فيما أقرت الحكومة العراقية خلال جلسة مجلس الوزراء أمس إجراء تعديلات على مسودة الاتفاقية الامنية مع واشنطن سيرفعها رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي الى الجانب الاميركي الذي سارع الى تأكيد «صعوبة» ادخال تغييرات، أعلن البيت الابيض عن تحفظات شديدة حيال تعديل الاتفاقية المثيرة للجدل، وقال ان اي تغييرات «ستكون صعبة».
وقال المتحدث باسم الحكومة علي الدباغ ان «مجلس الوزراء أقر التعديلات الضرورية والجوهرية والمناسبة الواجب ادخالها على مسودة الاتفاقية... حسب الآراء والتوجهات الاساسية للكتل السياسية». وأضاف الدباغ «تم تفويض رئيس مجلس الوزراء عرض هذه التعديلات على الجانب الاميركي».
وعند سؤاله عما اذا كانت التعديلات تقتصر على الصياغة فقط، قال الدباغ «بعض الفقرات المعدلة يتعلق بالصياغة وبعضها الآخر يتعلق بالجوهر»، بحسب وكالة رويترز.
لكن البيت الابيض رد معبرا عن تحفظات شديدة حيال تعديل الاتفاقية الامنية. وصرح غوردن جوندرو المتحدث باسم البيت الابيض «لم نتسلم اي تغييرات من العراقيين. نعتقد ان الاتفاقية جيدة، وبالتالي سيكون من الصعب» إجراء أي تغييرات.
من جهتها، وصفت نرمين عثمان، وزيرة البيئة العراقية التعديلات التي تقدم بها اعضاء الحكومة العراقية بنها «طفيفة وتاتي لصالح العراق وهي ليست تعديلات جذرية».
وقالت نرمين لـ«الشرق الاوسط» عبر الهاتف من مكتبها في بغداد امس «لقد ناقشنا اليوم (امس) خلال اجتماع مجلس الوزراء الذي ترأسه المالكي التعديلات التي تقدم بها اعضاء الحكومة العراقية على نص الاتفاقية العراقية الاميركية»، مشيرة الى ان «التعديلات في مجملها طفيفة ونعتقد ان الادارة الاميركية ستوافق عليها».
وذكرت وزيرة البيئة العراقية قائلة ان «اهم التعديلات المقترحة هي استبدال تعريف الحكومة العراقية بالدولة العراقية كون الحكومة تتغير، وإضافة تعبير الحفاظ على النظام الديمقراطي الى جانب الحفاظ على الامن وعلى ان تكون جميع الاجراءات والنقاط متطابقة مع الدستور العراقي وغير مخالفة له». وأضافت نرمين قائلة «ان أيا من الطرفين بامكانهما اضافة او احداث تغيير في الاتفاقية بعد عام، وفي اعتقادنا ان جميع النقاط التي وردت في الاتفاقية تأتي لصالح الشعب العراقي ولا تنال من سيادة واستقلال العراق».
وأشارت وزيرة البيئة العراقية الى ان «التغييرات المقترحة لا تتعلق في الغالب بجوهر الاتفاقية، وهناك نقاط عليها اختلاف حول صياغتها او بسبب ترجمتها من اللغة الانجليزية الى العربية وبالعكس»، معبرة عن توقعاتها بأن «يتم التوقيع على الاتفاقية قبيل نهاية العام الحالي، اذا لم يتم تأخير النقاش عليها في مجلس النواب (البرلمان) العراقي، حيث هناك بعض الكتل التي ترمي بكل ثقلها من اجل ألا يتم توقيع الاتفاقية».
وفي هذا السياق، كان النائب عن الائتلاف العراقي الموحد الحاكم عباس البياتي كشف قبل ايام ان «المسودة الاساسية تتضمن خمس نقاط بحاجة الى اعادة نظر فيها». وأوضح ان «اولى هذه النقاط ضرورة الدقة في جدول الانسحاب، وثانيها يتعلق بالحصانة القضائية؛ فهي لا تلبي مطالبنا وتضعنا في هواجس، وثالثها تفتيش البريد الداخل والخارج، ورابعها التردد الى المنشآت والمعسكرات الاميركية»، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتابع البياتي ان «النقطة الخامسة هي ضرورة تطابق النسخة العربية للاتفاقية مع الانجليزية».
وكانت الحكومة العراقية قد طالبت الثلاثاء الماضي بإدخال تعديلات على آخر مسودة للاتفاقية الامنية التي تنظم الوجود الاميركي في بلادهم ما بعد عام 2008 عندما ينتهي تفويض الامم المتحدة في 31 ديسمبر (كانون الاول) المقبل.
وقد أكد مصدر برلماني رفيع المستوى في وقت سابق اليوم أن مجلس الوزراء سيبحث التعديلات التي اقترح عدد من الوزراء ادخالها على مسودة الاتفاقية الامنية، كما سيناقش الغارة الاميركية على سورية. لكنه اوضح ان «مجلس الوزراء لن يعلن نتيجة النقاش».
كما قال النائب البارز عن التحالف الكردستاني محمود عثمان إن مجلس الوزراء «سيناقش اليوم (أمس) وغدا (اليوم) التعديلات على ان يتم رفعها الى الجانب الاميركي الخميس (بعد غد)».
وردا على سؤال حول موعد محتمل لإقرار الاتفاقية الامنية مع واشنطن، اجاب عثمان «سيكون امرا جيدا التوقيع عليها قبل نهاية العام الحالي». وكان وزير الخارجية هوشيار زيباري قد أعلن الاسبوع الماضي ان واشنطن تقبل «الاستماع» الى التغييرات التي يطالب العراق بادخالها على الاتفاقية المثيرة للجدل. لكنه تابع «لا اعتقد انهم في وارد اعادة المفاوضات برمتها مجددا».
على الصعيد نفسه، أكد نصير العاني رئيس ديوان الرئاسة أن مجلس الرئاسة بحث أمس كيفية التعامل مع الاتفاقية الأمنية في ظل اختلاف آراء الأحزاب والكتل السياسية بشأن التوقيع عليها أو عدمه. وقال العاني لـ«الشرق الاوسط» إن المجلس بحث وضع الاتفاقية الأمنية وكيفية التعامل معها ضمن الوضع الحالي، وخصوصا حول الاختلاف في وجهات النظر»، مؤكدا أن «المجلس وضع في كل مباحثاته مصلحة العراق والعراقيين ضمن أولويات العمل والمباحثات».
ويبرز الجدل الدائر حاليا داخل النخبة السياسية العراقية فضلا عن التعديلات المقترحة التي تمت الموافقة عليها أمس، الانقسامات العميقة بين الساسة العراقيين بشأن وجود قوات أجنبية في البلاد بعد خمس سنوات من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للاطاحة بالرئيس السابق صدام حسين. وقدمت واشنطن تنازلات كبيرة في المحادثات ووافقت على سحب قواتها بحلول نهاية عام 2011 والسماح بمحاكمة الجنود الاميركيين الذين يرتكبون جرائم خطيرة خارج أوقات الخدمة امام المحاكم العراقية.
وأشارت الولايات المتحدة الى أنها ستنصت لأي مقترحات بشأن تعديلات بسيطة في الصياغة، ولكنها ذكرت انها لا ترغب في اعادة التفاوض بشأن لب الاتفاق. وهي تتابع الآن تجدد الجدل في بغداد بانزعاج. وحتى بعد موافقة الطرفين على التعديلات المقترحة من المحتمل ان يواجه الاتفاق معارضة قوية في البرلمان.
وتعهد اعضاء البرلمان الموالون لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر المناهض للولايات المتحدة بالتصويت ضد الاتفاق، كما سيكون من الصعب كسب تأييد الاحزاب الشيعية الاخرى التي ترتبط بعلاقات قوية مع ايران التي تعارض الاتفاق بقوة.
كما أعلن الحزب الاسلامي العراقي، وهو أكبر حزب سني في البلاد، أنه سيقطع علاقته مع الولايات المتحدة بعد مقتل عضو في الحزب خلال غارة أميركية. فيما تؤيد الأقلية الكردية الاتفاق.