مصر: الحزب الحاكم يفتتح مؤتمره بالهجوم على المعارضة

الرئيس المصري: ماضون في تنفيذ برنامجنا النووي.. ومقاعد إضافية بالبرلمان تخصص للمرأة

مبارك خلال خطابه في مؤتمر الحزب الحاكم أمس (رويترز)
TT

افتتح الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر أمس مؤتمره السنوي بشكل غير مسبوق، إذ تعمَّد قياديون كبار فيه توجيه انتقادات حادة لقوى المعارضة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين ومرشدها العام، وأحزاب سياسية لم يسمها. وشدد الرئيس المصري حسني مبارك في خطابه أمام المؤتمر السنوي الخامس للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم أمس، على ضرورة تضافر الجهود لاحتواء انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية على الداخل المصري ومستوى معيشة المصريين، مشيراً إلى تحذيره العام الماضي من الأزمات التي قد ترد لمصر من الخارج، وقال «نجحنا بسياسات الإصلاح في تجاوز أزمة الارتفاع غير المسبوق في الأسعار العالمية للغذاء والطاقة». وأضاف الرئيس مبارك إن بلاده واجهت الأزمات العالمية بـ«اقتصاد أقوى مكننا من احتواء تداعياتها بموارد حقيقية وليس بزيادة عجز الموازنة». وطالب مبارك الحزب والحكومة بطرح أسلوب جديد وفعال لإشراك القواعد العريضة من الشعب في الانتفاع بفوائد برنامج إدارة الأصول المملوكة للدولة، ووضع مخطط للعاصمة حتى 12 عاما قادم، وقال: «كلفت الحكومة بالانتهاء العام القادم من وضع رؤية جديدة للقاهرة عام 2020 في إطار تخطيط استراتيجي للقاهرة الكبرى حتى عام 2050». وأعلن عن ضرورة وضع تشريع لزيادة تواجد المرأة في البرلمان، وهو ما ردت عليه العضوات المشاركات في المؤتمر، والذي حضره نحو 2007 أعضاء، بالتصفيق والتحية. وقال مبارك، إن زيادة عدد مقاعد المرأة في البرلمان لن يكون على حساب المقاعد الحالية وإنما ستتم زيادة عدد مقاعد مجلسي البرلمان (الشعب والشورى).

وشدد الرئيس المصري على المضي قدما لتنفيذ بناء عدد من المحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية. وقال «ننفذ برنامجاً هاماً للطاقة الجديدة والمتجددة ونمضي دون تردد في بناء محطاتنا النووية»، معلنا أنه سيتم طرح مشروع قانون منظم للأنشطة النووية والإشعاعية خلال الدورة البرلمانية المقبلة.. وقال «سننتهي قريباً من الدراسات الفنية لبناء المحطة النووية الأولى». واستحوذت الأزمة المالية العالمية على غالبية خطاب الرئيس مبارك لأعضاء المؤتمر السنوي للحزب، وقال ردا على من ينتقدون السياسة الاقتصادية المصرية التي عرفت التحرر الاقتصادي والخصخصة منذ أكثر من عقدين، بعد سنوات من النظام الاقتصادي الموجه، إنه «لا عودة لنظم ونظريات تجاوزها العصر»، وأضاف: أقول للمشككين أن تدخل العديد من الدول لاحتواء تداعيات الأزمة المالية العالمية، هي إجراءات ذات طبيعة وقتية واستثنائية، وليست رجوعاً عن اقتصاد السوق وآلياته. وأوضح: «نحتفظ للدولة بما يصعب على القطاع الخاص ارتياده من مجالات أو تقديمه من خدمات»، مشددا على أن الدولة لم تكن غائبة يوماً، ولن تكون، في كل خطوة من خطوات الإصلاح الاقتصادي (..) لدينا اليوم جهاز مصرفي مستقر وكيانات مصرفية قوية وأموال مودعين آمنة»، مشيرا إلى أن هذا كله لا يعني أن مصر بمعزل عما يجري في العالم.

وشدد مبارك على أهمية حشد التأييد الشعبي لخطوات اللامركزية من جانب المجتمعات المحلية وبحث تفعيل دور النقابات المهنية وطرح تعديلات تشريعية على القانون المنظم لها بما يسهل إجراء انتخاباتها ويطلق قدراتها على الإسهام في فعاليات المجتمع المدني. ودعا المؤتمر الذي تستمر أعماله حتى يوم غد الاثنين لتناول قضية تحديث البنية الثقافية للمجتمع، وقال: «ما أحوجنا لنشر قيم الاعتدال والانفتاح على علوم العصر ومعارفه في مواجهة دعاوى التعصب والتطرف والانغلاق». من جهتها قالت قيادات حزبية كبيرة في افتتاح المؤتمر أمس إن الحزب سيظل حاملا لراية الدفاع عن دولة المواطنة والقانون، لا دولة مرشد جماعة الإخوان المسلمين ومجلس الإرشاد التابع لها. وأضافت أن الحزب الحاكم ليس مسؤولا عن الانقسامات بين فرقاء العديد من أحزاب المعارضة المصرية الذين «إذا اجتمعوا تشابكوا.. وإذا اختلفوا في الرأي تقاضوا»، في إشارة لخلافات وقعت في الأعوام الأخيرة داخل أحزاب ليبرالية ويسارية مثل الوفد والغد والناصري والأحرار وغيرها، فيما ردت المعارضة المصرية على اختلاف اتجاهاتها على انتقادات الحزب الحاكم باتهامه بعدم تقديم جديد في مؤتمره، وسعي قياداته لتلميع صورتهم.

وقال أمين التنظيم بالحزب الحاكم رئيس لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان، أحمد عز، في الجلسة الافتتاحية أمس، إن «المعارضة منزعجة من تطور الحزب الوطني وعليها أن تراجع نفسها أولا»، لافتا إلى أن الحزب الوطني يتعرض باستمرار لهجوم من قوى كثيرة، متوقعا عدم توقف هذا الهجوم «بل سيزداد في الحدة واللغة». وأضاف عز إن أحزاب المعارضة غير منظمة بالقدر الكافي، ما أدى لدخول صحف ووسائل إعلام كثيرة لتملأ فراغ المعارضة. وأوضح عز، أن المعارضة تحاول أن تصور الحزب الوطني على أنه حزب الدولة، «فهي (المعارضة) منزعجة من هذا التطور الهائل في حزبنا، وتغطي العجز والفشل بإطلاق مثل هذه الاتهامات، وتصر على أن تعيش في صورة ذهنية مضت وولت»، مطالبا المعارضة بمراجعة نفسها، وقال: «لتراجع هذه الأحزاب نفسها أولاً قبل أن تهاجمنا».

وقال أحمد عز لأعضاء المؤتمر إن هناك قوى عديدة في المجتمع تُصرُّ على وصف الحزب الوطني بأنه «حزب متسلط»، وأضف في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين ومرشدها العام، والتي تتعامل معها الحكومة كـ«جماعة محظور نشاطها» بقوله: «قد أتفهم أن تُوصَف قوى سياسية أخرى غير شرعية بهذا الوصف.. تنظيمات تتحرك بأمر مرشد عام يعطي لنفسه حق التسمية والعزل.. ما لا يمكن استيعابه هو لصق هذا الوصف» بالحزب الوطني.

ومع إنه انتقد أداء القوى المعارضة أيضاً، إلا إن الأمين العام للحزب الحاكم صفوت الشريف، دعا أمام مؤتمر حزبه كافة الأحزاب السياسة المصرية لـ«يكونوا شركاء». وقال «الشريف» إن الأهم للحزب الحاكم في الوقت الحالي هو «الإصرار على مسيرة الإصلاح، ورفض دعاوى الفتنة بين المذاهب والأديان (..) سننحاز للفقراء ولكبار السن ولحق المرأة والأطفال في حياة آمنة ومستقبل أفضل».

من جانبه، قال الدكتور زكريا عزمي الأمين العام المساعد لشؤون التنظيم والعضوية والمالية والإدارية بالحزب الحاكم، والذي يشغل موقع رئيس ديوان رئيس الجمهورية، إن عضوية الحزب الوطني في تزايد، وأنه خلال الفترة من شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2007 إلى الشهر الماضي انضم 547674 عضوا جديدا ليصل إجمالي عضوية الحزب إلى 2885483 عضوا بزيادة نسبتها 21.2% عن العام الماضي، منهم 83.4% ذكور و16.6% إناث، إلا إنه قال إن نسبة القيد في الجداول الانتخابية بلغت 1515561 عضوا بنسبة 53% من إجمالى أعضاء الحزب. وناشد «الدكتور عزمي» جميع أعضاء الحزب وقواعده التنظيمية بالتعاون مع أمانة العضوية للعمل على زيادة القيد في الجداول الانتخابية لأعضاء الحزب قائلا إن «نسبة 53% نسبة غير كافية، فلا بد أن يكون جميع أعضاء الحزب مقيدين بالجداول الانتخابية».

وقال قياديون في الحزب التقت بهم «الشرق الأوسط» على هامش أعمال المؤتمر أمس، إن الحزب، الذي يحكم البلاد منذ نحو 29 عاما، تمكن من استقطاب فئات بمراكز قيادية في المحافظات لم يكن لها وجود يذكر في السابق هي «الشباب» و«المرأة» و«الأقباط»، وإن الحزب يسعى منذ أكثر من سنة للاعتماد على نفسه إعلاميا بدلا من اعتماده على الصحف شبه الرسمية (الحكومية)، من خلال إصداره العديد من الصحف في القاهرة والمحافظات.

من جانبهم، وجه معارضون انتقادات شديدة اللهجة للحزب الحاكم، وعقدوا فعاليات ذات تأثير محدود للرد على مؤتمر الحزب، ووصمه بعضهم بالمؤتمر الفاشل الذي لن يقدم جديداً، وربطوا بين استمرار وجوده في السلطة وما قالوا إنه تدهور اقتصادي وانغلاق سياسي وتراجع لدور مصر إقليميا ودوليا.

وفي اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، رد مرشد جماعة الإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف على الانتقادات التي وجهها أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطني الحاكم في كلمته فقال «أنا غير متابع لمؤتمر الحزب الوطني لأنه، ولا يعنيني كثيرا أن يهاجمني أحمد عز أو غيره»، وأضاف متسائلاً: «ماذا تنتظر من دولة استشرى فيها الفساد إلى هذا الحد وأصبح نظامها يحتمي بالأمن في كل خطواته؟».

من جهته، اعتبر جورج إسحاق المنسق العام المساعد للحركة المصرية من أجل التغيير «كفاية» أن الهجوم الذي شنته قيادات الحزب الوطني في اليوم الأول للمؤتمر على المعارضة «يثير الضحك»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الشارع المصري هو المحك، وإذا أردت أن تسأل عن التغيير والتطوير والتحديث فانزل إلى الشارع واسأل المواطنين المصريين البسطاء ولا تسأل أحمد عز الذي يتعرض لهجوم وانتقادات حاليا بسبب صفقاته وأعماله التي تضر بالاقتصاد المصري».

من جانبه، تساءل وحيد الأقصري رئيس حزب مصر العربي الاشتراكي المعارض عن الجديد الذي قدمه مؤتمر الحزب الوطني هذا العام، وقال لـ«الشرق الأوسط» «كان لزاما على الحزب الوطني أن يطبق الإصلاحات التي تحدث عنها في مؤتمراته الماضية بدلا من تكرار المؤتمرات بدون داع ٍ، فالفقر زاد والأسعار ارتفعت بشكل غير مسبوق والفوارق الاجتماعية زادت بين الطبقات».

بينما رفض منير فخري عبد النور سكرتير عام حزب الوفد المعارض التعليق على جلسات المؤتمر السنوي للحزب الحاكم قائلا لـ«الشرق الأوسط» «سأنتظر حتى أرى ما سيخرج به المؤتمر لأستطيع التعليق».