رغم الشروط المسبقة وعدم الثقة .. تزايد فرص إجراء محادثات مع طالبان

الملا عمر وحكمتيار لا يتحكمان في جميع الفصائل

ضابطات شرطة أفغانيات وناشطات حقوقيات يشاركن في المنتدى النسائي الأول بالعاصمة كابل والذي ساهمت في الإعداد له منظمات دولية تحت إشراف الأمم المتحدة ومكتب المعونة الأميركية ووزارة المرأة الأفغانية (أ.ف.ب)
TT

وصلت الحرب الأفغانية إلى ذروتها منذ أن بدأت قبل سبع سنوات، حيث تزداد حدتها يوما بعد يوم. ومع ذلك، فقد ظهر احتمال مفاجئ لكلا جانبي الصراع فيما يتعلق بإمكانية عقد مباحثات سلام.

وقد أصبح موضوع المحادثات مع طالبان، الذي كان مستبعدا تماما في وقت من الأوقات، موضوع الساعة الذي يتناوله المسؤولون الغربيون والأفغان والمحللون وقادة القبائل. ويعترف كلا الجانبين بوجود عوائق هائلة. وقد وضع كل من طرفي الصراع شروطا فيما يتعلق بالموضوعات التي سوف تتم مناقشتها. وكلاهما لا يثقان ببعضهما. ويزعم كل جانب من جانبي الصراع أنه يفوز بتأييد الشعب الأفغاني في قتاله ضد الطرف الآخر. ولكن بغض النظر عن رغبة كلا الجانبين في الاعتراف بذلك أمام العالم، فإن لكليهما أهدافا قوية من التحول إلى المباحثات بدلا من الاستمرار في الحرب المنهكة بلا هوادة. وقد ظهر وسطاء للمباحثات وتم إجراء مباحثات مع عدد من رجال البرلمان، ومن المرجح إجراء مباحثات غير مباشرة في وقت قريب. وعلى أية حال، فإن هناك شعورا لا يمكن إنكاره بالإرهاق من هذه الحرب التي تبدو وكأنها بلا نهاية. يقول هومايون حميد زاده، وهو أحد كبار مساعدي الرئيس الأفغاني حميد كرزاي: «إن أهم جانب نأخذه في اعتبارنا هو شعور الشعب الأفغاني، وحقيقة أن الشعب يعاني من المرض والإرهاق الذي سببته الحرب». وقد تم الكشف عن استطلاع أجرته مؤسسة «آسيا» اول من امس، أفاد بأن الشعب الأفغاني يشعر بالتشاؤم حيال مستقبله. وهناك مساحات كبيرة من البلاد تقع تحت سيطرة طالبان. كما أن السفر عبر الطرق البرية يعتبر مخاطرة بالأرواح. وفي العاصمة، حيث قتل ثلاثة أفراد غربيين في الأسبوع الماضي، أصبحت عمليات الخطف والهجوم شيئا معتادا. وقد كان الرئيس كرزاي أكبر مؤيدي المصالحة، وقد كان يحذر الولايات المتحدة التي تدعمه من نفوذ المسلحين. لكن بعض قادة الحرب الذين يحاربون طالبان يدعمون كذلك مثل هذه المحادثات الموسعة. ويعتقد عدد من مؤيدي الحركة السابقين بأن هناك مساحة لإجراء المباحثات، مثلما يدعو قادة القبائل إلى عقد هذه المباحثات في المجلس التقليدي (لويا جيرغا) الذي اختتم اجتماعاته يوم الثلاثاء في العاصمة الباكستانية.

وتنقسم الجماعات المسلحة في أفغانستان فيما بينها بشأن المباحثات مع الأعداء. وكذلك يبدو أن الغرب منقسم بشأنها أيضا. ويقول أحد الدبلوماسيين الغربيين في كابل، والذي رفض الكشف عن هويته لأنه لم يكن مخولا بالحديث عن حكومته: «لا أحد يرغب في أن يبدو في مظهر المستسلم. ولذلك، فعندما يكون هناك اقتراح بالاستعداد لعقد المباحثات من أي طرف، تكون هناك ردود فعل مقابلة كذلك».

وقد أعلن القائد البريطاني السابق في أفغانستان، اللواء مارك كارلتون سميث، خلال الشهر الجاري أنه لا يمكن تحقيق نصر عسكري في الحرب الدائرة في أفغانستان، كما اقترح عقد مصالحة، لأنها السبيل الوحيد لإحلال السلام. وقد انتقد القائد الأميركي لقوات الناتو في أفغانستان، وهو الجنرال دافيد ماكيرنان، ذلك التصريح، معتبرا إياه أكثر المواقف انهزامية. وقد قلل المتحدث باسم طالبان من شأن فكرة مباحثات السلام، على الرغم من إجراء اتصالات في الشهر الماضي في المملكة العربية السعودية بين ممثلي الحكومة الأفغانية وعدد من قادة طالبان السابقين ممن على صلة وثيقة بالحركة الاصولية المتشددة. ومن المتوقع إجراء مزيد من هذه المباحثات في وقت قريب.

ويفيد المسؤولون الغربيون والأفغان بأن هناك مؤشرات على خلاف فكري داخل طالبان بين المتشددين الذين يرتبطون بـ«القاعدة» وبين الجيل الأصغر داخل طالبان من الأفغان الذين لا يعتنقون فكرة الجهاد الحربي ضد الغرب. ويقول خالق أحمد، وهو مساعد سابق لكرزاي: «يمكنك إجراء المباحثات مع بعض الجنود بل وبعض القادة، لكن هؤلاء الذين يذبحون الناس لا تستطيع إجراء المباحثات معهم. فأين يقودنا ذلك إذا؟» وهناك خلاف كذلك بين المراقبين حول ما إذا كانت طالبان المحلية يمكن أن تنفصل عن طالبان الأكثر تشددا والتي تأثرت بـ«القاعدة». وقد صرح وكيل أحمد متوكل، الذي كان وزيرا للخارجية في حكومة طالبان وشارك في مباحثات السعودية، لوكالة رويترز الشهر الجاري، بقوله: «لن يُسمح للقاعدة بوضع عقبات.. فمن حق الأفغان التفاوض من أجل السلام».

ولكن قال وحيد مجدا، أحد كبار مسؤولي طالبان عندما كانت في الحكم، والذي يعمل باحثا في كابل الآن، إن الغربيين سيشعرون بالإحباط إذا حاولوا إحداث وقيعة بين طالبان و«القاعدة».

وقال: «لا يمكنك أن تفصل بين الاثنين، فطالبان لم تتخل عن أسامة بن لادن، تحت أقوى الضغوط الممكنة. فلماذا تنفصل عن القاعدة الآن؟» وأكد حامد زادا (محلل افغاني) أن كرزاي يرغب في التحدث مع زعماء المتمردين الهاربين، وحتى هؤلاء الذين ينعمون بالمنح الأميركية.وقال: «يرغب الرئيس في التحدث مع أي أحد، في أي مكان، حتى الملا عمر»، في إشارة إلى الملا محمد عمر، «أمير» حركة طالبان الذي احتمى به بن لادن.

ويعتقد المنتقدون داخل حكومة كرزاي أن بعض الأسماء البارزة من المتمردين يجب أن تظل على القائمة السوداء، ولكن يعتقد آخرون أن الوقت تغير ومن ثم يجب أن تتغير السياسة.

يقول تاج محمد مجاهد، المحارب القديم الذي أصبح مُشرعا الآن: «لقد حاربت ضدهم، ولكن هذه ليست طريقة حل المشكلة الآن. فهذا هو وقت الحديث».

وأضاف مجاهد أن أية مباحثات لا يدخل في نهايتها عمر أو زعيم المتمردين البارز، قلب الدين حكمتيار، المتحالف مع طالبان، لن يكون لها معنى، «فهما الشخصان المسؤولان».

ما زال عمر وحكمتيار لا يتحكمان في جميع الفصائل في الميدان. فقد تداخلت مع المتمردين عصابات إجرامية وتجار مخدرات ومهربو أسلحة وقادة الميليشيات المحلية.

ويعتقد بعض مسؤولي الاستخبارات الغربية أن بعض القادة البارزين ذوي الأتباع في باكستان، مثل جلال الدين حقاني وابنه سراج الدين، يتعاونان لصالح الاستخبارات الباكستانية.

وعلى الرغم من عدم وجود شك في التفوق العسكري لحلف شمال الأطلسي على طالبان، إلا أن بعض المراقبين يعتقدون أن المتمردين سيسعون إلى تقوية مركزهم في المفاوضات بتحقيق أعلى قدر من الانتصارات التي يمكنهم إحرازها الآن. فقد خططوا لإسقاط مروحية أميركية الأسبوع الحالي، ولكن نجا الطاقم وأصلحت المروحية.

وقال مجدا: «لقد حصلوا على بعض الامتيازات أخيرا، مثل مواد متفجرة أقوى من أجل العبوات الناسفة، والتي تسببت في سقوط أعداد كبيرة من الضحايا الأجانب. إن ذلك يشبه الدرس المستفاد من فترة الروس: يمكنك أن تقتل دبا بآلاف من الجروح الصغيرة».

لقد أصبح الانضمام إلى الجماعات المتمردة أمرا سهلا في أفغانستان بعد أن انتقل الانتباه إلى الصراع الدائر في العراق. وأضاف: «في جميع أنحاء العالم الإسلامي، يقولون الآن: إذا كنت تريد المشاركة في الجهاد، اذهب إلى أفغانستان».

وقال مسؤولون عسكريون غربيون إن مثل هذه الأقاويل لا تزيد عن كونها تظاهرا بالشجاعة تخفي اعترافا في أعماق المتمردين بأنه من المستحيل لهم التغلب عسكريا على أكثر من 65.000 جندي من قوات التحالف، الذين من المقرر أن يزيد عددهم في الشهور المقبلة.

من جهته قال العميد الكندي ريتشارد بلانشيت، المتحدث الرسمي باسم قوة المساعدة الأمنية الدولية في حلف الناتو: «نحن أقوياء جدا عسكريا، والعدو يعرف هذا».

وتنتشر خيبة الأمل بين الأفغان بسبب حكومة كرزاي، ولكن هناك تحولا متزايدا بسبب الأفعال العدوانية التي تقوم بها طالبان.

وفي الشهر الجاري، جذب متمردون أكثر من عشرين رجلا خارج إحدى الحافلات وأعدموهم، وقطعوا رؤوس بعض منهم. بعد عدة أيام، خرجت قريتهم في مظاهرات عامة، وهتف أكثر من 1.000 شخص: «الموت لطالبان!».

وقال مسؤولون في إقليم هلمند الجنوبي الشهر الجاري «إن المتمردين قلعوا عيني مزارع أمام زوجته وأبنائه السبع، على ما يبدو لاشتباههم في أنه يساعد الحكومة أو القوات الغربية». ويسأل بائع الفاكهة في كابول جمال خان: «لماذا كل هذه الوحشية؟ ما الذي تكسبه بلادنا من هذا؟». ولم يصرح المسؤولون الأميركيون حيال محاولات حكومة كرزاي السلمية بأكثر من قولهم إن أية مباحثات يجب أن تعقد فقط مع المتمردين الذين يقبلون بالدستور الأفغاني ويريدون التخلي عن أسلحتهم.

ولكن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس صرح علنا أن الوصول إلى تسوية متفاوض عليها ممكن، إن لم يكن حتميا.

وقال غيتس، أمام وزراء دفاع الناتو في بودابست في المجر الشهر الحالي: «يجب أن نصل في النهاية، وأؤكد على «النهاية»، إلى مصالحة تكون جزءا من النتائج السياسية المترتبة على ذلك. فهذه في الأساس هي إستراتيجية الخروج لنا جميعا».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الأوسط»