بغداد تبحث عن توافق سياسي بشأن الاتفاق الأمني.. بعيدا عن الانفراد في القرار

بارزاني يشكك في إمكانية إبرامه.. وزيباري يحذر من عواقب وخيمة

TT

أعلنت بغداد امس عن رغبتها في التوصل الى ما سمته بـ«الحلول التوافقية» بشأن الاتفاق الامني مع واشنطن والذي ينظم وجود القوات الاميركية في البلاد عند انتهاء التفويض الأممي لها نهاية هذا العام، فيما أبدى مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان شكوكه في امكانية المصادقة على الاتفاقية، مبررا ذلك بأن الكثير من الاطراف العراقية ما زالت لا تستطيع اعلان مواقفها الحقيقة تجاه هذه الاتفاقية.

وقال طارق الهاشمي، نائب الرئيس العراقي، ان قادة المجلس التنفيذي اتفقوا على ان اي قرار سيتخذ بشأن الاتفاقية الامنية مع الولايات المتحدة، سيكون بالتوافق بحسب بيان عن الهاشمي صدر أمس.

ونقل البيان عن الهاشمي قوله عقب اجتماع للمجلس التنفيذي عقد مساء اول من امس في مقر الرئيس العراقي جلال طالباني، ان «النقطة الاساسية التي تم الاتفاق عليها اليوم ان اي قرار سيتخذه العراق في هذا المسلك او ذاك ينبغي ان يستند الى التوافق الوطني وان لا ينفرد اي طرف معين بالموافقة والرفض».

ويتفاوض الجانبان العراقي والأميركي بشأن إبرام اتفاقية أمنية طويلة الأمد بينهما، تحدد الطبيعة القانونية لوجود الجيش الأميركي على الأراضي العراقية بعد نهاية العام الحالي، حيث سينتهي التفويض الدولي الممنوح للجيش الأميركي في العراق من الأمم المتحدة بموجب قرار من مجلس الأمن. وأثارت التسريبات غير الرسمية عن بنود هذه الاتفاقية جدلا واسعا بين الأوساط الشعبية والسياسية المحلية؛ ففي حين يقول مسؤولون حكوميون ان الجانب الاميركي قدم تنازلات كبيرة للوصول الى مسودة نهائية للاتفاقية، يرى سياسيون أنها تحتوي على بنود تمس بسيادة واستقلال العراق.

كما اصدر النائب الاول لطالباني عادل عبد المهدي بيانا اعلن فيه تأييد المالكي في القرار الذي يتخذه بشأن الاتفاق الامني، وقال البيان «رئيس الوزراء أيدناه ونؤيده في هذا المشروع، ومهما كانت النتيجة سواء كانت ايجابية او سلبية فنحن نؤيد ذلك، اما وجهات نظرنا الداخلية، وهي وجهات نظر لاستكشاف كل مواطن الخطأ والصح ولكن في النهاية الحكومة العراقية ستقف موقفا موحدا». وأضاف عبد المهدي «اننا سنؤيد الرأي النهائي الذي تصل اليه الحكومة، ولن نجعل موقف الحكومة منقسما في هذه المسألة، فإذا وصلت الحكومة الى اتفاق مع الاميركان حول نص نهائي فاننا سنؤيد هذا النص، واذا اختلفنا مع الاميركان في نص نهائي فاننا ايضا سنؤيد موقف الحكومة ونبدأ بالبحث عن بدائل. هذا هو موقفنا».

الى ذلك، نقلت مصادر صحافية اميركية عن المالكي، قوله إن حكومته مستعدة لـ«حل وسط» من أجل التوصل الى ابرام الاتفاقية.

وقال علي الأديب، عضو الائتلاف العراقي الموحد الحاكم، والقيادي في حزب الدعوة الذي يترأسه المالكي، ان الحلول الوسط التي تتحدث عنها الحكومة العراقية تتمحور في بند الولاية القضائية.

وقال الاديب لـ«الشرق الاوسط» إن «العراق يطالب بأن تكون عمليات التحقيق والمحاكمات مشتركة بين الطرفين العراقي والاميركي»، وأضاف الاديب ان «المقصود ان تكون الولاية القضائية للعراق للقوات التي تكون خارج المعسكرات وخارج العمليات العسكرية، وإذا ارتكب الجندي الاميركي مخالفة خارج هذه المنطقتين فانه يخضع للولاية القضائية العراقية، اما الاميركان من جانبهم يرفضون هذا الامر على اعتبار انه مخالف للدستور الاميركي»، مضيفاً «ان العراق طالب ان يشترك الجانب العراقي في التحقيقات واذا تطلب الامر ان تكون المحكمة في اميركا يصار الى احضار اهل الضحية الى اميركا لتكون هناك مصداقية في التحقيق والقضاء»، معتبراً مسألة الولاية القضائية في مسودة الاتفاقية «عقدة من العقد الصعبة»، مؤكداً ان «الحل الوسط اذا تم قبوله فان الاتفاقية الامنية سيصار الى الموافقة عليها».

وفي لقاء أجرته معه وكالة اسوشييتد برس، كما ذكرت صحيفة «نيويورك صن» الاميركية، ذكر المالكي ان «الحل الوسط قريب في هذه القضية الشائكة المتعلقة بالولاية القضائية العراقية على القوات الاميركية في البلاد»، مشيرا الى ان «هذا الحل من شأنه ان ينطوي على عرض بحصانة محدودة للقوات الاميركية». وأوضح المالكي، انه «لا هو ولا البرلمان العراقي سيوافقون على اية اتفاقية تخفق في خدمة مصالح البلاد الوطنية». الى ذلك، ابدى رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني شكوكه في امكانية المصادقة على الاتفاقية الامنية بين بغداد وواشنطن، مبررا ذلك بأن الكثير من الاطراف العراقية ما زالت لا تستطيع اعلان مواقفها الحقيقية تجاه هذه الاتفاقية.

وقال بارزاني ان «غالبية الفصائل السياسية في العراق تريد تمرير الاتفاقية». إلا انه اشار الى ان البلاد «في وضع ارهاب فكري، حيث لا يستطيع الناس ذكر مواقفهم الحقيقية»، خشية الظهور بمظهر المرتبط بالولايات المتحدة وتدمير وضعهم في الانتخابات المحلية، التي يتوقع اجراؤها في يناير (كانون الثاني) المقبل.

وقال بارزاني لصحيفة «واشنطن بوست» «شخصيا، أشك بأنها ستُقرّ»؛ في إشارة الى الاتفاقية الأمنية.

وكان الرئيس الاميركي جورج بوش، الذي التقى بارزاني في المكتب البيضاوي قبل يومين، قال انه «يحلل» المقترحات، وبانه متفائل بالتوصل الى ابرام الاتفاقية، بيد انه اشار الى ضرورة الا تقوض التعديلات العراقية المقترحة المبادئ الاساسية في الاتفاقية.

وفي السياق ذاته، قال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في حديث مع صحيفة «ا بي ثي» الاسبانية، أمس، انه لا تزال هناك «نقاط للتوضيح» في ما يتعلق بالاتفاقية الامنية العراقية الاميركية. وأعلن زيباري «ينبغي ان نوضح بعض النقاط، مثل امور قضائية، اي ان تحكم القوانين الاميركية (الوضع) داخل قواعدهم». وأضاف «لم يعد بإمكانهم مواصلة اعتقال عراقيين لاحتجازهم داخل سجونهم، هذه الصلاحية تعود لمحاكمنا».

وتابع الوزير العراقي «سيادة البلد على المحك في بعض الاوجه مثل المجال الجوي الذي لا يزال في الوقت الراهن تحت سيطرتهم».

وقال زيباري انه اذا لم يتم التوصل الى اي اتفاق «فسنحاول مجددا دعوة مجلس الامن الدولي للحصول على تمديد (...) في الحقيقة، مغادرتهم الآن قد تكون لها عواقب وخيمة سواء على المستوى الامني او على مستوى اقتصادنا». واضاف «سنكون بحاجة الى دعم وتدريب الاميركيين حتى 2011 على الأقل».