البيض صوتوا لأوباما بالنسبة نفسها التي صوتوا فيها للمرشحين الديمقراطيين الثلاثة قبله

رئيس اتحاد المنقبين عن الفحم في غرب فرجينيا كان يدعو السكان للاختيار بين «صديق أسود» و«عدو أبيض»

TT

بعد فوز باراك أوباما بالانتخابات الرئاسية، لايزال هناك سؤال يطرح نفسه: هل ساعد الأميركيون البيض حقا في انتخاب رئيس أسود؟ تمكن أوباما من الحصول على دعم بين العديد من الجماعات الناخبة. كما لعب الأميركيون البيض دوراً كبيراً في وضع أول رئيس أسود في البيت الأبيض. وعلى الرغم من ان أوباما لم يربح غالبية أصوات الناخبين البيض، إذ لا يوجد ديمقراطي واحد حقق هذا الإنجاز منذ الرئيس ليندون جونسون في العام 1964، ولكنه تساوى مع المرشحين الديمقراطيين الثلاثة الأخيرين الذين خاضوا الانتخابات الرئاسية بين الناخبين البيض، بحسب استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة «إديسون وميتوفيسكي» بعد مغادرة الناخبين لمراكز الاقتراع. وتبين أن أوباما حصل حتى على نتائج أفضل قليلاً من تلك التي حصل عليها مرشح الحزب جون كيري في العام 2004. وبات من الواضح أن العنصرية لم تعد العقبة التي يمكن ملاحظتها، حتى بالنسبة للطبقة العاملة البيضاء في المدن الصغيرة، والتي دوماً ما كانت تعتبر أنها من أكثر المعارضين للوافدين السود الجدد من شيكاغو. القوة التي دفعت أوباما، شديدة الوضوح، وتمثلت بالاقتصاد المضطرب الذي تحول من وضعه المزعزع في الربيع والصيف ووصل إلى الحد المرعب بحلول الخريف. ولكن مع اختيار أميركي من أصل أفريقي لترؤس البلاد في وقت تعيش فيه أزمة فعلية، يكون الناخبون قد كسروا بذلك عددا كبيرا من الحقائق الراسخة منذ فترة طويلة بشأن صراع العرقية بالبلاد. فالعداء العرقي مازال كامناً بالبلاد، ولكن مع انتصار أوباما، أظهر الناخبون أن مثل هذه المشاعر لم تعد تحوم أو تؤثر على السياسات الأميركية كما كان الحال لعقود. والشيء الأكثر رمزية في هذا الانجاز: انتصار أوباما في فيرجينيا، عاصمة الفيدرالية، حيث أنهى المرشح الديمقراطي حملته الانتخابية التي دامت لـ21 شهراً في حشد انتخابي ضخم في ماناساز، بالقرب من موقع إحدى المعارك الملحمية في الحرب الأهلية. ومع خرق الافتراضات الأخيرة، أظهر أوباما أنه يمكن لمرشح واحد أن يحظى قبول الناخبين السود دون خسارة البيض، بالإضافة إلى الحصول على تأييد الناخبين من البيض دون فقدان الناخبين السود. ويقول بيتر براون، المدير المساعد في معهد الاقتراع بجامعة كوينيبياك: «إن السؤال الاهم لم يكن الأسود أو الأبيض، بل الشباب. فقد كان هو الأفضل لمعالجة الاقتصاد». ويضيف براون: «هذا الرجل كان بمجلس الشيوخ قبل 5 سنوات، وقد قرر الأميركيون ائتمانه على البلاد، ولا أعتقد أنني سأبالغ إذا قلت أن تلك النتائج توضح أن المواقف العرقية قد تغيرت». وتعزز تحالف أوباما في غضون أسبوع واحد من الحملة الانتخابية وتحديداً في وسط سبتمبر (أيلول)، وذلك بعدما بدأ عمالقة وول ستريت الماليين في الانهيار، والانهيار المفاجئ الذي طرأ على سوق الأوراق المالية. ففي هذا الأسبوع الذي ظل فيه الناخبون متشككين ومتقلبي الرأي بشأن ما يفعلونه مع عضو مجلس الشيوخ الشاب، شهدوا تقلص حساباتهم التقاعدية، وانخفاض قيم منازلهم، ومنذ هذه اللحظة، قرروا القيام بالمخاطرة. ويوم الاقتراع، أظهرت عمليات استطلاع الرأي التي تتم بعد مغادرة الناخبين لأماكن الاقتراع أن حوالي ثلاثة أرباع الناخبين تقريباً اعترضوا على الطريقة التي كان يباشر بها جورج بوش شؤون البلاد. كما أظهرت الغالبية العظمى من الأميركيين أنهم مستعدون لتجريب شيء مختلف. في تلك الأثناء، وجه الرئيس المُنتخب أوباما خطاباً لمئات الألوف من مؤيديه الذين كانوا يهتفون له بوسط مدينة شيكاغو، ومن الصعب تذكر أسباب لماذا ظن الكثير من الأميركيين أن ترشيحه يعتبر بعيد الاحتمال. ونشر المعارضون الإشاعات الكاذبة عبر الإنترنت بأنه مسلم، وهي الإشاعة التي كان الغرض منها ترويع الناخبين اليهود في أوهايو وفلوريدا. كما خمن البعض أن الأميركيين اللاتينيين لن يصوتوا لمرشح أسود، وأن النساء ـ الغاضبات على هزيمة هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية ـ إما سيصوتن لجون ماكين أو سيبقون في منازلهن، كما أن منهم من ظن أن الناخبين الشباب لن يصوتوا لأوباما الأسود كما أملت حملته الانتخابية بشدة. ومع ذلك أوضح يوم الانتخاب عكس كل هذه التوقعات. وقد تفوق أداء أوباما مقارنة بمن سبقوه من الديمقراطيين في الماضي. فقد تفوق على الجموع الكبيرة التي حصل عليها جون كيري بين اليهود والبروتستانت، والكاثوليك خلال ترشحه لمنصب الرئاسة عام 2004. وفي الوقت الذي اقتسم فيه كيري أصوات الناخبات من السيدات بينه وبين بوش، ظفر أوباما بأغلبية حاسمة بين هذه الفئة. وطبقا لدراسة نشرتها ناشيونال جورنال للاقتراعات التي تتم على الناخبين بعد الخروج من اللجان الانتخابية، حصل أوباما على أربعة أصوات من أصل كل عشرة من الرجال البيض، وهي نسبة أعلى مقارنة بآخر المرشحين الديمقراطيين الخمسة لتولي منصب الرئيس، كما حصل أيضاً على نصف أصوات المستقلين من البيض. أما الأميركيون اللاتين والذين تودد كلا الجانبين اليهم بالحملات الإعلانية ذات اللغة الإسبانية، فقد مضت أعداد غفيرة منهم إلى انتخاب أوباما. حتى أن ماكين الذي يحظى بشعبية بين الأميركيين اللاتينيين، نال ثلاثة أصوات من كل عشرة من هذه الفئة؛ وهو ما يعد انخفاضاً كبيراً مقارنة بنسبة الـ45% التي حازها بوش منذ 4 سنوات ماضية. وفي الوقت الذي نجح فيه أوباما في توسيع قاعدة التحالف الديمقراطي، بعدما جلب معه أعضاء جددا من مجلسي الشيوخ والنواب في الولايات الجمهورية، بداية من فلوريدا وحتى نورث كارولينا، بات من الواضح أن الجمهوريين يواجهون في الوقت الحالي احتمالية تضاءل شديد بحزبهم. لقد أوضحت النتائج أن بوش وماكين قد تركا الحزب الجمهوري يناشد ويلجأ إلى المحافظين من البيض في الوقت الذي يرمز فيه صعود نجم أوباما للتعددية الثقافية المتزايدة في أميركا. فعلى سبيل المثال، زادت حصة جمهور الناخبين من الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية بقدر ضئيل، وذلك حسبما أفادت شبكة استطلاعات الرأي التي تتم بعد الخروج من اللجان الانتخابية. وكانت هذه النتيجة بلا شك جراء الاستحسان الناجم عن ترشح أوباما لمنصب الرئاسة، والاستراتيجية المتعمدة من حملته الانتخابية لتسجيل ناخبين جدد والتواصل مع السود الذين لم يشاركوا في الانتخابات في الماضي. وقد ذهبت ولايتان بالغتا الأهمية، وهما أوهايو وفلوريدا التي كان فاز بهما بوش عام 2004، وكلا الولايتين كانتا تفخران بالتنوع العرقي المتزايد فيهما. ففي ميامي التي تعتبر بمثابة عالم عرقي صغير يضم أعدادا سكانية كبيرة من السود والأميركيين اللاتينيين، نال أوباما أكثر من 140 ألف صوت، أي أكثر ثلاثة مرات من الحد الذي حازه الديمقراطيون قبل أربع سنوات. أما في بينيلاس كاونتي المتاخمة لتامبا بولاية فلوريدا، حيث تعادل كل من بوش وكيري في السابق، حصل أوباما على 40 ألف صوت.

ومع ذلك، تبقى الأعداد الأكثر طمأنينة بالنسبة لاستراتجيي أوباما هي تلك النتائج التي حصل عليها بين الناخبين البيض؛ خاصة تلك التي حاز عليها من الطبقة العاملة في الضواحي الرئيسية. وقد أثارت تعليقات أوباما المثيرة للجدل خلال الانتخابات التمهيدية والتي أشار فيها إلى الطبقة العاملة الأميركية «التي تشعر بالمرارة» في معرض انتقاده لانتشار السلاح، الكثير من المخاوف بشأن قدرته على الفوز بأصواتهم في الانتخابات العامة. من ناحية أخرى وفي الأسابيع الأخيرة من الانتخابات، سعت حملة ماكين بشدة للاستفادة من وصف أوباما على أنه من بين النخبة، حيث دفعت بسباك مغمور من أوهايو عبر العناوين الرئيسة لتصوير أوباما على أنه ليبرالي يهدف إلى زيادة الضرائب. إلا أن أوباما كسب تأييد غالبية البيض في كامبريا كاونتي وهي المدينة المنتجة للفحم غرب بنسلفانيا، كما كسب أيضاً تأييد الناخبين في أوهايو التي تعتبر القبلة القديمة لصناعة الفولاذ والصلب في يونغستاون. بل حتى في المنطقة المنتجة للفحم بغرب فيرجينيا، قلل أوباما من خسائره هناك، وربما يعود السبب في ذلك إلى الزيارتين اللتين قام بهما إلى المنطقة، والجهد الحاشد للحملة لنشر بذور الطمأنينة بين المتشككين من البيض بأن سياساته هي الأفضل لحياتهم، حيث قال رئيس اتحاد المنقبين عن الفحم تكراراً للسكان المحليين خلال الأسابيع الأخيرة، إنهم يمكنهم انتخاب إما «صديق أسود» أو «عدو أبيض».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاصة بـ«الشرق الاوسط»