القوائم السوداء لممولي الإرهاب في خطر

«القاعدة» تتجنب نظام البنوك العالمي وتحتاج إلى مبالغ صغيرة لتمويل مخططتها الإرهابية > فرض حظر على 503 أشخاص.. وتجميد 85 مليون دولار من أصول ممولي «القاعدة» وطالبان

TT

ذكر مسؤولون في مكافحة الإرهاب في كل من أوروبا والولايات المتحدة أن نظام القوائم السوداء العالمي لممولي «القاعدة» والمنظمات الإرهابية الأخرى مهدد بالانهيار.

وفي سبتمبر (أيلول)، ألقت محكمة العدل الأوروبية بظلال من الشك على مستقبل برنامج الأمم المتحدة لفرض العقوبات على تنظيم «القاعدة» وحركة طالبان، بإعلانها أن القائمة السوداء تنتهك «الحقوق الأساسية» للأسماء المستهدفة على القائمة. وذكرت المحكمة، التي يقع مقرها في لكسمبورغ أن القائمة تفتقد إلى المحاسبة وتجعل من المستحيل تقريبا على الأشخاص أن يعترضوا على إدراجهم عليها.

وتساءلت محاكم بريطانية وفرنسية أيضا عما إذا كان من الممكن للدول الأوروبية أن تنفذ عقوبات الأمم المتحدة والقوائم السوداء الأخرى دون انتهاك القوانين المحلية، ومن بينها حق المدعى عليه في معرفة الدليل على تورطه، حيث تُبقي الأمم المتحدة مثل هذه الأدلة سرية.

وتمثل القائمة السوداء للأمم المتحدة العمود الفقري للجهود الدولية التي تبذل في سبيل منع مساندي «القاعدة» من جمع الأموال أو تحويلها إليها. ويتطلب من جميع أعضاء الأمم المتحدة فرض حظر على السفر ضد 503 شخص وشركة وجماعة مدرجين على القائمة وتجميد أصولهم. وقد تم تجميد نحو 85 مليون دولار من أصول «القاعدة» وطالبان حول العالم.

ولكن تنفيذ هذه العقوبات يأتي متضاربا، حيث سمحت بعض الدول في هدوء لمساندي القاعدة المزعومين بالسفر والوصول إلى أرصدتهم في البنوك.

وعلاوة على ذلك، فإن برنامج الأمم المتحدة مجرد واحد من بين العديد من القوائم السوداء لممولي الإرهاب والتي يرعاها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا. وعلى الرغم من أن الغرض من تلك القوائم هو مكافحة الإرهاب، إلا أنها تتداخل، وفي بعض الأحيان تتعارض مع بعضها الآخر، مما يؤدى إلى ارتباك في ما يتعلق بالأرصدة الأخرى التي يجب تجميدها إلى جوار أرصدة «القاعدة»، وتحت سلطة من يتم ذلك. وعلى سبيل المثال، تم إدراج حزب الله على القوائم السوداء في أميركا وبريطانيا، لكن الاتحاد الأوروبي لا يعتبره منظمة إرهابية.

ويقول بعض مسؤولي مكافحة الإرهاب إن هذه القوائم السوداء وسيلة مهمة، وإن كانت ناقصة، من أجل محاربة القاعدة والجماعات الأخرى، وخاصة برنامج عقوبات الأمم المتحدة، وهو الوحيد الذي يجبر الدول والبنوك على تنفيذه في جميع أنحاء العالم.

ولكن يقول مسؤولون آخرون أن العقوبات لم تعد مفيدة. ويشيرون إلى أن «القاعدة» تتجنب إلى نحو كبير نظام البنوك العالمي، وتحتاج إلى مبالغ مالية صغيرة فقط من أجل تمويل مخططتها الإرهابية. وعلى سبيل المثال، ظل عدد الأصول التي جمدتها الأمم المتحدة في الأعوام الأخيرة ثابتا كما هو. ففي أوروبا، تركزت المعارضة للقوائم السوداء على ما يدعيه النقاد من عدم احترام قانون الإجراءات واحتمال الإساءة السياسية. ولا يستطيع الأشخاص المذكورون على قائمة الأمم المتحدة أن يطّلعوا على الدليل الوارد ضدهم، ولا يمكنهم البقاء على القائمة إلى أجل غير محدد، ولا يحصلوا على حق الاستئناف تلقائيا.

وفي يناير (كانون الثاني)، توصل المجلس الأوربي الذي يضم 47 دولة، وهو أكبر هيئة في القارة لمراقبة حقوق الإنسان، إلى أن قوائم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي «تعسفية تماما ولا تتمتع بأي نوع من المصداقية».

وقد أسقط مدعون أوروبيون التحقيقات الجنائية للعديد من المتهمين بتمويل «القاعدة»، الذين حددهم برنامج عقوبات الأمم المتحدة، بعد الفشل في إيجاد دليل يمكن إثباته في المحكمة. ولكن رفضت الأمم المتحدة أن ترفع جميع الأسماء ما عدا اسم واحد فقط من جميع الأشخاص على قوائمها، والسبب هو أنها ما زالت تعتقد أنهم يدعمون الإرهاب.

ويقول أرماندو سباتارو، نائب المدعي العام في ميلانو، والذي أجرى مكتبه تحقيقات مع 3 أشخاص على قائمة الأمم المتحدة السوداء ولم يجد أدلة على الاتهامات الجنائية: «يمكن أن تُدرج على القائمة لأسباب سياسية، ودون أي دليل جاد على ارتكاب جريمة. وهنا تكمن خطورة ارتكاب أخطاء كثيرة جدا».

واستجابة لهذه الانتقادات أدخلت الأمم المتحدة العديد من التعديلات. ولكن صرح ريتشارد باريت، الدبلوماسي البريطاني ومنسق فريق الأمم المتحدة الذي يراقب طالبان و«القاعدة» ويتولى مسؤولية وضع القائمة السوداء، بأن المنظمة الدولية ربما لا تفعل كما تريد المحاكم والحكومات الأوروبية.

وقال على سبيل المثال فإنه من غير المحتمل على الإطلاق أن توافق الأمم المتحدة على السماح لمحكمة أو لجنة مستقلة بالاطلاع على قراراتها. فمثل هذه الخطوة من الممكن أن تنتهك السلطات الممنوحة للمنظمة بموجب الميثاق.

وحذر باريت من أن التوصل إلى حل أمر محير. وإذا أوقفت الحكومة الأوروبية تطبيق برنامج القائمة السوداء بسبب قرارات المحاكم المحلية، فربما تتخلى عنه أيضا دول أخرى.

وأضاف باريت في مقابلة معه في نيويورك: «من الممكن أن يؤدي ذلك بوضوح إلى انهيار البرنامج. ويشعر الناس بالقلق حول جميع الإجراءات، وحول صعوبة رفع الأشخاص من على القوائم وإمكانية الاعتراض قانونيا. وعلينا أن نحل تلك المشاكل».

ويخضع برنامج العقوبات في الأمم المتحدة لسلطة مجلس الأمن، الذي يحق له إضافة الأسماء أو شطبها وفقا لتقارير استخباراتية وأدلة أخرى تظل في طي الكتمان.

وكما ذكر مسؤولون أميركيون ومسؤولون في الأمم المتحدة، أضيفت معظم الأسماء بناء على إلحاح من الولايات المتحدة. وطالما لم يواجه الأمر معارضة من أحد في مجلس الأمن، فقد تم إقرار الترشيحات تلقائيا. أما الرفع من على القوائم فهو أكثر صعوبة. فحتى عامين مضيا، لم يكن من الممكن للمذكورين على القائمة حتى الاقتراب من الأمم المتحدة من أجل إعادة النظر؛ وكان عليهم أن يطلبوا من البلد الذي يحملون جنسيته تولي قضيتهم، وهو ما يتردد الكثيرون في فعله. أما في الوقت الحالي، فيمكن أن يرسل الأشخاص المدرجون إلى مجلس الأمن مباشرة للدفاع عن قضيتهم، ولكن مجلس الأمن ليس مجبرا على الرد.

وفي يوليو (تموز) الماضي وافق المجلس على الإعلان عن أسباب إدراج جماعات وأشخاص محددين على القائمة. وقد أعلن مسؤولو الأمم المتحدة أن الأسباب ستنشر على الإنترنت قريبا، على الرغم من أنه سيتم إعلان عدة فقرات فقط عن كل حالة.

وقد علق الدبلوماسيون بأنه كان هناك تأييد كبير لفرض عقوبات على «القاعدة» في البداية، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، ولكن تضاءل الحماس في بعض الدول، إلى حد ما بسبب معارضة الحرب الأميركية في العراق.

ويقول مايكل تشاندلر، وهو ضابط سابق في الجيش البريطاني كان يقود مجموعات الأمم المتحدة لمراقبة طالبان و«القاعدة» من عام 2001 إلى عام 2004: «في منتصف عام 2003، وجدنا أن الناس لم تساندنا كما كانوا من قبل. في الحقيقة لا تطبق دول كثيرة جدا العقوبات كما ينبغي، لمجموعة من الأسباب».

واعترف فيكتور كومراس، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية عمل في مجموعة المراقبة في الأمم المتحدة حتى عام 2004، أن العديد من الدول فقدت الثقة في القائمة السوداء ونتيجة لذلك، تضاءل عدد الأسماء الجديدة في الأعوام الأخيرة.

ولكنه قال إن القائمة السوداء يجب أن تتسع بدلا من تقليصها، مؤكدا على أنها لا تعكس تطور تنظيم «القاعدة» إلى حركة لا مركزية، وأن القائمة بحاجة إلى إدراج ممولي الجماعات الإرهابية المنتسبة لـ«القاعدة».

وأضاف: «إن القائمة قصيرة للغاية. وهي غير مُحدَثة إلى حد كبير. كما أنها لا تستخدم بقوة وفعالية كما يجب».

ويعد ياسين عبد الله قاضي، وهو رجل أعمال سعودي لديه ملايين الدولارات في أصول جرى تجميدها في العديد من الدول بعد أن أدرج اسمه في أكتوبر (تشرين الأول) 2001 في قائمة الأمم المتحدة، أخطر تحد للعقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة. وقد رفع القاضي دعوى أمام محكمة العدل الأوروبية، التي حكمت بأن حقه في محاكمة عادلة قد انتهكته بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي والتي تعتمد قائمة الأمم المتحدة. وقد نفى قاضي تقديمه أي دعم لـ«القاعدة»، سواء كان ذلك دعما ماليا أو بأي صورة أخرى. وفي ديسمبر (كانون الأول)، اسقط النائب العام السويسري تحقيقا في أموال القاضي بعد أن وجد أنه لا يوجد دليل على ارتكابه أي خطأ جنائي. ومع ذلك، ما زالت أصول له تقدر بنحو 9 ملايين دولار مجمدة في سويسرا لأن الأمم المتحدة لم ترفعه من قائمتها، حسب ما يقوله مسؤولون سويسريون. ويقول جوي مارتن، وهو محام للقاضي يقيم في لندن: «لم يعط الفرصة يوما كي يقوم بالطعن، وهذا ظلم بيّن، كان الوضع سيكون أفضل لو كان متهما جنائيا ويخضع لحكم القانون».

ورفض مارتن أن يفصح عن قيمة أصول القاضي التي جُمدت في مختلف أنحاء العالم، كما رفض الحديث عن الأسباب التي تقف وراء إدراج اسم القاضي في قائمة الأمم المتحدة، وقال: «يمكن القول بأنه كان رد فعل على أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)».

وأعطت محكمة العدل الأوروبية الاتحاد الأوربي مهلة حتى ديسمبر (كانون الأول) كي يقدم للقاضي توضيحا بالأسباب التي تم على أساسها إدراج اسمه في القائمة، مع تقديم آلية للاستئناف. ويقول مسؤولون في مقر الاتحاد الأوربي في بروكسل إنهم يستعدون للرد، ولكنهم في موقف حرج. ويقول غيليز دي كرتشوف، منسق الاتحاد الأوربي لمكافحة الإرهاب: «كان الوضع سيكون أفضل لو كان ذلك النظام على مستوى الأمم المتحدة لتتخذ قرارا في هذا الأمر». وفي الوقت نفسه، رفع يوسف ندا، وهو مصري يبلغ من العمر77 عاما ومناصر لجماعة الإخوان المسلمين أدرج اسمه على قائمة الأمم المتحدة عام 2001، دعوى قضائية ضد سويسرا. وقد أحال ندا قضيته إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان متهما سويسرا بالتعدي على حقوقه بتجميد أصوله مع أن المدعي الفيدرالي السويسري لم يجد دليلا على أنه قد خالف أية قوانين، بعد إجراء تحقيق مطول. وكما هو الحال في قضية القاضي، تقول سويسرا إنها مجبرة على الإبقاء على أصول ندا مجمدة بسبب التزاماتها تجاه قائمة الأمم المتحدة، وهو موقف أقرته المحكمة العليا السويسرية، ولكن يقول مسؤولون سويسريون إنه يساورهم القلق من أن يكونوا عرضة للمساءلة القانونية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وتقول كريستين سكرانر، منسقة وزارة الخارجية السويسرية لمكافحة الإرهاب: «ملتزمون بعقوبات الأمم المتحدة وملتزمون أيضا بقوانين حقوق الإنسان، ونشعر أنه من المهم جدا ألا يكون هناك تناقض».

وتقول سكرانر، في مقابلة أجريت معها في العاصمة السويسرية: «لا نريد إضعاف النظام، بل على العكس، نريد تقوية نظام العقوبات، ولكن إذا لم تكن هناك إجراءات واضحة وتتسم بالنزاهة لرفع الأسماء من القائمة، فستكون الدول مترددة من البداية في وضع أسماء على القائمة». وأضافت: «نحذر من هذه الأحكام منذ عامين إلى ثلاثة أعوام، ولكن لم يأخذ كلامنا على محمل الجد».

ويقول مسؤولون أميركيون إنهم غير مقتنعين، حيث يقول آدم سزوبن، مدير مكتب رقابة الأصول الأجنبية، وهي هيئة تابعة لوزارة الخزانة الأميركية، إن السماح للمحكمة أو لأطراف خارجية بالنظر في طلبات استئناف يمكن أن يمثل «مشكلة»، وقد يعد «مناقضا» للائحة الأمم المتحدة. وأضاف أن ذلك سوف يدفع الدول إلى عدم تبادل المعلومات الاستخباراتية المهمة حول الأشخاص المدرجين في القائمة. وقال: «الإجراء سري، وهو سري لأسباب».

وما زالت لدى وزارة الخزانة الأميركية قائمتها الخاصة للمشتبه فيهم بتقديم تمويل لأنشطة إرهابية، وقد ظهرت تلك القائمة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بمدة قصيرة بناء على طلب تنفيذي من الرئيس بوش، وتركز القائمة بالأساس على تنظيم «القاعدة» ولكنها توسعت لتشمل تنظيمات أخرى. وتوزع وزارة الخزانة قائمتها حول العالم، ويشير إليها المسؤولون الأجانب في المعتاد بـ«قائمة بوش»، ومع أنها تضم أسماء موجودة على قائمة الأمم المتحدة، لا تستطيع وزارة الخزانة إجبار الدول الأخرى على تطبيقها. وقد أدت الاختلافات بين القائمتين إلى حدوث ارتباك، فعلى عكس ما تقوم به الأمم المتحدة، تقدم وزارة الخزانة الأميركية تفسيرات مختصرة وعامة حول الأسباب التي أدت إلى إضافة الأشخاص والمجموعات إلى قائمتها. وتسمح الحكومة الأميركية بطلبات الاستئناف، سواء إداريا أو في المحاكم، وحسب ما تتضمنه البنود التي وردت في الطلب التنفيذي الذي فوض بصياغة تلك القائمة، فإنه على وزارة الخزانة أن يكون لديها «مبرر معقول» لإدراج اسم في القائمة، وليس عليها أن تثبت أنه مذنب. وفي بعض الحالات، قامت وزارة الخزانة بإدراج أسماء من تزعم أنهم مناصرين لتنظيم «القاعدة» بعد أن عجزت عن إقناع مجلس الأمن بالقيام بذلك. وفي يناير (كانون الثاني) 2007، طلبت الحكومة الأميركية من مجلس الأمن فرض عقوبات ضد مواطنين من جنوب أفريقيا، هما جونايد اسماعيل دوكرات، طبيب أسنان في جوهانسبرغ، وقريب له يدعى فرهد أحمد دوكرات، وهو رجل دين مسلم. ويقول مسؤولون أميركيون إن هناك أدلة على أن فرهد أحمد تبرع بنقود إلى جمعية خيرية تدعم طالبان والقاعدة، كما قالوا إن جونايد دفع تكاليف سفر مواطنين من جنوب أفريقيا ليتدربوا في معسكرات تابعة لتنظيم «القاعدة» في باكستان. وقامت جنوب أفريقيا، وهي عضو غير دائم في مجلس الأمن، بحجزهما لوقت غير محدد بناء على طلب من الولايات المتحدة، ومع ذلك تقول إن الأدلة غير كافية. وفي 26 يناير (كانون الثاني) 2007، أدرجت وزارة الخزانة الرجلين في القائمة الأميركية، مما أثار غضب مسؤولين من جنوب أفريقيا. ويقول ألكسندر ألفارو، وهو عضو ألماني في البرلمان الأوروبي انتقد عملية إدراج الأسماء في القوائم المتعددة، إنه كان واضحا في العديد من القضايا أن السياسة ألقت بظلالها على المخاوف الأمنية المشروعة. ويتساءل: «هل السبب فعلا هو منع الهجمات الإرهابية ووقف التمويل المقدم للتنظيمات الإرهابية، أم إسعاد من يمكن أن يخدمهم إدراج هذه الأسماء على القائمة؟».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»