الانتشار السوري على حدود لبنان الشرقية: تنسيق أمني أم استباق لترسيم الحدود؟

مصدر مطلع: الأمم المتحدة لا تربط الانتشار بتطبيق القرار 1701

TT

اقتصر الانتشار العسكري السوري على الحدود الشرقية اللبنانية الممتدة من جديدة يابوس في منطقة المصنع الى جبل الشيخ، من دون تسجيل أي انتشار في منطقة الهرمل التي تقع تحت نفوذ «حزب الله». وتزامن هذا الانتشار مع تقرير المبعوث الخاص للامم المتحدة المكلف تطبيق القرار 1559 امام مجلس الامن تيري رود لارسن الذي اشار الى قلق من «الحركة المستمرة للأشخاص والسلاح عبر الحدود السورية ـ اللبنانية»، إضافة الى «قابلية الحدود اللبنانية ـ السورية للاختراق عموما مما يجعل عبورها سهلاً». والى «هشاشة الحدود بالوجود المستمر لبنى تحتية شبه عسكرية على جانبي الحدود تعود إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة وفتح ـ الانتفاضة مما يسمح لهاتين المجموعتين بأن تمارسا سيطرة فعلية على أجزاء عدة من الحدود». وكان قائد الجيش العماد جان قهوجي قد تبلغ رسميا هذه الخطوة في اتصال تلقاه من رئيس هيئة الاركان في الجيش السوري العماد علي حبيب وتناول الإجراءات الميدانية للوحدات العسكرية السورية واعادة انتشارها على امتداد الحدود الشرقية خلال الايام المقبلة بعدما انهت انتشارها على الحدود الشمالية»، والتي «تأتي في اطار تدابير وقف التهريب ومنع انتقال الاشخاص في شكل غير قانوني عبر الحدود بين البلدين الشقيقين».

وقد أفاد مصدر مطلع لـ «الشرق الاوسط» أن «الجهات المختصة في الامم المتحدة لا تربط الانتشار العسكري السوري بتنفيذ القرار 1701، وانما بمسألة ترسيم الحدود. وبالتالي فإن هذا الانتشار الذي يتجاوز قمم الجبال في السلسلة الشرقية الممتدة من جديدة يابوس الى جبل الشيخ قد يهدف الى فرض أمر واقع جديد ليس لمصلحة لبنان».

النائب عن الكتلة الشعبية في البقاع حسن يعقوب قرأ الانتشار من زاوية مناقضة تماما، فقال «مقاربة القرارات الدولية اصبح لها مشهد جديد. وانتشار القوات السورية على الحدود اللبنانية يأتي في سياق تنفيذ القرار 1701. وهو تأكيد على سيادة لبنان وسقوط كل المقولات التي كانت تتهم سورية بعكس ذلك. وعلينا ان نستفيد من هذه المظاهر السيادية التي تدعم لبنان ودوره وتزيل القلق والريبة من اشقاء عرب».

وأضاف: «قبل العام 2005 لم يكن موضوع الارهاب مطروحا بهذا الشكل الضاغط كما هو اليوم. ولكن بعد تسلل مشبوه لمجموعات ارهابية استفادت من حال الانقسام السياسي الحاد الذي كان يسيطر على البلد، واستخدمته لتأمين ملاذ لها، ما اوقعنا في معارك دامية، منها حرب نهر البارد، لذلك فإن كل ما يتعلق بالأمن بين لبنان وسورية يحتاج الى تنسيق من الطرفين. وهذا امر طبيعي بين بلدين شقيقين ومتجاورين، يأتي عليهما الضرر نفسه كما يأتي عليهما النفع نفسه».

النائب عن كتلة المستقبل في البقاع احمد فتوح اعتبر ان «خطوة انتشار الجيش السوري لا مبرر لها». وذكر بأن «هذه الحدود ليست حدود العدو، وبالتالي فإن لها أهدافا أخرى. بتقديري هي محاولة للتدخل في لبنان، وتحديدا للتأثير على المواطنين البقاعيين عشية الانتخابات. الا ان موقف الناس لن يتأثر بمثل هذه الامور».

النائب عن الكتلة نفسها انطوان سعد توسع في توضيح الاهداف السورية كما يقرأها، فقال: «لا اعتقد ان هذا الانتشار هو لتطبيق القرار 1701 ولا لمواجهة تهريب الاسلحة او الارهابيين. فالوقائع تشير الى ان مصدر الارهاب والاسلحة هو سورية. وبالتالي الهدف الاساسي لهذه الخطوة هو الضغط على الدولة اللبنانية. والاهم من ذلك هو عرقلة عملية ترسيم الحدود، فهم دخلوا الاراضي اللبنانية ويسحبون المياه الجوفية بكميات كبيرة. كما انهم يواصلون دعمهم لفتح الانتفاضة والجبهة الشعبية-القيادة العامة وكأنهم لم يخرجوا. من هنا يوحي هذا الانتشار بالمماطلة، لاسيما بعد اتخاذ القرار بتبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين».

وأضاف: لا ننسى ان النظام السوري يريد رفع معنويات حلفائه في البقاع، وتحديدا مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي في ربيع العام 2009. والمعروف ان النظام السوري يعوّل على نتائج هذه الانتخابات ليستعيد سيطرته من خلال هؤلاء الحلفاء. الجيش السوري موجود أصلا في المناطق الحدودية. ونحن نعرف ان الضباط السوريين لا يزالون يعملون مع حلفائهم اللبنانيين. وما يحصل هو بالتأكيد نتيجة جهود المخابرات السورية في مناطقنا. فهم لا يستطيعون التفكير بأن لبنان دولة مستقلة».

الإعلامي عارف مغامس المواكب ميدانيا للحدود بين سورية ولبنان عند السلسلة الشرقية رسم لـ«الشرق الاوسط» صورة لما يجري، فقال: «الانتشار الجديد للجيش السوري تلا انتشارا حصل قبل عام تقريبا. آنذاك عزز الجنود مواقعهم الاستراتيجية وحفروا الخنادق. اليوم رابطوا على مسالك السيارات بين الجبال وتمركزوا في النقاط الحساسة على طول السلسلة الشرقية كخطوة استباقية لترسيم الحدود وذلك لتشويه المعالم الجغرافية ووضع دشم وإشارات غير حقيقية، لاسيما ان هناك أراضي كثيرة متداخلة. ويبدو ان الامر ازعجهم، لذا عمدوا الى جعل الحدود المتداخلة مستقيمة». وأضاف: «لا ننسى ان هناك هيمنة سورية على 37 ألف دونم من الاراضي اللبنانية في المنطقة الممتدة من جديدة يابوس الى جبل الشيخ. وهم تمركزوا على رؤوس القمم وتجاوزوا نقاطا وضعها الجانب السوري بنفسه قبل عشرة أعوام، ليعود ويخترقها اليوم ويتقدم الى نقاط جديدة، وان بقي ضمن الاراضي التي كان سبق ان استقطعها من لبنان».