مصادر أميركية تتحدث عن «موافقة» سورية على غارة البوكمال

دمشق ترفض التعليق .. ووفد برلماني عراقي يتوجه إليها لـ«تطويق الأزمة»

TT

فيما يتوجه وفد برلماني عراقي الى سورية لتطويق أزمة بلدة البوكمال التي اغارت عليها قوات اميركية انطلاقا من الاراضي العراقية، كشفت مصادر اميركية عن ان الغارة، التي احتجت عليها السلطات السورية، نفذت بالتعاون مع دمشق وان احداثيات الهجوم حصل عليها الاميركيون من المخابرات السورية.

وكانت اربع هليكوبترات اميركية قد نفذت هجوما مسلحا على مزرعة السكرية في بلدة البوكمال الحدودية السورية الاسبوع الماضي. وأشارت مصادر سورية الى مقتل ثمانية اشخاص جراء الهجوم. وفيما لم تعلن واشنطن رسميا مسؤوليتها عن الحادث، قدمت دمشق شكوى رسمية الى مجلس الامن احتجاجا على الغارة. غير ان صحيفة بريطانية كشفت في عددها الصادر امس نقلا عن مصادر اميركية، رفضت الكشف عن هويتها، عما سمته بـ«التواطؤ السوري» في الغارة الاميركية. وكشفت صحيفة «الصنداي تايمز» عن المصادر الاميركية ان الغارة نفذت في اطار من التعاون الكامل مع أجهزة المخابرات السورية. ونقلت الصحيفة عن المصدر انه عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) كان هناك «تعاون ملحوظ من المخابرات السورية.. ثم تقطعت العلاقات، الا انها استؤنفت حديثا». وكان مصدر اميركي قد أعلن في وقت سابق ان الغارة كانت تستهدف قياديا عراقيا في تنظيم القاعدة يدعى ابو غادية. ووفقا للصحيفة البريطانية فان التخلص من ابو غادية يأتي لصالح الحكومة السورية بسبب انتمائه الى تنظيم اسلامي متطرف معاد للنظام السوري العلماني. وتقول الصحيفة نقلا عن المصدر الاميركي إن بلاده تتصل بدمشق عبر قناة خلفية تدار من خلال ادارة المخابرات الجوية السورية. وتوضح الصحيفة، ان رد الفعل السوري الغاضب الذي أعقب الغارة، جاء بسبب ان الهجوم خرج عما اتفق عليه الطرفان؛ إذ وافق السوريون على اغماض أعينهم على ما يفترض انه غارة «اعتقال وانتزاع» هادئة، غير انهم لم يستطيعوا ان يغضوا الطرف على اطلاق نار قتل فيه العديد من الاشخاص. وبحسب المصدر الاميركي، فان المخابرات السورية هي التي نقلت الى القوات الاميركية معلومات عن اماكن وجود ابو غادية، الأمر الذي مكن المخابرات الاميركية من رصد مكانه بدقة عن طريق تتبع هاتفه الجوال حيث ووجهت المروحيات الى مقره. وتقول الصحيفة ان الخطة الاميركية ـ السورية اقتضت ان يتم اعتقال ابو غادية ويأخذوه الى العراق للتحقيق معه، في عملية سريعة لا تسال فيها الدماء. وتضيف الصحيفة انه عند اقتراب الهليكوبترات الاميركية من الحدود السورية، تمكنت اجهزة الرادار السورية من رصدها، وطلبت القوات الجوية في دمشق من التصريح بالتدخل، إلا ان طلبها لم يستجب له من قبل قادة جيش كبار لأن الغارة الاميركية كانت متوقعة. وليس من الواضح الخطأ الذي حصل والذي تم بمقتضاه تغيير مسار الخطة. وترجح الصحيفة ان المسلحين تمكنوا من مشاهدة الهليكوبترات لدى اقترابها منهم، الامر الذي أسفر عن تبادل اطلاق النار بين الجانبين. الى ذلك، أكدت مصادر برلمانية عراقية مطلعة أن وفدا من لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي سيتوجه خلال الايام القليلة القادمة الى سورية لـ«توضيح موقف الشعب العراقي من الغارة الاميركية».

وأشار مصدر من داخل لجنة العلاقات الخارجية لـ«الشرق الاوسط»، رافضا الكشف عن اسمه، ان هذا الوفد سيتكون من اعضاء من داخل اللجنة وخارجها وقد تمت الموافقة على ذهابهم الى سورية من قبل رئاسة البرلمان العراقي. وأكد ان الوفد سيشرح للبرلمانيين وللمسؤولين السوريين موقف البرلمان العراقي من الغارة، مشيرا الى ان البرلمان كان قد أصدر بيانا استنكاريا حول الحادث في اليوم الاول للغارة.

من جانبها، أكدت أسماء الموسوي عضو الهيئة السياسية للتيار الصدري، ان «الوفد البرلماني الذي سيتوجه الى سورية سيعبر عن وجهة النظر البرلمانية الشعبية والتي كان من المفترض ان تقوم بها الحكومة العراقية خصوصا بعد التصريح الذي ادلى به الناطق الرسمي باسمها علي الدباغ عندما قال ان الغارة صحيحة لأنها مكان لتسلل الارهابيين الى العراق».

وقالت الموسوي لـ«الشرق الاوسط» إن «الجانب الاميركي والحكومة العراقية مطالبان بتقديم اعتذار للجانب السوري»، مشيرة الى ان «مخاوف دول الجوار من الاتفاقية الامنية ستكون أكبر بعد توجيه هذه الضربة الى سورية لأن أرض العراق ربما ستستخدم لضرب أراضيهم بعد وجود القوات الاميركية بشكل مشرعن عبر الاتفاقية الامنية».

وكانت الحكومة العراقية قد أمرت بإرسال افواج طوارئ الى حدودها مع سورية إثر ورود أنباء عن سحب قوات من حرس الحدود السوري عن مواضعه، رغم عدم وجود أي تأكيد سوري رسمي عن أنباء الانسحاب.

وقال قائد العمليات في وزارة الداخلية اللواء عبد الكريم خلف، أمس «ارسلنا قوات من حرس الحدود وشرطة الانبار لتغطية بعض المناطق المهمة التي يمكن ان يحدث من خلالها تسلل باتجاه الاراضي العراقية».

من جهته، أكد قائد شرطة الانبار، اللواء طارق يوسف العسل «إرسال ثلاث سرايا من شرطة المحافظة الى مواقع حدودية لملء الفراغ بعد انسحاب القوات السورية من مراكزها على الحدود». وأضاف أن «قواتنا انتشرت تحسبا لحدوث اي طارئ (...) قواتنا تسيطر على الوضع في الحدود وسنمنع تسلل أي شخص الى العراق». وتساءل العسل «ما الذي فعلته القوات السورية في السابق؟ (...) كانت موجودة لكن المتسللين كانوا يدخلون متى يريدون الى العراق».

من جانبها، رفضت مصادر سورية التعليق على تلك الأنباء. وقالت المصادر لـ«الشرق الاوسط»، رفضت الكشف عن اسمها، إنها «لا تعلق على كلام الصحف»، وان «سورية ما تزال تنتظر الرد الرسمي من الجانبين العراقي والأميركي لمعرفة لماذا جرى ذلك». وكان وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري قد بحث مع نظيره السوري وليد المعلم سبل تطويق واحتواء التوترات بين البلدين، على ما افاد بيان لوزارة الخارجية.

وأوضح البيان ان «المعلم اجرى مساء السبت (أول من أمس) اتصالا هاتفيا بزيباري وتم تأكيد حرصهما المشترك لتعزيز وتدعيم العلاقات الثنائية بين البلدين وضرورة تجاوز التوتر الذي ساد العلاقات في اعقاب الغارة». وتابع البيان ان «تفاهما جرى بين الجانبين على بعض الإجراءات العملية لتصحيح مسار العلاقات ووضعها في اطارها السليم»، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وكان مجلس الوزراء السوري قد «عبر عن استنكاره واستغرابه الشديدين لما صدر على لسان الناطق باسم الحكومة العراقية وتبريره غير المقبول وغير المسؤول لهذا العدوان الغادر الذي انطلق من الأراضي العراقية ضد بلد عربي مجاور». وقرر «تأجيل موعد اجتماع اللجنة العليا السورية العراقية المزمع في بغداد 12 و13 نوفمبر (تشرين الثاني)».