أغلى انتخابات في تاريخ أميركا

أوباما أول مرشح ديمقراطي يجمع تبرعات أكثر من المرشح الجمهوري منذ 40 عاما

اوباما يحيي مناصريه في جاكسونفيل بفلوريدا امس (أ.ف.ب)
TT

بلغ الانفاق الانتخابي في حملة الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونغرس هذا العام 5.3 مليارات دولار، لتصبح بذلك أغلى انتخابات تشهدها الولايات المتحدة في تاريخها. ومقارنة بالعام 2004، فقد بلغ الانفاق الانتخابي حينها 4 مليارات دولار. وهذا العام، المرشح الديمقراطي باراك أوباما وحده جمع تبرعات بلغت تقريبا مليار دولار. وفي خلال شهر واحد فقط، جمع أوباما أموال تبرعات بلغت 150 مليون دولار، وكسر فيها الرقم القياسي لاكبر مبلغ تبرعات يجمعها مرشح في شهر واحد. وسجل اوباما رقما قياسيا ثانيا، وهو انه اول مرشح للحزب الديمقراطي، منذ الرئيس ليندون جونسون، قبل اربعين عاما، يجمع تبرعات اكثر من تبرعات مرشح الحزب الجمهوري. وحسب ارقام جديدة نشرتها جريدة «يو اس ايه توداي»، حتى آخر تقرير اصدرته لجنة الانتخابات، جمع اوباما سبعمائة مليون دولار تقريبا (حسب التقرير، صرف منها اكثر من ستمائة مليون دولار، وبقى عنده نقد يزيد عن خمسين مليون دولار. لكنه، بعد صدور التقرير، جمع مائة وخمسين مليون دولار خلال الشهر الماضي).

وسجل اوباما حقيقة تاريخية اخرى، وهو انه استفاد من خطوة يرى مراقبون انها خطأ، ويراها غيرهم انها صوابا، وهو انه رفض ان تمول الحكومة الاميركية حملته، حسب قانون الهدف منه منع اعتماد السياسيين على التبرعات، وخاصة من الشركات ورجال الاعمال. قال الذين انتقدوه (مثل مذيع التلفزيون الجمهوري المحافظ اورايلي) انه ادبيا، خرق قانونا اصدره الكونغرس بهدف فصل المال عن السياسة، وأنه فتح المجال امام تبرعات شعبية، عن طريق الانترنت، التي يمكن ان تفسد العملية الانتخابية، لا ان تفيدها.

في الجانب الآخر، قال مراقبون مثل ستيوارت تايلور في مجلة «ناشونال جورنال»، ان العملية الديمقراطية الحقيقية لا تضع حدا للاموال التي يصرفها السياسي، وذلك اعتمادا على قرار كانت اصدرته المحكمة العليا التي تفسر الدستور، لأن حرية التبرع جزء من حرية الرأي.

واذا استمر اقبال المتبرعين على اوباما بالنسبة نفسها حتى اليوم، يوم التصويت، ربما سيحقق اوباما رقما تاريخيا آخر، وهو جمع ما يقارب مليار دولار. واذا فعل ذلك، يكون جمع اكثر من ضعف ما جمع منافسه السناتور ماكين، اربعمائة مليون دولار، حتى آخر تقرير اصدرته لجنة الانتخابات. وبحسب تقرير اصدره مركز «كامبين ليقال» (قانونية الحملات الانتخابية)، تاريخيا، لم يكن الحال هكذا: فكان دور التبرعات المالية في العملية الانتخابية اقل بالمقارنة مع تبرعات عينية، مثل استضافة المرشحين والناخبين. وكانت التبرعات المالية اقل (اشارة الى متوسط دخل الفرد الذي تضاعف خلال نصف قرن تقريبا). كما كانت كثير من التبرعات غير معلنة رسميا (في البداية، لم تكن هناك لجنة انتخابات فيدرالية تراقب الصرف المالي).

في يناير (كانون الثاني) الماضي، قال مايكل تونر رئيس اللجنة، ان الانتخابات الرئاسية ستكلف مليار دولار، وانتقد هذا الامر قائلا ان معناه ان كل مرشح للانتخابات الاولية (لا الرئاسية) يجب ان يجمع مائة مليون دولار، قبل ان يرشحه حزبه او لا يرشحه. الا ان الوضع تغير كثيرا منذ ان قال رئيس اللجنة هذا قبل عشرة أشهر. وكان الوضع سيتغير اكثر اذا ترشح مايكل بلومبيرغ، عمدة نيويورك وصاحب مليارات الدولارات. وكان قد قال، اعتمادا على موقع «بلومبيرغ» الذي يملكه، انه سيصرف مليار دولار من جيبه الخاص. وكان سيرفع كثيرا الرقم القياسي الحالي لتكلفة الانتخابات.

لكن اسوأ من ذلك، كان سيهز العملية الانتخابية لانه كان سيتخطى الانتخابات الاولية، وسيتخطى مؤتمر الحزب، وسيعتمد على ملياراته. غير ان الملياردات والمليونيرات ليسوا الوحيدين المسؤولين عن تدفق المال اكثر واكثر في العملية الانتخابية. فأخيرا، ظهرت تبرعات الانترنت. ومرة اخرى، استفاد اوباما من هذه الظاهرة. غير ان رون بول، مرشح الحزب الجمهوري الذي خاض الانتخابات الاولية، لكنه فشل في الحصول على ترشيح حزبه، جمع، يوم 16 ديسمبر (كانون الاول)2007، ستة ملايين دولار عن طريق الانترنت. وسجل رقما قياسيا.

وحسب تقرير في صحيفة «واشنطن بوست»، فقد صارت تبرعات الانترنت الان تواجه اكثر من انتقاد، اذ تحولت العملية الانتخابية الى عملية مالية، بصورة او اخرى. كما انه لا توفر تسجيلات لاسماء المتبرعين وجنسياتهم وعناوينهم. لم تنع «واشنطن بوست» قانون التبرعات للحملة الانتخابية (يتبرع بدولار كل دافع ضرائب كل سنة)، لكن نعته جريدة ليبرالية اخرى، هي «منيابولس ستار تربيون» التي كتبت مؤخرا في افتتاحية: «فاز اوباما، او فاز ماكين، دخلت هذه الانتخابات التاريخ تحت عنوان «انتخابات المليار دولار» (ربما ستكون مليارين). غيرت هذه الانتخابات الاميركية بصورة لم تحدث من قبل». واضافت: «لن نقدر على التهرب من الانترنت ومن تبرعاته. وربما يجب ان يدفعنا الانترنت الى قلب الموضوع رأسا على عقب: بدل الاعتماد على الاغنياء، يعتمد السياسيون على الفقراء».