو الموقف الأمني، فقد قتل أفراد وهم يحاولون إعادة نظام معالجة مياه الصرف الصحي إلى سابق عهده، وهي الخدمات الأساسية المتعلقة بالصحة والبيئة والتي تعتبر شيئا عاديا لدى معظم الأميركيين».

يذكر تقرير المفتش العام أن الحكومة العراقية لم تكن راغبة في توصيل أنابيب الصرف إلى المنازل، وقالت إن على المواطنين أن يقوموا هم بتوصيل تلك الأنابيب، وقد توفي فتى عراقي يبلغ من العمر 16 عامًا من أبخرة الصرف بعد أن أرسلته عائلته ليعمل في تركيب تلك المواسير.

*خدمة «نيويورك تايمز»