الناخبون المترددون عاجزون عن اتخاذ قرارهم قبل 4 أيام من التصويت

منهم من ينتظر حدوث أمر ليحسم أمره.. وآخرون لا يثقون بأي من المرشحين

TT

شاهدت غلوريا رايموند، من تلهاسي في ولاية فلوريدا، على قنوات الكابل كبار المفكرين من التيارين اليميني واليساري، وطوال عام كامل، استمعت إلى نشرات الأخبار وحضرت نقاشات واستمعت إلى الكثير من الخطب، على أمل أن تتمكن من اتخاذ القرار الصائب بشأن اختيار الرئيس القادم.

ومع ذلك ورغم أنه لم يبق سوى أربعة أيام فقط على موعد إجراء الانتخابات، لا تزال رايموند، البالغة من العمر 72 عاماً، التي سبق لها العمل نادلة، واحدة من الناخبين الذين لم يحسموا رأيهم بعد بين المرشح الديمقراطي باراك أوباما والجمهوري جون ماكين، اللذين يسعيان بجد لكسب أصوات هذه الولاية.

ورايموند واحدة من مجموعة متضائلة، لكن بالغة الأهمية، من الناخبين الذين يتعرضون لانتقادات بالغة، وفي الوقت ذاته يحظون باهتمام بالغ في إطار النظام الانتخابي، حيث جرى تسليط الضوء على هذه المجموعة من جانب البرامج الحوارية التي تبثها قنوات الكابل التلفزيونية. وحرص كلا المرشحين على إبداء اهتمام بالغ تجاههم، بينما تعرضوا لانتقادات حادة من قبل البرامج الفكاهية التي نعتتهم بأنهم يعانون من شعور مزمن بعدم الأمان، وأنهم يسعون لاجتذاب الاهتمام ليس أكثر. وحتى الآن، لم يتم إجراء سوى قدر ضئيل من الأبحاث حول الناخبين المترددين نظراً لأنهم مجموعة متغيرة باستمرار من السكان، ذلك أن الذين يشعرون بالتردد خلال انتخابات ما ربما لا يراودهم الشعور ذاته في أخرى. يذكر أن دراسة حول الانتخابات الرئاسية من قبل جامعة ولاية نيويورك في بفالو توصلت إلى أن آخر مرة أحدث فيها الناخبون المترددون اختلافاً في النتيجة النهائية للانتخابات كانت عام 1960. الا انهم هذا العام، يبدو أنهم سيشكلون أهمية كبيرة مجدداً، حيث كشف استطلاع للرأي أجرته صحيفة «لوس أنجليس تايمز» بالتعاون مع مؤسسة بلومبرغ، خلال هذا الأسبوع، أن هؤلاء الناخبين المترددين والذين تصل نسبتهم إلى 6% في فلوريدا و8% في أوهايو، عددهم كبير بدرجة كافية للتأثير في النتيجة النهائية داخل ميادين التنافس الانتخابي الرئيسة على مستوى البلاد. وفي مقابل هؤلاء المترددين، حسم الالاف من الناخبين في الأجزاء الأخرى من البلاد اختيارهم، وتدفقوا بالآلاف للمشاركة في التصويت المبكر، ما دفعهم للتساؤل في دهشة بشأن نظرائهم المترددين: ما بال هؤلاء الناس؟ إنهم يواجهون الاختيار بين شخصين مختلفين تماماً، ينتميان إلى جيلين مختلفين، وقد شاركا في ما قد يعد أطول حملة انتخابية في تاريخ البلاد. وفي إطار دراسات مسحية أجريت حول رايموند والكثيرين من أمثالها من أبناء فلوريدا وأوهايو خلال هذا الأسبوع، كشف هذا القطاع من الناخبين أنهم يميلون بطبيعتهم إلى التروي في التفكير، خاصة إزاء القرارات التي تترتب عليها تداعيات كبيرة. على سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر بشراء كلب، تميل رايموند للتفكير طويلاً.

وقالت: «لدي قطط، لكنني أحب الكلاب، وظللت أفكر طوال خمس سنوات بشأن شراء كلب. إنها مسؤولية كبيرة، وفي سني هذه أخشى على الإقدام على تحملها، لكن إذا تمكنت من العثور على كلب يبلغ من العمر 10 سنوات، فإن ذلك يعني أنه لن يعيش طويلاً من بعدي». في الواقع، لا ترقى الانتخابات الرئاسية دوماً إلى مستوى القرارات المصيرية، لكن مع خوض الولايات المتحدة لحربين ومعاناتها مشكلات اقتصادية بالغة وأزمة بمجال الطاقة، فإن الانتخابات هذه المرة ترقى إلى هذا المستوى. لذا، يعكف الناخبون الذين لم يحسموا رأيهم بعد على دراسة الخيارين المطروحين مراراً وتكراراً. من جانبه، لم يتمكن دون سايرز البالغ من العمر 48 عاماً، وهو من أوهايو، من النوم طيلة ليلة كاملة بسبب تفكيره في الانتخابات. ونظراً لعمله مديرا للجودة داخل مصنع للسيارات يؤيد جميع العاملين به أوباما، يقول سايرز إنه من المثير أن يكون هو الشخص المختلف عن المجموعة. المشكلة بالنسبة لسايرز، هي أن آخر المرشحين الرئاسيين الذين شعر بالحماس إزاءه كان بيل كلينتون، الذي جاءت فضيحته الأخلاقية بمثابة صدمة له. وقال: «الأمر بمثابة ممارسته الخداع ضد البلاد بأكملها. لقد كان أمراً مروعاً. لا أريد أن أتعرض للخداع مجدداً».

لم يفكر سايرز قط في انتخاب أوباما، لكن الاختيار أمامه محصور بين مرشح ثالث وماكين، الذي فشل في إثارة إعجاب سايرز الذي يعيش على مسافة لا تستغرق أكثر من 20 دقيقة من جو ورزلباشر، الشهير بجو السباك. ويعكف سايرز حالياً على البحث عبر شبكة الانترنت ومشاهدة مقتطفات من البرامج الإخبارية، التي يعرضها التلفزيون يوم الأحد قبل أن يتوجه إلى الكنيسة. وبرر تردده بقوله: «إنني لا أثق في السياسيين».

في المقابل، تجابه جويس نولاند البالغة من العمر 66 عاماً، مشكلة مناقضة تماماً لمشكلة سايرز، حيث تعتقد أن ماكين وأوباما: كلاهما جيد.

وحتى الآن، عجزت عن اتخاذ قرار بشأن من منهما يحظى بقدر أكبر من إعجابها. وقالت: «إنني أميل نحو ماكين، لكنني أعتقد أن أوباما أشبه بنسمة من الهواء النقي». ونولاند سبق وأن أدلت بصوتها مرتين لصالح جورج بوش. وأعربت عن اعتقادها بان المرشح لمنصب نائب الرئيس مع أوباما، السيناتور جو بايدن «متفاخر». بيد أنه بغض النظر عن النتيجة النهائية، تصر أنه لن يفارقها الشعور بالسعادة يوم الأربعاء. وقال الكثير من الناخبين الذين لم يتخذوا قرارهم بعد أنهم بانتظار حدوث أمر جديد يساعد في توضيح الصورة العامة أمامهم. على سبيل المثال، اكتشف جون مور البالغ من العمر 64 عاماً، ويعيش في ساراسوتا في فلوريدا، هذا الأمر الذي جعله يتخذ قراره النهائي هذا الأسبوع فقط. مور، الذي تقاعد من عمله في إحدى شركات الاتصالات، كان دوماً من أنصار الحزب الجمهوري، لكن لم يرق له ماكين قط، وكان ينوي الامتناع عن المشاركة في الانتخابات. لكن فجأة طرأ على ذهنه سبب يدعوه للتصويت، ألا وهو أن الديمقراطيين قد ينتهي بهم الحال إلى السيطرة بصورة مطلقة على مقاليد السلطة داخل واشنطن. وقال: «هذا الأمر يخيفني». لا شك في أن عامين من التميحص الإعلامي للمرشحين من شأنه إمداد غالبية الناخبين بالأدوات اللازمة لحسم اختيارهم النهائي. إلا أن هذه الوفرة المعلوماتية تركت ريجينا هانسلي البالغة من العمر 63 عاماً، من فيلو بأوهايو، في حالة ارتباك. وقد ظلت تنصت منذ فترة طويلة إلى المرشحين بدرجة جعلتها تلحظهما وهما يحنثان بوعودهما ويغيران آراءهما تبعاً لما يروق للجمهور الذي يتحدثان إليه. على الصعيد الشخصي، تشعر هانسلي تماماً بوطأة المشكلات التي تجابهها البلاد، حيث توفي زوجها مؤخراً جراء الإصابة بمرض عضال، وباتت تواجه فواتير مصاريف طبية هائلة. كما فقدت وظيفتها أخصائية في أمراض الجهاز التنفسي. علاوة على ذلك، شارك أبناؤها في القوات المسلحة، وهي ترغب في عودة الجنود إلى الوطن. عادة ما تصوت هانسلي لصالح الحزب الديمقراطي، لكنها لم تقرر بعد ما إذا كانت ستؤيد أوباما. وفسرت موقفها بقولها: «أؤكد لك أن الأمر لا يتعلق بالعنصرية. إنني اشعر بالغضب والضجر، وأعتقد أنه ليس من الصواب أن يخسر الناس وظائفهم ومنازلهم. إنني لا أثق بأي من المرشحين. ولا أدري من الذي سأصوت لصالحه».

أما أماندا تايلور، مدرسة بالمرحلة الثانوية وأم لأطفال صغار، فتشعر بالتردد بسبب ما تجابهه البلاد من مشكلات. كل يوم، تواجه تايلور، التي تعيش بدايتون في أوهايو، بما يذكرها بأن الأجيال القادمة هي من يقف على المحك. ورغم أنها ظلت طوال عمرها من الموالين للحزب الجمهوري، فإنها تشعر بان ماكين يشبه بوش لدرجة مفرطة. وفي الوقت الذي تروق لها أفكار أوباما، فإنها لا تدري كيف سيتمكن من تطبيقها على أرض الواقع. * خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الاوسط»