المالكي يسعى لتهميش الأكراد في الموصل باستبدال قوات من بغداد بالوحدات الكردية

مخاوف أميركية من معارك بين الجانبين.. ورئيس الوزراء يستميل العرب السنة في المدينة

جنديان اميركيان يقفان امام مدخل ثكنة للجيش العراقي في الموصل خلال زيارة قادة أميركيين لها أمس (أ.ب)
TT

تشهد الموصل حالياً حملة عسكرية عراقية جديدة، إلا أن القلق لا يزال قائماً ليس فقط إزاء العناصر المتمردة التي ما تزال تحتفظ بوجود قوي لها هنا، وإنما يشعر القادة العسكريون الأميركيون بقلق متزايد أيضاً حيال إمكانية تفاقم الأوضاع داخل المدينة، بحيث تتحول إلى ميدان قتال كبير حول الدولة العراقية الهشة ذاتها. وتعمل الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة برئاسة رئيس الوزراء نوري المالكي على إخراج الوحدات الكردية التابعة للجيش العراقي من الموصل، مستبدلة إياها بوحدات من الشرطة الوطنية والجيش ينتمي أفرادها إلى بغداد. كما تحاول الحكومة إبرام تحالفات مع العناصر المتشددة من السنة العرب في المحافظة، والذين توجد بينهم وبين الحكومة الإقليمية الكردية بقيادة مسعود بارزاني خلافات شديدة. في المقابل، يبدي الأكراد مقاومة كبيرة لهذه التحركات، مما يسلط الضوء مجدداً على عمق الانقسامات العرقية والطائفية داخل العراق وصعوبة خلق عراق موحد حتى مع انحسار أعمال العنف بشكل عام. وقد تفاقمت التوترات الأسبوع السابق لدرجة دفعت القادة العسكريين الأميركيين لعقد سلسلة من الاجتماعات الطارئة مع مسؤولي الحكومة العراقية ومسؤولين اكراد، في إطار مساعيهم لتجنب اشتعال العنف بين الفرق المؤلفة للحكومة العراقية. وفي تعليقه على هذا الأمر، قال البريغادير جنرال رايموند إيه. توماس، الذي يتولى الإشراف على محافظتي نينوى وكركوك وإقليم كردستان «هذه هي العاصفة التي تتكون بناء على الخلفية المتقيحة للماضي». وتسود مشاعر قلق عارم حيال إمكانية أن تكون المؤسسة الأميركية قد اتخذت قرارها بالفعل باتباع سياسة تقوم على الانسحاب تدريجياً وترك الحرية للعراقيين لحل مشكلاتهم بأنفسهم. من ناحيته، قال الجنرال توماس إنه حال اندلاع قتال بين الأكراد والحكومة العراقية، فإن القوات الأميركية: «سوف تتنحى جانباً»، بدلا من «تعريض الجنود الأميركيين للقتل أثناء اضطلاعهم بدور صانع السلام». وفي آخر حملاته ضد المتمردين، عمل المالكي على تقليص النفوذ العسكري الكردي داخل الموصل، الأمر الذي يأتي بمثابة اختبار للولاءات الحقيقية في وقت حساس للغاية. وبعث المالكي بقرابة 3.000 من قوات الشرطة الوطنية من بغداد إلى الموصل بهدف دعم القوة المحلية. ومن المقرر أن يتولى الضباط، الذين ينتمون جميعهم تقريباً إلى الشيعة والعرب السنة، مسؤولية القطاع الغربي من المدينة الذي تقطنه أغلبية عربية سنة. كما قامت وزارة الدفاع مؤخراً بتعيين اللواء عبد الله عبد الكريم، شقيق زوجة المالكي، قائداً على الفرقة الثانية المرابطة بالقطاع الشرقي من الموصل. من ناحيته ونتيجة شعوره بوجود مخطط لإبعاد القيادات الكردية داخل الجيش العراقي عن منطقة شمال العراق، تدخل بارزاني شخصياً من أجل تجميد قرار وزاري بنقل 34 ضابطاً كردياً، حسبما أشار العقيد حاج عبد الله، قائد إحدى الكتائب داخل الفرقة الثانية. وأكد عبد الله: «إذا لم يتغير العرب الآن، ستتردى الأوضاع وسنشهد مواجهة». وفي خضم هذه الفوضى، يؤكد عبد الله وضابط آخر في الفرقة، هو العميد نظير عصام، أن ولاءهم الأول لكردستان. على سبيل المثال، شدد عصام على أنه: «إذا ما تعين علي الاختيار، لن أتردد ولو لحظة واحدة في قراري ـ سأستقيل من الجيش»، مضيفاً أنه «لقد قدمنا الكثير من التضحيات في نضالنا ضد البعثيين».

ومن المعروف أن الولايات المتحدة اعتمدت على الأكراد منذ البداية داخل الموصل. وفي تجاهل للعداء القائم منذ أمد بعيد بين المدينة والحزب الذي يترأسه بارزاني، رافقت القوات الخاصة الأميركية مقاتلي البيشمركة الموالين للحزب عندما بسطوا سيطرتهم على المدينة في أبريل (نيسان) 2003. وجذبت واشنطن المزيد من قوات البيشمركة إلى داخل المدينة خلال عامي 2004 و2005 عندما انهارت الحكومة الإقليمية وقوة الشرطة على أيدي المتمردين. ورغم خروج الكثير من وحدات البيشمركة داخل نينوى من رحم الجيش الوطني، فإن ما يقدر بـ5.000 مقاتل من فيالق النخبة الكردية بقوا في شمال المحافظة. وقد أثارت جميع هذه الإجراءات الغضب داخل الموصل إزاء الأميركيين والأكراد. وقال الرائد علي ناجي، العربي السني وعضو واحدة من فرق الجيش التي تم إرسالها منذ وقت قريب إلى المدينة من بغداد: «ترغب الحكومة في توسيع نطاق سيطرتها، وهو ما يتعارض مع إرادة وطموحات الأكراد. وأتوقع أن يندلع قتال بين القوات العراقية والبيشمركة». من ناحيته، أعرب سامي العسكري، أحد كبار مستشاري المالكي، عن أمله في أن تنجح المحادثات بين رئيسه وبارزاني في تجنب وقوع مثل هذه المواجهة. إلا أنه أوضح الموقف الحكومي من القضية بقوله إن وجود القوات الكردية خارج سيطرة الجيش الوطني وفيما وراء حدود إقليم كردستان يعد «غير قانوني». وأضاف أن رفض الضباط الأكراد داخل الجيش العراقي إطاعة أوامر نقلهم من نينوى يعتبر «تمردا يجب معاقبته بشدة». وفي إطار مساعيه لإخضاع الموصل وتهميش الأكراد، يحاول المالكي جذب ود السنة الشاعرين بالسخط حيال الأكراد. على سبيل المثال، في الأسبوع السابق قام بإرسال مندوب له، هو نائبه السني رافع العيساوي ، إلى الموصل حاملاً وعودا بتنفيذ مبادرة لإعادة الإعمار والاستثمار بحيث يتم تنسيقها من قبل القيادات السنية بالموصل. الأهم من ذلك، أن المالكي يحاول التقرب إلى الضباط السابقين بالجيش وزعماء القبائل أمثال الشيخ عبد الله الحميدي، الذي يتولى زعامة قبيلة الشمر القوية بمحافظة نينوى. وتعد جميع هذه العناصر من الوطنيين الأقوياء المؤمنين بضرورة قصر نفوذ الأكراد على حدود إقليم كردستان وفقاً للحدود التي تم ترسيمها بعد حرب الخليج عام 1991. من ناحيته، قال الجنرال توماس إن المالكي عمل على منح رياض الشكرجي، العربي السني الذي تقلد منصب لواء في الجيش سابقاً، منصب محافظ نينوى القادم. يذكر أن الشكرجي يعمل مستشاراً لإحدى اللجان التي تأسست لتنفيذ المبادرات الاقتصادية الجديدة التي صاغتها الحكومة المركزية من أجل الموصل.

جدير بالذكر أن الشكرجي والشيخ الحميدي وأفرادا آخرين أمثال حسن اللهيبي، القائد السابق بالجيش العراقي الذي تولى قيادة عملية غزو الكويت عام 1990، انضموا جميعاً لائتلاف سياسي جديد يُعرف باسم «الحدباء»، والذي من المقرر أن يخوض الانتخابات الإقليمية القادمة. ويتولى أثيل النجيفي، رجل الأعمال البارز الذي يملك مزرعة كبيرة في الموصل سبق وأن أمدت نجلي صدام حسين، عدي وقصي، بالخيول العربية الأصيلة، قيادة هذا الائتلاف. وصرح النجيفي بأن القوات الأميركية تجاهلت مشاعر العداء التي يكنها سكان المحافظة تجاه بارزاني وجعلت من نفسها طرفاً في الصراع عندما اعتمدت على قوات البيشمركة لدى دخولها الموصل. وأضاف أنه كي يتمكن المالكي من التأكيد على سيطرته على الموصل يجب عليه أولاً الوفاء بتعهده بطرد القوات الكردية. ويلقي النجيفي وشقيقه أسامة، عضو البرلمان في بغداد، باللوم على الأكراد فيما يتعلق بالتحريض على شن حملة ضد المسيحيين داخل الموصل من أجل التخفيف من حدة الضغوط التي تمارسها عليهم الحكومة المركزية. على الجانب الآخر، وصف أحد القادة الأكراد الاتهامات بأنها «سخيفة». وأعلنت القوات الأميركية أن الاحتمال الأكبر أن الحملة التي استهدفت المسيحيين ترتبط بتنظيم القاعدة داخل العراق. إلا أن مجموعة من القيادات المسيحية التي التقت بالجنرال توماس الأسبوع السابق في مدينة قوش، خارج الموصل، ألقت باللوم عن المآسي التي يتعرض لها المواطنون العاديون على عاتق الصراع الدائر بين الحكومة المركزية وكردستان. وقالوا إن التخلص من الجانبين ربما يكون السبيل الوحيد لاستعادة الهدوء والثقة بالمنطقة.

* خدمة: «نيويورك تايمز»