انتخابات العام 2008.. علامة فارقة في تاريخ الولايات المتحدة

الحزب الديمقراطي يرشح أسود لا يتحدث عن العرق.. والجمهوري يثور على مبادئه ويرشح امرأة للمنصب الثاني

TT

انتخابات الرئاسة الاميركية لعام 2008 ستكون علامة فارقة في تاريخ الولايات المتحدة السياسي، وقد لا توازيها، كما يقول مايكل مكدونالد من معهد بروكينز للدراسات الاستراتيجية، إلا انتخابات عام 1960 بين مرشح الحزب الديمقراطي الصاعد جون كنيدي ومرشح الحزب الجمهوري ريتشارد نيكسون . وتوقع ماكدونالد أن تكون المشاركة في عملية الانتخابات بحدود نسبة 64% من الناخبين المسجلين، ويعتبر هذا رقما قياسيا في تاريخ أميركا الانتخابي حيث أن نسبة المشاركة كانت دائما لم تتجاوز نسبة 50% من الناخبين.

وقد تميزت انتخابات هذا العام منذ بدايتها بأطياف وبألوان متعددة، حيث سجلت ترشيح أول امرأة للرئاسة (هيلاري كلينتون) وصعود أول مرشح أسود من أصل أفريقي إلى قمة الحزب الديمقراطي، باراك أوباما. وما يميز أوباما عن القس الأسود جيسي جاكسون الذي خاص الانتخابات الأولية عام 1984 وعام 1988 هو أن الأول خاض حملته الانتخابية باسم أميركا وباسم شرائح الطبقة الوسطى.

لقد كان دخول القس الأسود جيسي جاكسون الناشط في حركة الحقوق المدنية معركة الانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي عام 1984 حدثا تاريخيا بكل المقاييس على اعتباره أول مرشح من الحزب من أصول أفريقية يصل إلى مصاف النخبة السياسية للحزب الديمقراطي. وكما يرى المؤرخون السياسيون أن حملتي جاكسون عامي 84 و88 من القرن الماضي كانتا فاشلتين، وركزت بالدرجة الأولى على قاعدة جماهير السود من أصول أفريقية وراهن أكثر على ولايات الجنوب بحكم وجود الأغلبية السوداء فيها. وما يسجل لجاكسون من انجازات أنه استطاع أن يخلق قاعدة من الناخبين السود للمشاركة في العملية السياسية، وأصبحت منذ تلك الفترة قاعدة مهمة للحزب الديمقراطي سواء في الانتخابات التي قادها الرئيس الأسبق بيل كلينتون أو حتى في الحملة الانتخابية التي قادها كل من آل غور والسيناتور كيري وفي حملة الرئاسة الأخيرة.

واستطاع أوباما، الذي استوعب درس جاكسون، أن يرتقي السلم بهدوء تحت شعار التغيير والأمل، وأن يكسب ود الطبقة الوسطى الأميركية وذوي الياقات الزرقاء، وأن يكسب الجيل الجديد من الشباب، من خلال حملة تتجاوز مسألة العرق والجنس. وقد لوحظ أنه لم يتطرق إلى موضوعة العرق والتمييز العنصري إلا مرة واحدة بعد انفصاله عن راعي كنيسة شيكاغو جيرمي رايت.

وقد استفاد باراك أوباما من الاستراتيجية التي وضعها دين هوارد رئيس الحزب الديمقراطي الحالي ومرشح الحزب في انتخابات عام 2000 والتي تتمثل في الاستفادة من الانترنت في خلق حركة ديناميكية وحيوية بين الشباب، وكذلك في دعوة هوارد إلى اجتياح الولايات التي توصف بالحمراء التي تعتبر تقليديا قاعدة للحزب الجمهوري. واستطاع اوباما في حملته النشطة والمخططة بدقة في استخدام الانترنت بطريقة لم يسبق لها مثيل واستطاع أيضا من خلال هذه الثورة أن يحدث قطيعة بين جيل الشباب والجيل الذي سبقه، وتمكن أن يسجل رقما قياسيا في جمع التبرعات لحملته الانتخابية من دون أن يعتمد على مساعدات الحكومة الفيدرالية.

فالأثر التاريخي الذي سيتركه أوباما سيكون كبيرا وقد يتفوق على الأثر التاريخي الذي حققه جون كنيدي باعتباره أصغر رئيس اميركي من أصول كاثوليكية يفوز بمنصب الرئاسة. ففوز أوباما أو عدم فوزه هو علامة فارقة في التاريخ الحديث الأميركي قد تترتب عليه مراجعة لمفهوم النخبة السياسية ولمفهوم الطبقة الاجتماعية ولمفهوم العرق واللون.

وما يميز انتخابات هذا العام ليس فقط صعود نجم سياسي من الأقلية السوداء وانما صعود المرأة لتلتحق مع النخبة السياسية التي ظلت لفترة طويلة حكرا على الرجل. فالأثر الذي تركته هيلاري كلينتون قد يوازي أثر صعود نجم أوباما كمرشحة للرئاسة عن الحزب الديمقراطي. وأول اثر لدور كلينتون يتمثل في مغامرة مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة السيناتور جون ماكين باختيار حاكمة ولاية الآسكا سارة بالين كمرشحة لمنصب نائب للرئيس. وكان هذا الأختيار أول حدث في تاريخ الحزب الجمهوري الذي تميز بنزعته المحافظة وبنزعته التطهيرية. فصعود سارة بالين على مسرح السياسة الأميركية حدث تاريخي بكل المقاييس بالنسبة للحزب الجمهوري. وكان الحزب الديمقراطي أول من لجأ الى اختيار المرأة لهذا المنصب المهم عندما اختار مرشح الحزب الديمقراطي والتر مانديلا جيرالدو فيرارو عام 1988 كمرشحة لنائب الرئيس.