بساتين النخيل في منطقة أبي الخصيب مهملة.. وشط العرب يقضم مساحات منها لصالح إيران

بعد أن كانت عامرة وأماكن للتأمل ومصدر إلهام للشعراء

جانب من بساتين النخيل في منطقة أبي الخصيب على امتداد شط العرب («الشرق الأوسط»)
TT

تعاظمت عوامل التراجع والإهمال في قضاء أبي الخصيب (30 كم جنوب البصرة) بما يهدد مستقبل المنطقة والقضاء على أبرز معالمها، وهي التي كانت تتمتع إلى وقت قريب بجمالية فريدة حيث تتعانق أشجار النخيل في بساتين واسعة تتفيأ تحت ظلالها الأشجار المثمرة بين حافات الجداول والأنهر الصغيرة المتفرعة من شط العرب، وهي أيضا أماكن هادئة تدعو إلى التأمل وأسهمت في الهام الشعراء ومنهم بدر شاكر السياب وسعدي يوسف وطالب عبد العزيز وآخرون خلدوا أماكنها بقصائدهم. فمجرى شط العرب يلتهم مساحات واسعة من الجرف العراقي بشكل يومي لإضافة مساحات جديدة إلى اليابسة الإيرانية في الضفة الأخرى للشط، وتلوث المياه يزداد ضراوة فضلا عن عزوف الفلاحين عن إعادة زراعة المساحات الفارغة التي ذبحت الحروب نخيلها وانقطاع الملاكين الخليجيين من اصحاب البساتين عنها واستمرار تهريب الفسائل إلى دول الجوار وجفاف عشرات الأنهر وتعرض المنطقة إلى العشوائية.  وقال مصدر عسكري في (قيادة عمليات البصرة)، طلب عدم ذكر اسمه «إن ما يهمنا في المنطقة هو توفير الجانب الأمني ومنع المتسللين والمهربين من الدخول إلى الأراضي العراقية بعد عبور شط العرب الذي يعد مانعا مائيا سهلا..»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن القوات الأمنية «شرعت أولا بترحيل العشوائية التي سيطرت على أراضي الغير بالمنطقة بعد عام 2003 وصارت مأوى للمطلوبين للعدالة وتنظيم حملات مداهمة وتفتيش لأهداف تشكل مصدر قلق، وفرض حراسات مشددة ونقاط مراقبة للحدود البحرية». وأكد عبد الله السلمان (عضو في الجمعيات الفلاحية) أن فلاحي المنطقة ابتداء من شمال أبي الخصيب وحتى الفاو «لم يحصدوا من النظام الجديد غير الوعود؛ فلا تعويض ولا قروض زراعية ولا مشاريع إروائية ولا إعمار ولا مكافحة للآفات الزراعية التي عادة ما ترشها الطائرات الزراعية ولا رفع للسواتر الحرب الترابية ولا إبدال لأعجاز النخل الخاوية التي تشغل مساحات واسعة ولا معالجات لتآكل ضفاف شط العرب التي تعد من أهم وأخصب الأراضي في المنطقة..»، مشيرا إلى ان هذه العوامل أدت إلى عزوف الفلاحين عن الاستمرار بزراعة النخيل والاكتفاء بما تنتجه بقايا البساتين وترويج الفسائل وخاصة للنخل البرحي الذي يعد من أشهر الأنواع». ويعد أهل المنطقة من أشهر مزارعي ومنتجي ومصنعي التمور، وتفننوا في صناعتها، وتطورت هذه الصناعة  بشكل كبير منتصف القرن الماضي،  وصار التمر يصدر بعلب أنيقة وبمختلف الأحجام، فانتشرت المكابس الكبيرة على ضفتي شط العرب بفضل التجار الكبار، من الذين فتحوا لهم فروعاً في لندن ونيويورك وبيروت وغيرها، وصار اسم «بيت حنا الشيخ» و«بيت جوك» و«بيت اصفر» و«مارين» و«الداود» وغيرها علامات مشهورة في عالم هذه الصناعة. ولم يبق من تلك الصناعات إلا القليل وأعداد محدودة تشتهر بترويج عسل التمر (الدبس) والخل وحلاوة (نهر خوز). وأكد ملاحون وبحارة في محافظة البصرة لـ«الشرق الأوسط» أن مجرى شط العرب الذي تقع منطقة ابي الخصيب على امتداده الآن ليس كما كان في أواسط السبعينيات التي حصل فيها الجانب الإيراني على نصف الشط بموجب اتفاقية الجزائر، وبات خط التالوك هو المرتسم الحدودي البحري بين البلدين يعد استمرار الشط بجرف أكثر من مائتي ألف طن من الأطيان سنويا من الجانب العراقي وتوسيع اليابسة في الجانب الآخر، وهو ما أكدته الدراسات التي أعدتها وزارة الموارد المائية، وبات موضوعه على طاولة بحث المشاكل العالقة بين البلدين.

ويرى ضباط متقاعدون عملوا في القوات البحرية العراقية، أن عمليات جرف اليابسة العراقية قد جعلت جزيرة أم الرصاص وسط مجرى الشط ذات الأهمية التعبوية على مستوى السوق العسكري أكثر قربا للجرف الإيراني الذي يتمتع بتوفر عقد مواصلات مهمة في ميناء المحمرة (خرمشهر) بالتسمية الإيرانية ووجود مطار في عبادان، مما يجعل الجزيرة ضمن اهتمامات القادة الإيرانيين المستقبلية بلعب دور اكبر في منطقة الخليج العربي. وتوقع هاشم محمد علي (عقيد متقاعد) «وضعت القيادة العسكرية الإيرانية الجزيرة ضمن اهتماماتها ومن المتوقع ان يقفز الجيش الإيراني مرة أخرى إليها إذا سنحت الظروف الإقليمية والدولية وخاصة بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق، لما تشكل هذه الجزيرة من أهمية تعبوية مهمة». يذكر ان الجيش الإيراني احتل الجزيرة قبل أكثر من عامين، بادعاء البحث عن أجهزة تنصت ومراقبة وضعتها القوات الأميركية للتجسس.