اهتمام الشباب بالانتخابات.. دفع المرشحين لتوظيف الإنترنت للتواصل معهم

الجمهوريون يتوجهون للنساء وكبار السن والديمقراطيون للطبقات ما دون الوسطى وصغار السن والغاضبين من سياسة بوش

ريك ديفيس مدير حملة ماكين يستمع الى المرشح الجمهوري في تجمع انتخابي في نيو هامبشير أمس (أ.ف.ب)
TT

يتوجه الناخبون الاميركيون اليوم الى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد لولاية تمتد لاربع سنوات، خلفا للرئيس جورج دبليو بوش الذي قضى في الرئاسة فترة ولايتين متتاليتين وهي الفترة الاقصى التي يسمح بها الدستور الاميركي لمنصب الرئيس. وأصبحت الانتخابات الاميركية حديث العالم هذه الايام، ولكنها في الولايات المتحدة حديث الساعة والشغل الشاغل لكل مواطن اميركي خصوصا في المناخ الحالي الذي تسوده المصاعب الاقتصادية وعدم وضوح الرؤية في استشراف المستقبل، اقتصاديا وسياسيا.

ولوضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بنظام الانتخابات الاميركية لا بد من توضيح بعض الحقائق منها مثلا ان هناك الكثير من القيود على نفوذ وسلطة الرئيس. فهو مثلا لا يستطيع تعيين او فصل حكام الولايات، وعليه ان يحكم بالاقناع والتفاهم وليس بالقوة. ولا يجب ان ينسى المراقب قوة الكونغرس الذي تجري انتخاباته، بالاضافة الى ثلث اعضاء مجلس الشيوخ، بالتوازي مع الانتخابات الرئاسية يوم الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وهناك ايضا قضاة المحكمة العليا وعددهم تسعة قضاة، منهم اربعة محافظون وخمسة ليبراليون. وهذا التوازن يمكن ان يتغير حيث يعين الرئيس هؤلاء القضاة، بعد تقاعد او وفاة اي منهم. ايضا تختلف الولايات عن بعضها البعض في نظم الانتخابات التي تتبعها.

ويقول الدكتور كلايد ويلكوكس، المحاضر في العلوم السياسية في جامعة جورجتاون، ان هناك العديد من العوامل الفاعلة التي تؤثر على قرار الناخب الاميركي في انتخابات هذا العام منها حالة الاقتصاد والحرب في افغانستان والعراق. ويقرر كل ناخب ما يراه يصب في مصلحته بين برنامج الحزب الجمهوري الذي يمثله ماكين ونائبته سارة بالين، وبين برنامج الحزب الديموقراطي، ويمثله أوباما ونائبه بايدن. واهم الفوارق بين الحزبين هي رغبة أوباما في تعميم التأمين الصحي وتمويل ذلك برفع الضرائب على الاثرياء وخفضها على الطبقات الادنى، اما ماكين فهو يدعم مواصلة الحرب على الارهاب وبرامج اعادة تنشيط للاقتصاد مع عدم استمرار التدخل الحكومي بعد استقرار الاوضاع المالية. ويؤكد ويلكوكس ان كلا المرشحيّن يؤيد جهود البيئة ويوافق على اتفاقية كيوتو، وكلاهما يؤيد ارسال المزيد من القوات لافغانستان، بينما يواجه ماكين ضغوطا لتحديد موعد انسحاب من العراق، بينما يطالب البعض اوباما بفترة زمنية اطول للانسخاب من العراق. ويعتقد ويلكوكس ان كلا المرشحين سوف يعيدان النظر في وضع غوانتانامو.

وبغض النظر عن احصاءات الرأي حول تقدم احد المرشحين وتقهقر الاخر، فان القرار الاخير يتخذه الناخب الاميركي، عبر انتخابه نوابا يختارون نيابة عنه احد المرشحين، عبر نظام ابتكره الاباء المؤسسين للولايات المتحدة بحيث لا يكون انتخاب الرئيس بالتصويت المباشر او عبر تصويت اعضاء الكونغرس فقط، ويسمى هذا النظام (Electoral College) ويحصل من خلاله المرشح الرئاسي على تصويت نواب عن الناخب وفق نظام كل ولاية يتعهدون بانتخاب المرشح الذي صوت له الناخبون.

وتقول متحدثة من مركز الاعلام الاجنبي في واشنطن ان هذه الانتخابات اثارت اهتماما غير مسبوق من الاعلام الدولي الذي توافد الى الولايات المتحدة لتغطية احداثها. وتعامل المركز هذا العام مع اكثر من 150 صحافيا اجنبيا، كما ساهم في جدولة جولات مئات اخرين. وكانت المشكلة الرئيسية التي واجهت معظم الصحافيين هي عدم وجود فرصة لقاءات مع المرشحين للرئاسة.

الملاحظ في حملة هذا العام استخدام العديد من التقنيات الجديدة في كافة جوانب الحملة الانتخابية واقبال الجيل الجديد على تطويع هذه التقنيات للتعبير عن الاراء السياسية. ويلاحظ أرون سميث الذي يعمل في مؤسسة ابحاث خيرية لا تهدف الى الربح اسمها «بيو» ان صغار السن يستخدمون الانترنت بكثافة. واضاف ان استخدام الانترنت في الحملات الانتخابية ليس جديدا وانما يعود الى عام 1996 حينما استخدمها المرشح بوب دول لتقديم معلومات عن حملته، ولم تكن التقنية حينذاك فعالة وانما كانت من طرف واحد.

واستخدمت الانترنت بعد ذلك في حملات عامي 2000 و2004 لتدبير التمويل وتنظيم الدعاية. وهذا العام تستخدم كلا الحملتين من الجمهوريين والديموقراطيين العديد من المواقع الجديدة مثل «يو تيوب» و«كويك» و«تويتر» و«فيسبوك» و«اكتبلو» و«نترووت». وتعلم المرشحون القيمة العالية لهذه المجالات التفاعلية خصوصا في الاتصال بالشباب. وفي كل الاحوال فان التفاعل مع جمهور الناخبين يكون طريقا في اتجاهين للحديث والاستماع وليس للتوجيه فقط.

وتقول الباحثة الاميركية جولي جيرماني من كلية الادارة السياسية بجامعة جورج واشنطن، ان نسبة 70 في المائة من التعداد الاميركي يقضي بعض الوقت على الانترنت، ونصف هؤلاء يقوم بمساهمة فعالة مثل البريد الالكتروني او كتابة «بلوغز» او الاعمال التطوعية. واشارت الى ملاحظة نجاح حملة اوباما في تحقيق اكبر حجم من التبرعات الصغيرة عبر الانترنت، اكثر من اي حملة انتخابية سابقة في التاريخ. ولكنها اضافت ان حملة ماكين استخدمت الانترنت ايضا واستبدلت الاعلانات التلفزيونية بلقطات «فيديو كليبس» عرضتها عبر الانترنت لتوفير النفقات. واضافت ان «في الحملات الانتخابية لا بد من النظر الى الاعلام على انه فرصة وليس خطرا».

وبلغ الحد بالتقنية انه يمكن تطويعها لملاءمة احتياجات الافراد عبر المعلومات المتاحة عنهم. فقد لوحظ مثلا ان حملة اوباما استخدمت تقنية تتعرف على ما سبق للافراد بثه على الانترنت، فلو كتب احدهم ان والدته مصابة بسرطان الثدي، فان الرسالة التي تصله تشير له ان قراره الانتخابي مهم لوالدته وان عليه ان يبحث عن الناخب الافضل لنظام الرعاية الصحية، وهكذا.

ويشرح البروفيسور أد غريف من جامعة جورج واشنطن ان الانتخابات هي اسلوب حياة أميركي فهناك 90 ألف هيئة منتخبة في أنحاء الولايات المتحدة. وهو يعبر عن رأي خاص بالقول «في الانتخابات لا ينجح احد وانما يخسر الاخرون». وهو يشرح الاستراتيجية الانتخابية الناجحة بالقول ان على المرشح ان يضمن قاعدته الانتخابية ثم يقوم بالتركيز على هؤلاء الذين يميلون الى افكاره ولكنهم غير ملتزمين. وعليه ان ينسى بالمرة هؤلاء الذي يخالفونه في الرأي لان جهده سيذهب هدرا من دون ان يغير من ارائهم. وفي الساعات الاخيرة يجب ان يعود المرشح الى قاعدته الانتخابية لضمان صمودها. وهو يشير الى استراتيجية تعتمدها حملة الحزب الجمهوري بالتركيز على اخر 72 ساعة من الانتخابات وهي الفترة التي يتم خلالها تغيير رأي الناخبين من مرشح لآخر. ويتوجه الحزب في حملته الى الصوت النسائي والى كبار السن والى الجمهوريين في الخارج كدواعم رئيسية للحملة، بينما يتوجه الحزب الديموقراطي إلى الطبقات ما دون الوسطى وصغار السن وفئات المهاجرين والغاضبين من مسار السياسات الحالية. ويجمع اوباما هذه الفئات تحت شعار «التغيير». ويقول البروفيسور غريف ان ترشيح سياسي اسمر اللون لمنصب الرئاسة الاميركية تغيير جذري تماما وغير مسبوق. وفيما يعتقد غريف بأن ترشيح اوباما هو دليل على قدرة الشعب الاميركي على التغيير، يعتقد استاذ اخر هو مايكل ماكدونالد من جامعة جورج ماسون الاميركية ان مسألة اللون ما زالت قضية رئيسية في المجال السياسي الأميركي وان لون أوباما يكلفه على الاقل نسبة اثنين الى ثلاثة في المائة من الأصوات. ويعتقد ماكدونالد ان ولاية اوهايو حيوية في تقرير مصير انتخابات هذا العام.

أما بالنسبة الى نزاهة الانتخابات، فهناك ضوابط كثيرة تقوم بها جهات حكومية وغير حكومية من اجل ضمان نزاهة العملية الانتخابية. من نماذج هذه الضوابط منع الدعاية الانتخابية في داخل مجال مراكز الاقتراع (لمسافة 12 مترا على الأقل) والتزام الحياد التام من موظفي هذه المراكز تجاه الناخبين وعدم الحديث اليهم او شرح العملية الانتخابية لهم حتى لا تكون هناك اي شبهة تفضيل مرشح على اخر. ويعمل الموظفون في فرق تحت اشراف رقابي، وبالطبع ليس مسموحا لهم الاشتراك في اي دعاية انتخابية. وهناك مفتشون محايدون ينتشرون بين الدوائر الانتخابية ومراكز الاقتراع لمراقبة سير العمل فيها وفق الاصول المتعارف عليها.

من الضوابط الاخرى ما تقوم به عدة سلطات منها جهات غير حكومية لمتابعة كافة التبرعات التي تقدم للمرشحين والتأكد انها تطابق معايير الشفافية. ويتعين على كل مرشح تسجيل كافة التبرعات التي تصل الى حملته وتزيد في قيمتها عن 200 دولار، وهي معلومات متاحة للجميع وفق قانون حرية النشر، كما انها تمثل درجة شفافية غير متاحة في اي مكان اخر في العالم. ويوجد حد اقصى للتبرع من الافراد هو 108 آلاف دولار، ولا يسمح للاجانب بالتبرع. وفي بعض الاحيان يتم رفض تبرعات من جهات يمكن لها ان تضر بسمعة المرشح مثل بعض جهات الضغط او الافراد من ذوي السمعة غير النظيفة. هذا وتجري عملية الانتخاب يوم الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ولكن العديد من الولايات تسمح بالاقتراع المبكر للاميركيين في الخارج والمسافرين في هذا التاريخ او في الحالات الخاصة التي يتم الاقتراع فيها بريديا.

(بالاتفاق مع مركز التواصل الإعلامي بالسفارة الأميركية في لندن)