الانتخابات الأميركية ـ أوباما سيستمع أكثر إلى طرفي الصراع في الشرق الأوسط.. لكن الاقتصاد سيشغل الإدارة الجديدة

الحوار مع إيران وسورية تعرقله القوانين الأميركية وتلكؤ طهران.. وسحب القوات من العراق قد يغرقه

TT

لا يخفي الاميركيون العرب في ديربورن الواقعة في ولاية ميشيغان، استياءهم من سياسة الرئيس جورج بوش في الشرق الاوسط، وخصوصا في العراق. ولا يخفون أيضا اقتناعهم بأن المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية جون ماكين، سيتبع سياسة بوش نفسها في المنطقة. أغلبية الاميركيين العرب هنا يؤديون المرشح الديمقراطي باراك اوباما هذا العام، لاسباب تتعلق بالاقتصاد والشعور بعدم المساواة في ظل ادارة بوش، ولكن أيضا لانهم يأملون بأن يروا في عهده تغييرا في طريقة تعاطي الادارة الاميركية مع ملفات الشرق الاوسط.

كثيرون في ديربورن، المدينة التي تعرف أيضا بأنها عاصمة الاميركيين العرب، يتحدثون عن «البشرى» التي نقلها اليهم جورج بوش قبل انتخابه في العام 2000 عندما كان لا يزال يقوم بحملته الانتخابية.

أحمد شباني، أحد مؤسسي غرفة التجارة العربية الاميركية في ديربورن، يروي أنه في العام 2000 جاءت كوندوليزا رايس التي كانت تعمل حينها مع بوش في حملته، واجتمعت بالاميركيين العرب «ووعدتنا باجتياح العراق». ويقول إنها تحدثت حينها عن «صدام حسين الديكتاتور ووعدت باخراجه من الحكم بطريقة أو بأخرى... ظنت أن هذا ما يريد العرب سماعه». يتذكر شباني استياء الحاضرين الذين وقف نصفهم اعتراضا وهمّ بالمغادرة. اعترضوا على تطبيق الديمقراطية، وقالوا حينها ان الديمقراطية تتطلب وقتا. لم يشارك شباني بعد ذلك بأي من لقاءات الحزب الجمهوري، لانه قال انه أصلا من مؤيدي آل غور، المرشح الديمقراطي حينها، لانه كان يعد بالعمل على عملية السلام في الشرق الاوسط التي كان بدأها بيل كلينتون.

أسعد كلش، صحافي عراقي صاحب محطة اذاعية محلية، ينتمي الى الحزب الجمهوري وصوّت لبوش في ولايتيه. ولكنه اليوم يقول انه بات مقتنعا ان سياسة بوش في العراق كانت خاطئة، وأن ماكين سيتابع هذه السياسة. ويقول ان اختيار ماكين لساره بالين للترشح معه كنائبة للرئيس، لم يضف الى تردد أسعد بدعم تذكرة الجمهوريين هذا العام، الا ترددا. ويضيف انه يشعر بانه أصبح يثق بالديمقراطيين أكثر. فهو يؤيد انسحابا تدريجيا من العراق، كما يطرح اوباما.

ولكن ميلاد زعرب، وهو لبناني من مؤسسي التحالف الاميركي ـ اللبناني، دعمه لماكين لا شك فيه. يقول ان عندما التقاه مع مستشاريه، أدهش بالمعرفة الكبيرة التي لديه ولدى فريقه عن لبنان وسورية والمنطقة. يقول انهم يعرفون تفاصيل كثيرة ويتابعون ما يحصل هناك بشكل يومي، وأن دعمهم لاستقلال لبنان ولحكومته أمر لا مزاح فيه. هذا كان كافيا لميلاد لكي يضع ملء ثقته بماكين.

الاميركيون العرب يتوقعون من ماكين اعتماد السياسة نفسها التي يعتمدها الرئيس الحالي. وهذا هو احد الاسباب التي تجعل بعض الاميركيين العرب يؤيدون الحزب الجمهوري، وهم من الاقلية. ولكن الاغلبية التي تؤيد اوباما، تتوقع منه تغييرا سياسيا في التعاطي في قضايا الشرق الاوسط. يتوقعون منه تفهما أكثر واعادة اطلاق مفاوضات السلام وانسحاب من العراق... ولكن الى أي درجة توقعات الاميركيين العرب، والعرب أنفسهم، واقعية؟ لم يتحدث اي من المرشحين عن اعادة اطلاق مفاوضات السلام في الشرق الاوسط. ومناقشتهما حول قضايا الشرق الاوسط لم تتعد بكثير الاختلاف حول العراق وايران وسورية. اوباما يؤيد انسحابا تدريجيا من العراق خلال 16 شهرا من تسلم الرئاسة، وماكين لا يحدد وقتا للانسحاب. أوباما يريد اشراك ايران وسورية في مفاوضات حول العراق لتثبيت الوضع الامني فيه، ولا يمانع اجراء حوار مع الدولتين اللتين تعتبرهما الادارة الحالية من ضمن بلدان «محور الشر». وماكين يعارض الفكرتين بشكل قاطع، لا بل يعتبر فكرة الحديث معهما «ساذجة». ولكن عدا ذلك، لم يقل المرشحان الكثير عن الشرق الاوسط. الحديث عن الحرب العراق كان طبيعيا، لان القضية كانت في طليعة اهتمامات الاميركيين قبل الازمة الاقتصادية التي تضرب البلاد منذ منتصف سبتمبر (أيلول)، وكانت أحد الاسباب الرئيسية التي أدت الى تدهور شعبية بوش كما لم تتدهور شعبية أي رئيس منذ هاري ترومان في العام 1945. والحديث عن الديبلوماسية مع ايران وسورية بدلا من التصادم كان جزءا من الحديث عن العراق وتحقيق الامن فيه.

بالطبع كلاهما تحدث عن دعم اسرائيل حليفة الولايات المتحدة «الاولى» في المنطقة. وكلاهما أكد أن هذا الحلف نهائي ولن يتغير. ولكن تقديم الدعم لإسرائيل هو طبيعي بالنسبة لأي سياسي أميركي يترشح للانتخابات الرئاسية. يقول غرام بانرمان، وهو عضو سابق في لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس ومتخصص في قضايا الشرق الاوسط ومستشار سابق في وزارة الخارجية الاميركية لقضايا الشرق الاوسط، أن السياسة الاميركية تتطلب من الرئيس ان يدعم اسرائيل وان لا احد يترشح لهذا المنصب ويريد الفوز، سيقول أشياء تعتبرها اسرائيل انها تهددها.

وعدم تطرق المرشحين الى تفاصيل حول السياسة التي سيعتمدانها في الشرق الاوسط، سببه بسيط. «هما يتحدثان إلى الأميركيين وليس للناس في الشرق الأوسط»، يقول بانيرمان. ولكن بالنسبة لبانيرمان، فان خلفية اوباما وحدها، تتحدث عن الفرق الذي سيميز الرجلان في تعاطيه مع الشرق الاوسط. أوباما كبر في هاواي، ولاية أميركية أغلبية سكانها من اللاتين، وقضى ثلاث سنوات من طفولته في اندونيسيا. وهذه التجارب، يقول بانيرمان، علمته الاختلاط والعيش مع أشخاص مختلفين وبالتالي دربته لتفهم ثقافات مختلفة عن ثقافته. المرشح الديمقراطي رسم لنفسه تحديين علنيين في المنطقة. الاول سحب القوات الاميركية من العراق واعادة التركيز على الحرب في أفغانستان، والثاني اعتماد سياسة مختلفة تجاه ايران وسورية. ولكن هل سيتمكن من تحقيق هذين التحديين؟ فورتييه يجادل حول المعنى الذي يقصده اوباما عندما يقول انه يريد سحب القوات الاميركية من العراق. يتساءل هل يعني بذلك انسحابا كاملا للقوات الاميركية، أم انسحابا الى مرحلة معينة مع ترك وجود اميركي هناك؟ ولكنه يعتقد ان انسحابا ما سيحصل، بسبب الضغوط التي يتعرض لها اوباما من مؤيديه الذين انجذبوا اليه من بين كل المرشحين الديمقراطيين بسبب مواقفه المتشددة من الحرب في العراق، والذين خذلوا من فوز الحزب الديمقراطي في انتخابات الكونغرس من دون حدوث أي تغيير في العراق. ولكن الاخطر، يقول فورتييه، اذا حصل الانسحاب وبدأت الاوضاع الامنية تتهدور، «عندها ستطرح علامات استفهام حول صوابية القرار الذي اتخذه».

ويأمل أوباما من سحب القوات الاميركية في العراق، اضافة الى اعادة التركيز على الحرب في افغانستان، تخفيف المصاريف التي تتكلف بها خزينة الدولة هناك. ولكن فورتييه يعتبر ان هذه الافكار غير واقعية. ويقول ان سحب الجيوش ونقلهم مع معداتهم العسكرية وآلياتهم يتطلب أموالا، ويشك في ان يتمكن أوباما من تقليص الانفاق على الحرب في السنوات الاولى من حكمه. أما بالنسبة الى التحدي الثاني، وهو اعتماد الديبلوماسية مع ايران وسورية، يقول بانيرمان، انه «بالاستماع الى المحيطين باوباما، فان عزل سورية ليس شيئا يؤيدونه». ولكن بانيرمان يبدو غير واثق الى اي درجة سيتمكن اوباما من الانفتاح على البلدين، بسبب الضغوط المحيطة به. ويقول إن هناك قوانين كثيرة في الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب وغيرها، تقيد التعاطي مع سورية وإيران، «ولذلك سيكون هناك الكثير من القيود القانونية التي ستحد من تحركه في هذا المجال». ولكن التحدي الأهم أمام اوباما في الشرق الاوسط، هو الاختيار بين اعتماد سياسة بوش في المنطقة، وهي دعم اسرائيل من دون الاستماع الى غيرها، أم سياسة بيل كلينتون الذي حاول ان يكون في الوسط. يقول بانيرمان «لا نعرف كيف سيتصرف وقد لا نعرف قبل فترة طويلة ولكن المؤشرات الاولى ستبدأ بالظهور من خلال الوجوه التي يعينها في ادارته. فهناك أشخاص من الجانبين يقدمون له النصح اليوم...». ويعتبر بانيرمان أن «ايران وسورية كلاهما لاعبان مهمان في المنطقة»، ويشك في امكانية تحقيق السلام في الشرق الاوسط من دون اقامة علاقات مع هذين البلدين. ولكنه يضيف: «أنا لست واثقا من ان ايران تريد التفاوض مع الولايات المتحدة، لذلك أنا شبه متأكد من أن شيئا لن يحصل، ولكنني متأكد من أن سورية تودّ ذلك». الاهم، يقول بانيرمان، والذي سيشكل نقطة الاختلاف بين ادارة ماكين وادارة اوباما، هو أن اوباما سيستمع الى كل وجهات النظر، «قد لا يوافق على بعضها، ولن يوافق، ولكن الذي كان يحصل خلال السنوات الثماني الماضية سينتهي. فالكثيرون لم يتمكنوا من ايصال وجهة نظرهم الى واشنطن وكانوا كأنهم يحدثون حائطا أبيض. سيكون جوا مختلفا كليا وقدرة الحوار أفضل بكثير». ولكن هذا التغيير في واشنطن لا يعني بالضرورة ان تغييرا كبيرا سيحصل في الشرق الاوسط. يقول بانيرمان ان «الذين يراهنون على تغيير كامل في سياسة أميركا منذ اليوم الاول، ستخيب آمالهم. ولكن الذين يشعرون بالامل ان الولايات المتحدة ستستمع الى ما سيقولونه، وأحيانا تقبل وجهة نظرهم وأحيانا اخرى ترفضها، عليهم ان يكونوا متفائلين».

التغيير الذي سيحمله اوباما للشرق الاوسط، يقول بانيرمان، سيطال أيضا اسرائيل. فتخوف اليهود المحافظين في الولايات المتحدة من اوباما والشك الذي يشعرون به لجهة دعمه الصادق لاسرئيل، يمتد الى اسرائيل، ليس بسبب اوباما وليس لان الرئيس المقبل ليس بوش. ويقول بانيرمان ان «الاسرائيليين كانوا يحظون بدعم رئيس اميركي يرى العالم كما يصفونه هم، وهو ليس العالم الذي يرى الاخرين في المنطقة. وهذه الادارة تقبلت وجهة نظرهم للعالم... لذلك، أي شيء أقل من ذلك، مثل الاستماع الى الاخرين في المنطقة، سيجعل الاسرائيليين في موقف أقل تأثيرا على السياسة الاميركية». أما ماكين، فنظرته للشرق الاوسط لا تختلف عن نظرة بوش لها، فباستثناء الانتقادات التي كان يوجهها لبوش في ادارته للحرب على العراق والتي قبلها بوش لاحقا وعمل بها، لا يبدو الرجلان مختلفين حول القضايا الاخرى في المنطقة. ويقول فورتييه إنه «ليس من الواضح من سيكون أقسى تجاه ايران، فكلاهما يدركان حجم المشكلة ويؤمنان بالتعاطي معها بالطريقة نفسها، ومواجهتها من خلال عقوبات أقوى بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي». ولكن بانيرمان يقول ان ماكين نفسه لديه نظرة مختلفة عن بوش، انما يصعب عليه تخطي الفريق الذي يحيط نفسه به».

إلا أن الأهم، ان الرئيس المقبل سيكون غارقا في السنوات الأولى على الأقل في الأزمة الاقتصادية وقد لا يجد وقتا كافيا للتركيز على القضايا الخارجية وقضية السلام في الشرق الاوسط التي لن تكون بالطبع من اولويات الادارة المقبلة. ويقول فورتييه ان الولاية الاولى للرئيس عموما تكون مهتمة أقل بالسياسة الخارجية وأكثر بالقضايا الداخلية، وفي الولاية الثانية يبدأ الرئيس بالتركيز بشكل اكبر على القضايا الخارجية.