وزير خارجية المغرب: الرباط ستدافع عن مصلحتها ولن تكون دركيا لأوروبا

الفاسي الفهري: الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوروبي لم يكن مجاملة

TT

قال الطيب الفاسي الفهري وزير الخارجية المغربي، إن بلاده التي منحها الاتحاد الاوروبي «وضعا متقدما»، لم تحصر توجهها نحو الاتحاد، في إطار منعزل، أو منغلق، وإنما كدائرة متكاملة مع توجهاتها وانشغالاتها الأساسية مغاربيا، وعربيا، وأفريقيا، وفق استراتيجية شمولية، في منهجيتها، ومترابطة في أهدافها، تمكن من إرساء تضامن أوثق، وإجراء تشاور سياسي أعمق، وتحقيق اندماج أقوى للاقتصاد المغربي في المحيط الاقليمي والدولي.

ونفى الفاسي الفهري، الذي كان يتحدث الليلة قبل الماضية في لجنة الخارجية والدفاع الوطني بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان)، التصور التبسيطي، الذي روجه البعض عن «الوضع المتقدم»، من دون دراية، مؤكدا أن المغرب لن يكون «دركيا لأوروبا» لحمايتها من زحف التصحر، والاتجار الدولي في البشر، والهجرة السرية، والاتجار الدولي في المخدرات، ومكافحة الارهاب، كون كل هذه الآفات الخطيرة تهدد أمن واستقرار المغرب بالدرجة الاولى، فالمغرب يدافع عن مصلحته كما هو الشأن بالنسبة لأوروبا، لذلك سيشارك في تدبير الازمات، وسيطور شراكته من أجل السلم، والأمن في افريقيا.

وذكر الفاسي الفهري بالخطوط العريضة لاتفاق «الوضع المتقدم»، الذي وصفه «خريطة الطريق»، مؤكدا إمكانية عقد مؤتمر قمة بين المغرب والاتحاد الاوروبي، وتكثيف الحوار السياسي المعزز حول التطورات، والازمات الإقليمية والدولية، مبرزا أن المغرب لن يتعامل فقط مع 27 دولة أوروبية ولكن مع 120 جهة (منطقة) أوروبية، ما يحتم مراجعة القوانين المغربية في مجال تدبير البلديات، والمجالس الأقليمية، والجهات (المناطق)، على غرار قوانين الاتحاد الاوروبي، وتأهيل الحقل السياسي، وإحداث لجنة برلمانية مختلطة بين البرلمان المغربي والبرلمان الاوروبي، والتعاون بين أحزاب المغرب والاتحاد الاوروبي، ووضع آليات للتعاون القضائي، والانخراط التدريجي في المعاهدات الاوروبية المتعلقة بالمجال القضائي وحماية الحقوق الاساسية، ودعم التشريعات الخاصة بحقوق المرأة، والطفل، والاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، والمشاركة في عدد من الوكالات والبرامج الاوروبية الخاصة بالامن، وذات الصلة بالجريمة المنظمة، ومكافحة مختلف اشكال التهريب، وإبرام اتفاق معمق وشامل للتبادل الحر، وإحداث تقارب بين التشريعات المشجعة على الاندماج الاقتصادي، وتشجيع الاستثمارت من قبل المقاولات المتوسطة والصغرى، وتأسيس فريق عمل بين هيئات أصحاب العمل والمهنيين، وتقوية التعاون في مختلف مجالات التشغيل، وربط المغرب بالشبكات الاوروبية للطاقة والنقل، والتعاون في مجالات التكنولوجيا الاتصال والمعادن والبيئة، والاستغلال الرشيد للمياه، ودعم مكتسبات المهاجرين المغاربة وصون حقوقهم المهنية والاجتماعية، وتأسيس حوار بين المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، والمؤسسات المختصة بما فيها الوكالة الاوروبية للحقوق الاساسية، وتشجيع شبكات التبادل والتشاور بين مكونات المجتمع المدني، وتطوير التعاون في ميادين البحث الجامعي والعلمي.

وقال الفاسي الفهري إن منح الاتحاد الاوروبي لبلاده «وضعا متقدما» لم يكن مجاملة، بل تأكيدا للخطوات الجريئة التي قام بها المغرب في سبيل التحديث المؤسساتي، والدفع بالمسلسل الديمقراطي، وبناء دولة الحق والقانون، وتأهيل دواليب الاقتصاد المغربي، مشيرا الى أن «الوضع المتقدم» اقترحه العاهل المغربي الملك محمد السادس عام 2000 مباشرة بعد دخول اتفاق الشراكة حيز التنفيذ، للحصول على وضع علائقي يكون أكثر من الشراكة، وأقل من الانضمام، والذي لا يعني، حسب قول الملك محمد السادس «مجهودا ظرفيا، قد يكون من قبيل الخيال السياسي، أو بلاغة اللحظة في الخطاب الاكاديمي، فعلى العكس من ذلك، لدي قناعة بأنه يمكننا إبرام اتفاق متفرد نعرف جميعا، كيف سنعطيه المحتوى الاستراتيجي، والسياسي، والاقتصادي».

وأكد الفاسي الفهري أن أي إخلال بالالتزامات الموقعة بين الطرفين، سيلغي هذا الوضع المتقدم، وأن بلاده حريصة بدورها على الدفاع عن مصالحها من دون تفريط، مقدما أمثلة على ذلك بالجانب الفلاحي، الذي يعد قطاعا حيويا بالمغرب، مبرزا أنه سيكون من المستحيل فتح السوق المغربية هكذا، من دون تحديد حصص، على غرار ما فعلت فرنسا المحافظة، التي ترفض تغيير سياستها في هذا المجال مع باقي دول الاتحاد الاوروبي، لذلك وضع المغرب المخطط الأخضر لتسويق منتوجاته في الاسواق الاوروبية، وسيفرض نظام الحصص على الحبوب الاوروبية، كما فعل مع أميركا عقب دخول اتفاق التبادل الحر، وبالتالي سيستمر المغرب في انتاج الحبوب. وانتقد الفاسي الفهري الوضع الجامد للاتحاد المغاربي، مشيرا الى أن المشاكل السياسية العالقة حالت دون تكثيف التعاون بين بلدان الاتحاد المغاربي، والاتحاد الاوروبي.

واستغرب الفاسي الفهري تراجع حكومة الجزائر عن فتح خطين جويين إضافين، كانا سيدعمان الخطوط الخمسة الرابطة بين مدينة الدار البيضاء ومدينة هران، بعدما اتفق فنيو شركة الخطوط الجوية الملكية المغربية، وشركة الطيران الجزائرية على مضاعفة عدد الرحلات بين البلدين، لتعويض النقص الحاصل على مستوى التنقل البري، بسبب إغلاق الحدود الترابية بين البلدين.

وأضاف الفاسي الفهري أن مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء حظيت بتأييد واسع على المستوى الدولي، لإيجاد حل سياسي ونهائي لـ«النزاع المفتعل حول الصحراء»، مشيراً إلى أن قرار اللجنة الرابعة للجمعية العامة الصادر في 21 أكتوبر (تشرين الاول) الحالي، شكل تحولا جوهريا في تعاطيها مع ملف الصحراء منذ عام 1965، على مستوى رؤيتها ومقاربتها ومرجعيتها، إذ أن هناك تطابقا كليا بين قرارات مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأكد الفاسي الفهري، أن «المغرب بروح من الاجماع والتعبئة واليقظة، سيظل بكل قواه الحية، متصديا لأنصاف الحلول، ومحاولات التجزئ، والتشتت، التي تهدد، جميع دول اتحاد المغربي، التي ما أحوجها اليوم بعد أعوام من الجمود، الى السير الى الامام نحو بناء فضاء إقليمي مندمج ينعم بالأمن والاستقرار والتضامن»، مبرزا أن قرارات مجلس الامن حول الصحراء (1754 و1783 و1813) أصبحت مرجعيتها أكثر توجيهية ومدلولاتها أكثر وضوحا، ومقتضياتها أكثر دقة في اتجاه دعم المبادرة المغربية المتمثلة في الحكم الذاتي، الذي يعد شكلا من أشكال تقرير المصير ذا مصداقية وواقعية.

واعتبر الفاسي الفهري، أنه بغض النظر عن تدخل الجزائر في ملف الصحراء، فإن بلاده ما زالت تصر على تكثيف التعاون جنوب ـ جنوب، يمتد من شمال افريقيا الى جنوبها، ويتجه نحو المشرق العربي، في آسيا وأيضا نحو دول أميركا اللاتينية.

واستند الفاسي الفهري في إثبات هذا التوجه، إلى خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي دعا عام 2001 الى إقامة منطقة للتبادل الحر بين الدول العربية المتوسطية، التي تعرف باتفاقية أكادير (جنوب المغرب)، وتضم بالاضافة الى المغرب، كلا من تونس، ومصر، والأردن، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2005، كمشروع منفتح يكرس عمق الانتماء العربي للمغرب، ودوره الفعال لتقليص الفوارق التنموية المهولة القائمة بين جنوب وشمال الحوض المتوسطي.