البصرة .. مدينة التنوع الديني والثقافي منذ القدم

تتجاور فيها أماكن العبادة للأديان والطوائف.. وسكانها لـ«الشرق الأوسط»: الطائفية طارئة

TT

عرفت البصرة منذ القدم بالتنوع الديني والثقافي وانها من المدن العربية التي تتجاور فيها دور العبادة لكل الاديان والطوائف ولم تعرف الطائفية الا بعد الاحتلال عام 2003. ففي الوقت الذي تعد فيه البصرة اول حاضرة بناها المسلمون خارج الجزيرة العربية وفيها شيد الصحابي الجليل عتبة بن غزوان جامع البصرة عام 14 هجرية الذي يعد رابع  جامع شيده المسلمون منذ ظهور الاسلام، اشتهرت على انها من أوائل المدن التي دخلها المبشرون من الديانة المسيحية، فكثرت فيها الكنائس والأديرة الى جانب دور العبادة للاديان والطوائف الاخرى. وقال القس سمعان خزعل (راعي كنيسة العذراء للسريان الأرثوذكس) لـ«الشرق الأوسط» ان الجذور التاريخية للتواجد المسيحي في محافظة البصرة «تعود إلى بدايات القرن الرابع الميلادي». ويرى القس عماد البنا «ان في البصرة الكثير من الكنائس القديمة، الا ان كنيسة أم الأحزان في محافظة العمارة التي تم أخيرا اعمارها  تعد من أقدم وأكبر الكنائس الكلدانية في العراق اذ تأسست عام 1880 ميلادية وعلى مساحة  1600 متر مربع».

وقال حاتم عبد الكريم السامر (شخصية اجتماعية) ان «من المظاهر النادرة على التآخي بين الاديان ما هو موجود في البصرة اذ تتقارب في منطقة العشار وعلى بعد امتار جامع وكنيسة ومعبد للطائفة اليهودية الذي تحول الى مخزن بعد هجرة سليمة موشيه نسيم ، آخر يهود البصرة عام 2004». واضاف «ان التجاور المكاني لدور العبادة انعكس ايضا على العلاقات الاجتماعية، فالجميع يقدمون التهاني للاخرين في مناسباتهم الدينية والاعياد وذرف الكثير من المسلمين والمسيحيين الدموع اثر فقدان من طالته اعمال العنف الطائفي..»، واشار الى ان «اهل البصرة لم يعرفوا الطائفية الا بعد الاحتلال الاخير».

ومثلما اعيد افتتاح معظم جوامع ومساجد السنة المغلقة نتيجة العنف الطائفي بعد عملية «صولة الفرسان» الأمنية التي أطلقت في الربيع الماضي، يسعى رجال الدين المسيحي الى اعادة اعمار الكنائس واقامة القداسات فيها بالمناسبات الدينية. واعربت ام داود (76 عاما) عن حزنها لفراق اعداد من العائلات المسيحية التي اثرت الهجرة الى الخارج خشية من اعمال العنف وقالت «أنا حزينة جداً على فراق عدد من العائلات التي كانت تجاورنا في منطقة ابريهة وسط البصرة، والذين احيانا يتصلون بنا ويسألون عن احوالنا».

وتقول أم فادي (موظفة في بنك): «لم اشعر أن هناك من ينظر إلي كوني مسيحية، بل لدي علاقات كثيرة مع صديقاتي من المسلمات، حتى إنني أرسل لهن بعض أطباق الحلوى في شهر رمضان، وعلاقتي جيدة بهن، ويشاركني الجيران في أعياد الميلاد ويقدمون لنا الهدايا». واوضح عبد الله حسين (رجل متدين مستقل) «ان تجاور المساجد والكنائس من ظواهر الحضارة العربية ورجال الدين في الكنائس يمارسون السلطة التامة على رعاياهم في كل شؤونهم الدينية، بمعزل عن تدخل الدولة ..» واضاف: «ان من مظاهر التسامح الديني أن الوظائف كانت تُعطَى للمستحق الكفء؛ بغضِّ النظر عن عقيدته ومذهبه. والجميع يتشاركون في الأعياد الدينية؛ بمباهجها وزينتها، فمنذ العهد الأموي كانت للنصارى احتفالاتهم العامة في الشوارع تتقدمها الصلبان، ورجال الدين بألبستهم الكهنوتية كما تؤكد المصادر التاريخية»، متمنيا ان تعاد هذه الصورة الاجتماعية الجميلة الى ألقها المعروف.