طريق أوباما للفوز: غزو معاقل الجمهوريين.. بعبارة واحدة

استغل الديمقراطيون كل أخطاء حملة ماكين.. وصنعوا واحدة من أمهر الحملات في تاريخ أميركا

عائلة أوباما تحتفل بالفوز في شيكاغو بعد اعلان النتائج (إ.ب.أ)
TT

النصر الكبير الذي حازه المرشح الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الاميركية، باراك اوباما، لم يكن يخطر على بال حتى أكثر انصاره تفاؤلا. فلم يحرز اوباما فوزا كاسحا في اصوات المجمع الانتخابي فحسب، بل حصد أكثر من 53 مليون صوت من اصوات الناخبين الاميركيين، مقابل نحو 48 مليون لجون ماكين، الكثير من هذه الاصوات كانت أصوات بيض اميركيين. نتائج الانتخابات تعبر عن الطريقة التي تغيرت بها اميركا على مدار الخمسين عاما الماضية، فمن بلد كان منقسما حرفيا بين «مجتمع أبيض» و«مجتمع اسود»، أظهرت النتائج مجتمعا مختلف الملامح تماما، بات فيه ما يسمى الاقليات العرقية «السود» و«اللاتينيون» يشكلون «صوتا حاسما» في الانتخابات، بل وحتى «الاغلبية الجديدة». وفي ردود الفعل الاولى على فوز اوباما شبه كثيرون فوزه بـ«صعود الانسان للقمر» و«سقوط حائط برلين». ففوز اوباما «ثورة اميركية» جديدة وإعادة تعريف لاميركا وجغرافية الاعراق فيها. فكيف حقق اوباما هذا الفوز؟ هناك عوامل عديدة متداخلة لعبت دورا اساسيا في فوز اوباما؛ على رأسها وبلا منازع الطريقة التي أدار بها اوباما حملته. فعندما قال المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة جون ماكين ان: «اساسيات الاقتصاد الاميركي قوية» خلال احدى جولاته الانتخابية في سبتمبر (ايلول) الماضي، لم يكن يدري أن هذه العبارة ستكلفه الرئاسة الى حد كبير. فهو قالها اولا لطمأنة الناخبين والمستهلكين الاميركيين، ولاظهار تفائله وإشاعة انطباع ان الاقتصاد الاميركي تحت ادارة جورج بوش الابن لم يصل الى درجة الانهيار التي وضح أنه وصل اليها بعد ذلك في شهر اكتوبر (تشرين الاول) الماضي عندما ضربت الازمة المالية قلب «وول ستريت» وغيرت قواعد اللعبة تماما في اميركا سياسيا واقتصاديا كما تكشف اول من امس. فالارقام تشير الى أن الاقتصاد كان القضية الاساسية خلال هذه الانتخابات، إذ قال نحو 63% من الناخبين إنهم صوتوا بناء على الاقتصاد، وأغلبية من قالوا هذا صوتوا لاوباما بنسب لا تقل عن 80%. وإذا كان اللون قد لعب دورا ايجابيا لصالح اوباما في هذه الانتخابات، فإن العامل الاخر الحاسم الذي لعب لصالحه هو الطريقة التي أدار بها ماكين الازمة المالية في «وول ستريت»، وليس وقوع الازمة بحد ذاته. فخلال سبتمبر الماضي، كانت استطلاعات الرأي العام تشير الى تقارب بين اوباما وماكين، بالرغم من ان الاسعار ساعتها كانت مرتفعة. وكانت اميركا تعاني بالذات من ارتفاع أسعار البنزين، الا ان حملة اوباما اشتمت في جملة ماكين «اساسيات الاقتصاد الاميركي.. قوية» مدخلا للانقضاض على ماكين بوصفه شخص على غير دراية بالملف الاقتصادي. هرع مساعدو اوباما الى دان فيفير مدير الاتصالات في حملته واخبره بما قاله ماكين للتو على اساس أنه سلاح محتمل ضده يمكن ان يظهر ماكين بمظهر الشخص الذي لا يعرف حقيقة متاعب الاميركيين العاديين، وفقا لرواية مسؤولين في حملة اوباما لصحيفة «نيويورك تايمز». عندما سمع فيفير ان ماكين قال هذه العبارة لم يصدق وصرخ «قال ماذا؟»، ثم التقط أنها يمكن ان تكون خطا قويا في خطب اوباما وحملته، وأصر على هذا، فيما كان اوباما مترددا في البداية في استخدام هذه العبارة. وعندما علم ستيف شميت، كبير المخططين الاستراتيجيين لحملة ماكين، وكان ساعتها في فرجينيا، بعبارة ماكين، غادر فرجينيا على الفور وتوجه الى فلوريدا حيث كان ماكين لانقاذ الموقف، إلا ان حملة اوباما كانت قد أخذت العبارة وبدأت اللعب عليها. فأنتجت حملة اوباما اعلانا دعائيا يظهر ماكين وهو يردد هذه العبارة التي اصبحت بمثابة الظل الذي رافق ماكين طوال حملته. وكانت الطريقة التي تعامل بها الطرفان مع عبارة ماكين «منبها» لتأثيرها الكبير المحتمل، مما جعل الـ«يوتيوب» والصحف والمواقع الالكترونية تهتم أكثر بالعبارة وتروج لها. لكن الحادث كله لم يكن الا تلخيصا للفارق الشاسع بين الحملتين الجمهورية والديمقراطية، ففيما كانت الحملة الجمهورية ترتكب الاخطاء من يوم لآخر وتحاول تداركها وتدفع جزءاً من تكلفتها وسط اصوات الناخبين، كانت حملة اوباما تبني قوتها بالتقاط أخطاء الحملة الجمهورية، مقابل ارتكابها نسبة قليلة جدا من الأخطاء. وتقول «نيويورك تايمز» ملخصة اسباب فوز أوباما: «قصة رحلة اوباما الى قمة السياسة الاميركية هي قصة حملة كانت، حتى في عيون الكثير من اعدائها، تقريبا بلا أي عيوب». واليوم وبعد اعلان النتائج النهائية التي حقق فيها اوباما فوزا تاريخيا بكل معنى الكلمة، يعتقد ان حملته ستدرس مستقبلا لمعرفة الطريقة التي عملت بها والتي قادت اوباما للفوز بالرغم من أنه بحسب ما قاله في خطاب الانتصار «لم أكن ابدا المرشح الاوفر حظا للفوز بالمنصب»، ربما بسبب خلفيته العرقية واسمه الغريب وكونه أفريقياً والاشاعات عن كونه مسلما وعربيا و«غريبا او دخيلا» على المجتمع الاميركي.. اقاربه ما زالوا في كينيا وعمته في اميركا بشكل غير قانوني. وقالت فاني ابرهام، وهي من الناشطات السود في حي هارلم لـ«الشرق الأوسط» ان أحد الاسباب الجوهرية لنجاح حملة اوباما هو انه تعمد ألا يستغرق في القضايا الصغيرة او الرد على الاتهامات التي كانت توجه له بشكل دوري، موضحة: «الحملات دائما فيها جانب رديء. لو كان اوباما دخل في صراع الشتائم لكان خسر الصورة الايجابية الحالمة المثالية عنه. في هذه الانتخابات كانت الصورة مسألة مهمة جدا، كذلك الشعارات. لم يقدم اوباما نفسه على أنه مجرد مرشح، بل على أنه قائد. لم يتحدث عن السود فقط، بل عن كل الاميركيين. لم يكن اوباما مجرد رجل سياسي، كان حالما سياسيا. هذا ما خلقته حملته عن جدارة واستحقاق».

وكان الاثنان الأكثر تأثيرا في حملة اوباما هما ديفيد اكسلرود، صديق قديم لاوباما ومخطط حملته الاستراتيجي، وديفيد بلوف مدير حملته الانتخابية، وكلاهما لم يشارك قط من قبل في حملة انتخابية رئاسية، ناهيك من خوض غمار انتخابات عامة رئاسية، ولم يكونا على معرفة بمتطلباتها، فيما استعان منافسو اوباما الاساسيون في الانتخابات التمهيدية مثل هيلاري كلينتون وجون ادواردز، وماكين نفسه بخبراء متخصصين في الحملات الانتخابية.

لكن قلة خبرة بلوف واكسلرود لعبت في بعض المناطق لصالح حملة اوباما، فعلى سبيل المثال قام الاثنان باكتشاف اساليب لتمويل الحملة حتى من أصغر المتبرعين، وذلك بعدما رفضا دعماً فيدرالياً. ساعتها لم يكن احد يتوقع ان تتمكن حملة اوباما من جمع كل هذه التبرعات، إلا أنها نجحت بالتعاون مع آلاف المتطوعين من الشباب والمتحمسين للحزب الديمقراطي الذين كانوا يجمعون تبرعات من اي شخص بغض النظر عن حجم تبرعه. كما استخدمت الحملة الانترنت والتليفونات واليوتيوب والدعاية. وإذا كان جيش المتطوعين أحد أنجح اشكال حملة اوباما، فإن القرارات التي اتخذتها الحملة ايضا دلت على الطريقة المحكمة التي كانت تعمل بها والتي كانت بعيدة عن تأثير الاجواء السياسية، بالرغم من صعوبة ذلك. فبعد اعلان الحزب الديمقراطي اختيار اوباما لتمثيله في الانتخابات بدلا من هيلاري كلينتون، ارتفعت اصوات عديدة تطالب بوضع هيلاري على البطاقة الرئاسية لضمان اصوات النساء، الا ان الحملة وبعد تشاور معقد بين اوباما واكسلرود وبلوف قررت اختيار جوزيف بايدن، وبدا هذا ساعتها قرار «أمن» فحسب، الا ان التطورات اللاحقة أظهرت ان القرار لم يكن آمناً فحسب، بل اعطى لأوباما قدرة أكبر على كسب اصوات الطبقة الوسطى البيضاء، وهو ما اوصله للبيت الابيض.