مسؤولون أميركيون وعراقيون: أبو غادية وسع نشاطه أخيرا وبدأ يشن غارات خاصة به

معلومات عن اعتقال الأميركيين شخصين في الغارة ومحللون لا يستبعدون علم سورية بها مسبقا

TT

على امتداد سنوات عدة، عمل عراقي يعرف باسم أبو غادية على طول الحدود السورية القاصية، حيث تعد الحمير وسيلة الانتقال الوحيدة. وعمل أبو غادية على إمداد الشباب العربي القادم من بلاد بعيدة مثل المغرب أو الدول الخليجية بجوازات سفر ومرشدين وأسلحة أثناء تسللهم إلى داخل الأراضي العراقية لشن حرب هناك، حسب تقرير لوكالة أسوشييتدبرس. إلا أنه في الفترة الأخيرة امتد نشاط أبو غادية إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث أقدم على شن غارات مسلحة خاصة به داخل العراق، حسبما قال المسؤولون الأميركيون والعراقيون لوكالة اسوشييتدبرس. وفي نهاية الأمر، قامت الولايات المتحدة بالرد، معللة ذلك بشعورها بالإحباط بعد سنوات من ممارستها الضغوط بلا جدوى على سورية كي تغلق شبكة الإمداد القائمة داخل أراضيها التي تخدم حركة التمرد السنية في العراق. وأعلنت واشنطن أن الهجوم أسفر عن مقتل أبو غادية والعديد من أفراد الحرس الشخصي. أما سورية فأعلنت من جانبها مقتل ثمانية مدنيين جراء الهجوم. وقال واحد على الأقل من أبناء المنطقة: إن القوات الأميركية ألقت القبض على رجلين. وقالت أسوشييتدبرس انه بغض النظر عن مصير أبو غادية، فإنه من المؤكد أن الهجوم الذي استهدفه يشكل نقطة فاصلة تسلط الضوء على الشبكات السرية والمعقدة التي تتولى تجنيد المقاتلين الأجانب، ثم نقلهم عبر الأراضي السورية إلى داخل العراق. من ناحيتها، تصر دمشق منذ أمد بعيد على أنها تقوم بمراقبة الحدود وتبذل قصارى جهدها لوقف دخول المقاتلين والأسلحة إلى العراق. وكان وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، صرح يوم الاثنين خلال زيارة للندن، قائلاً: «إنهم يعلمون جيداً أننا نعارض القاعدة. ويعلمون جيداً أننا نحاول إحكام قبضتنا على حدودنا مع العراق». لكن اسوشييتدبرس قالت ان الغارة الأخيرة والوثائق الأميركية التي تم الكشف عنها مؤخراً توضح أن العناصر المتمردة العاملة داخل المناطق الحدودية السورية لاتزال توفر الإمدادات التي تساعد في استمرار تنفيذ هجمات انتحارية وتفجيرات ونصب كمائن داخل العراق.

وتزيح الوثائق الستار عن الشبكة المبهمة المؤلفة من متطرفين دينيين ومهربين محترفين ومسؤولين فاسدين داخل الاستخبارات السورية والذين يتولون إدارة شبكات التهريب. يذكر أنه حتى وقت شن الغارة الأميركية، كان أبو غادية، واسمه الحقيقي بدران تركي المزيدي، شخصا غير معروف تقريباً خارج حدود دائرة ضيقة من ضباط الاستخبارات الغربية والعراقية. وقد تولى هؤلاء الضباط اقتفاء أثر تحركاته هو وقادة تنظيم القاعدة الذين اعتمدوا على خدماته، وساد اعتقاد في صفوف هؤلاء الضباط بأن أبو غادية واحد من كبار أعضاء تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين. يذكر أن أبو غادية قام باستضافة المجندين الذين يقومون بالاستعانة به داخل دمشق وميناء اللاذقية السوري قبل نقلهم عبر الحدود العراقية، حسبما أشار أحد كبار المسؤولين الأمنيين العراقيين يوم الثلاثاء لأسوشييتدبرس، والذي رفض الكشف عن هويته نظراً لأنه غير مصرح له الحديث إلى وسائل الإعلام. ويؤكد المسؤولون أن العشرات من الأشخاص متورطون في شبكات التهريب. إلا أن الشرطة العراقية تشعر بمقت خاص حيال أبو غادية، وهو أحد أبناء مدينة الموصل الواقعة شمال العراق، ومن المعتقد أنه في بداية الثلاثينيات من عمره.

وحسب هؤلاء فانه في مايو (أيار) السابق، قاد أبو غادية قرابة 10 مسلحين إلى داخل الجانب العراقي من الحدود وهاجم مركز للشرطة العراقية بمدينة القائم، ما أسفر عن مقتل 12 من رجال الشرطة، حسبما صرح المقدم فلاح الدليمي في تصريحات لوكالة أسوشييتدبرس. وأضاف أن حرس الحدود السوريين منعوا دورية عراقية من مطاردة المسلحين داخل سورية. وتأتي غارة يوم الأحد نتيجة توافر معلومات استخباراتية تفيد بأن أبو غادية يخطط لشن هجوم جديد داخل العراق، حسبما صرح مسؤول أميركي بارز لأسوشييتدبرس. وقد رفض الكشف عن هويته بسبب سرية المعلومات. يذكر أن الكثير من المعلومات حول الشبكات الشبيهة بشبكة أبو غادية جاءت من الوثائق التي صادرتها القوات الأميركية أثناء غارة شنتها العام السابق ضد أحد المخابئ المشتبه في أنها تخص تنظيم القاعدة بمدينة سنجار العراقية. وطبقاً لوثائق سنجار، فإن قرابة 100 منسق سوري متورطين في عمليات نقل المقاتلين الأجانب عبر الأراضي السورية. ويعد بعض هؤلاء المنسقين من المهربين المحترفين الذين من الواضح أنه جرت الاستعانة بهم من جانب القاعدة في إطار اتفاقات تجارية محضة. بينما تحرك آخرون بدافع من الأيديولوجية الإسلامية المتشددة التي ينتهجها التنظيم. بالنسبة لأبو غادية تحديداً، من غير الواضح ماهية أفكاره الحقيقية، لكن إحدى الوثائق الخاصة بوزارة الخزانة الأميركية تشير إلى أن القاعدة في بلاد الرافدين قامت بتعيينه المسؤول الأول عن الإمدادات اللوجستية داخل سورية. وجاء القرار من جانب مؤسس الجماعة، أبو مصعب الزرقاوي، ما يوحي بان أبو غادية كان من المؤمنين بأيديولوجية القاعدة. ومنذ عام 2004، اضطلع ابو غادية بتنظيم والإشراف على الكثير من الانتقالات عبر الحدودية، تبعاً لما صرح به المسؤولون الأميركيون. المثير أن المسؤولين الأميركيين أعربوا عن اعتقادهم بأن سورية حاولت من وقت لآخر شن إجراءات صارمة ضد المهربين وتشديد سيطرتها على المناطق الحدودية وتعزيز الدوريات الأمنية هناك. بيد أن سورية عجزت عن الاستمرار في ممارسة هذه الضغوط، الأمر الذي يعود في جزء منه إلى حاجة الحكومة السورية لدعم القبائل المحلية والعوائد المترتبة على الرشاوى التي يقدمها المهربون إلى المسؤولين المحليين، تبعاً لما أوضحته دراسة صادرة عن مركز مكافحة الإرهاب. وتتجلى مثل هذه الحساسيات في منطقة البوكمال، حيث يرتدي السكان الملابس العراقية التقليدية ويتحدثون باللهجة العراقية. من جانبه، أشار أحمد الخليفة، محام من أبناء البوكمال، إلى أن: «غالبية سكان المنطقة ينتمون في الأصل إلى مناطق بالعراق، وهناك روابط عائلية قوية لهم هناك ماتزال قائمة حتى اليوم. وهناك مشاعر تعاطف قوي هنا حيال ما يجري في العراق». وحتى قبل أن تبدأ حركة التمرد، شجعت مشاعر التعاطف والقرابة تلك مئات المتطوعين من شرق سورية على العبور من خلال منطقة البوكمال إلى داخل العراق للدفاع عن البلاد ضد القوات الأميركية خلال الغزو الذي شنته عام 2003. وشهد العام 2006 موجة ثالثة من المتطوعين مع احتدام القتال بين السنة والشيعة العراقيين، تبعاً لما أضافه التقرير. ولاتزال الموجة الحالية مستمرة، وإن كان بمعدل أقل، جراء تخلي الكثير من السنة العراقيين عن حركة التمرد. وربما لايزال هناك الكثيرون باستطاعتهم الحل محل أبو غادية، حسبما حذرت واشنطن، بما في ذلك شقيقه أكرم وابن عمه غازي فزا المزيدية. وأشار التقرير إلى أنه رغم أن المعدل العام لأعداد المقاتلين الأجانب الذين يتجهون إلى العراق قد انخفض، فإن الشبكة اللوجستية الخاصة بنقلهم أصبحت أكثر تنظيماً.

وقد أحجمت ادارة بوش عن التعقيب او الاعتراف علنا بشن الغارة على الرغم من الاحتجاجات. لكن مسؤولا بارزا بالجيش قال، حسب رويترز، أوضحنا تماما أننا سندافع عن قواتنا وشركائنا في مواجهة التهديدات سواء الموسعة أو المحددة. ويقول محللون ان أي خلاف دبلوماسي يمكن التعامل معه.

ونقلت رويترز عن جيمس كارافانو الاستاذ الزائر بكلية الحرب التابعة للبحرية الاميركية والباحث في مؤسسة هيريتدج البحثية «هذه مقايضة نقوم بها... الثمن ليس باهظا».

وأشار بعض المحللين الى أنه ربما كان هناك تفاهم بين الولايات المتحدة وسورية قبل الهجوم استنادا الى وجود هدف مشترك لوضع حد لزعزعة الاستقرار التي يشعلها نشاط تنظيم القاعدة داخل سورية. وقال ماثيو ليفيت مدير قسم مكافحة الارهاب والمخابرات بمعهد «نير ايست بوليسي» في واشنطن «كون سورية نددت بالهجوم لا يعني أنها لم تكن على علم مسبق به». وذكر اخرون، حسب رويترز، أن هذا مستبعد لكن سورية وعلى الرغم من احتجاجها العلني قد تنظر الى الهجوم بارتياح لانها تعاني من مشكلة داخلية متنامية مع المتشددين الاسلاميين وهي مثقلة بعبء اللاجئين العراقيين وتريد اقامة علاقات جيدة مع العراق في نهاية المطاف. وأضاف كارافانو «في هذا مصلحة لسورية». ويقول مسؤولون عسكريون أميركيون، ان سورية أصبحت اكثر تعاونا مما سبق في التعامل مع مشكلة دخول المقاتلين الاجانب الى العراق وان العدد تراجع على مدار العام المنصرم.

ويرى انطوني كوردسمان، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن سورية تتمتع بدعم ضئيل نسبيا بين الدول العربية مما يهدئ من رد الفعل المحتمل لتلك الدول. وأضاف «من المؤكد أنه لم يكن زائدا». وأوضح مسؤولون أميركيون أن التحركات السرية ستكون جزءا قابلا للاستمرار لفترة طويلة من حرب الولايات المتحدة ضد الارهاب التي تنفذها وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.ايه) والقوات الخاصة بالجيش الاميركي.