طالما تم اعتبار مدينة لاهور على أنها قلب باكستان الثقافي والفكري والفني. كما اشتهرت بشعرائها وكتابها وحدائقها ومزاراتها التاريخية التي خلفتها الإمبراطورية المغولية. وربما وصلت الفوضى التي تسبب فيها المسلحون إلى العاصمة الباكستانية، إسلام أباد، لكنها نادراً ما كانت تقتحم أبوابَ هذه المدينة التي ترعرع فيها الكثيرُ من أبناء النخبة الباكستانية العلمانية التفكير. بيد أنه في الأسابيع الأخيرة، وجد الذعر طريقه إلى المدينة، حيث وقعت سلسلة من التفجيرات الصغيرة بالإضافة إلى التهديدات الأخرى، والتي كشفت مدى تعمق الخوف من الجماعات المسلحة التي تسير على نهج طالبان داخل نسيج المجتمع الباكستاني.
ففي 7 أكتوبر (تشرين الأول)، انفجرت ثلاث قنابل صغيرة في محال للعصير بضاحية غاري شاهو المكتظة بالسكان. وكانت تلك المحال ـ والتي نالت شهرة على أساس أنها «أماكن للمواعدة» ـ تقدم غرفاً مغلقة للأزواج من الشباب حيث يمكنهم تبادل العناق، وقد دمرت تمامًا خلال التفجيرات التي أسفرت عن مصرع شخص، وإصابة 7 آخرين. وأعلنت جماعة مجهولة حتى الآن تطلق على نفسها اسم ـ تحريك الحياة ـ مسؤوليتها عن الحادث، وحذرت من هجمات اضافية ضد «مراكز الفجور» بالمدينة. وفي 9 أكتوبر، تلقى شابير لابها ـ رئيس اتحاد التجار المحليين ـ خطابا بخط اليد غير موقع يهدده بتفجير أكبر سوق في لاهور للموسيقى وشرائط الفيديو. وفي اليوم التالي، تلقى مكالمة هاتفية من مجهول يطلب منه ـ إذا كان في استطاعته ـ أن يفعل أيَّ شيء حيال عمليات بيع اسطوانات وشرائط الـ«دي في دي» الإباحية في السوق. ويروي لابها، لدى جلوسه بمكتبه قائلاً: «طمأنت المتحدث بأنني يمكنني القيام بذلك». وفي غضون يوم، سلم التجار أكثر من 60 ألف شريط فيديو إباحي وحرقوها جميعًا أمام أعين قوات الشرطة، والمسؤولين الحكوميين، وحشد كبير من الجماهير. ويقول لابها: «إننا غير متأكدين إذا كانت تلك التهديدات جاءت من طالبان أم لا، إلا أن انفجار القنبلة في غاري شاهو جعلنا قلقين. فلم نكن نريد خوض أي مخاطرة». في الحقيقة، إن هذا الخطاب الوحيد مجهول المصدر استطاع إحداث هذا المشهد الذي فاجأ الجميع هنا. وحذر البعض من أن الحياة السمحاء، والليبرالية التي تتمتع بها لاهور باتت في خطر داهم من عمليات شرطة أخلاقية على النمط الطالباني، والتي عادة ما نجدها فقط في البؤر الأكثر توترًا عبر البلاد مثل المنطقة الحدودية الشمالية الغربية. ففي تلك الأماكن مثل المدن المتاخمة للمناطق القبلية، حيث يقبع الكثير من الجماعات المسلحة ـ طالما هاجمت طالبان محال الشرائط الموسيقية بصورة متكررة. أما في لاهور ـ عاصمة إقليم البنجاب ـ فتشتهر سوق شرائط الموسيقى والفيديو في «هول رود» ببيع الأفلام الإنجليزية والهندية، بالإضافة إلى التجارة السرية المزدهرة للأفلام الإباحية؛ الأمر الذي يعتبر مخالفًا للقانون. وعلى مدار أكثر من عقدين، جذبت تلك المحال الصغيرة بالساحات المزدحمة القذرة المشترين من جميع الأنحاء. ورغم الإجراءات الصارمة والتحذيرات المتكررة، اتضح أن الشرطة غير قادرة على إيقاف تجارة الأفلام الإباحية. وبناءً عليه، بدا أن شبح طالبان حقق في يومٍ واحدٍ ما لم تتمكن الشرطة القيام به منذ سنوات. في تلك الأثناء، كتب أحمد رفاعي علام ـ كاتب عمود صحافي في صحيفة «نيوز»، إحدى أبرز الإصدارات الصحافية اليومية بالبلاد ـ أن «إضفاء الطابع الطالباني على لاهور قد بدأ». ويشير مونيس إلهي ـ عضو المجلس المحلي ـ إلى استجابة التجار والبائعين، والذين يقول عنهم إنهم يبدون اهتماماً أكبر بالحفاظ على موارد رزقهم عن التصدي للتهديدات الجديدة: «كنت مندهشًا للغاية، فالتجار أرادوا استرضاء المتطرفين». ومن هذه اللحظة، استمر التهديد النابع من التفجيرات الانتحارية في نشر بذور الخوف بين المواطنين، على الرغم من أنه تبين زيف الكثير من الخطابات والمكالمات الهاتفية بعد ذلك. وأشار مونيس إلى أن أحَدَ أصدقائِهِ المقربين ضاق ذرعًا بالتهديدات الموجهة للمدرسة التي يذهب إليها ابنه، لدرجة دفعته للتفكير مليًا في السفر إلى دبي. على صعيد آخر، رفض مسؤولو الشرطة المخاوف المتعلقة بـ«إضفاء الطابع الطالباني» على أساس أنها مبالغ فيها، كما قلل من أهمية التهديدات. ويقول برفيز راثور ـ قائد شرطة لاهور ـ «وفقا لتقييمنا، فإن هذا الخطاب ما هو إلا خدعة، كما أنه عمل محلي مزعج». وعلاوة على الخوف، كشفت أحداث «هول رود» عن الشقاق المجتمعي في لاهور بين النخبة الليبرالية بالمدينة والاهتياج المحافظ للفئتين العاملة والمتوسطة، حيث برر البعض أو دعم هذه التهديدات واستجابة التجار لها. ويشير إعجاز حيدر، المحرر بصحيفة «ديلي تايمز» أحد أكبر الصحف البريطانية إلى أن حرق الاسطوانات لا يعني بالضرورة تحول تجار ـ هول رود ـ إلى متشددين بين عشية وضحاها، «إن ذلك يبرز براغماتية التجار».
ويقول خليل رحمان كوجاتي، أمين الغرفة التجارية لتجار «هول رود» إن الأخطار كانت في الحقيقة نعمة «فقد كنا نحاول القضاء على بيع الأشرطة الإباحية منذ أمدٍ بعيدٍ، ولكن دون جدوى، وقد ساعدنا الخطاب في التخلص منها». ويشير كوجاتي إلى أنه لن يكون هناك تسامح مع بيع تلك الأفلام المخلة، وبعد أيام قلائل من حرق الاسطوانات، وجد أحد أصحاب مجلات أشرطة الفيديو يبيع الأفلام الإباحية مرة أخرى «فقمنا باعتقاله وسودنا وجهه وطفنا به في السوق».
ويدافع سعيد أحمد الذي يملك محل عصائر إلى جانب ثلاثة محلات أخرى تعرضت للهجوم الشهر الماضي قائلا «ما حدث كان للأفضل، فهم لم يخدموا محال العصير وفقط، فالأفلام الإباحية كانت تدخل إلى الحجرات الخاصة التي يقيمها بعض الأفراد الذين يحصلون على المال ممن يستأجرونها». ولا يزال رضا أحمد رومي الكاتب والمدون الذي يفخر كثيرًا بمدينته يصر على أن «التطرف لا يحظى بالكثير من التأييد فيها، وأن الحياة الثقافية في لاهور ماضية في طريقها كما كانت منذ قرون». وقال إن المسرحية الأخيرة «فندق موينجودارو» التي تناهض التطرف تجذب الكثيرَ من المشاهدين. غير أنه أشار إلى أن حادثة هول رود وتفجيرات محلات العصائر باتت مزعجة، وقال «إذا ما تحول التجار الذين يشكلون الغالبية الوسطى بالمدينة إلى الصف الطالباني، فإن المظهر العام للمدينة سوف يتغير، وهو ما يثير القلق في أوساط المفكرين العلمانيين والصفوة في لاهور».
* خدمة «نيويورك تايمز»