الرئيس المنتخب أقنع الناخبين بأفكار متناقضة وقد يضطر إلى تبديل أولوياته بسبب الإقتصاد

تحديات الأشهر المقبلة تطرح تساؤلات عن أي أوباما سيحكم أميركا

أنصار أوباما يرفعون الأعلام الأميركية ويهتفون فرحا لحظة إعلان فوزه في انتخابات الرئاسة فجر أمس (أ.ف.ب)
TT

فاز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الاميركية بعدما أقنع الناخبين بقبول مزيج من الأفكار المتناقضة تتمثل في قيادة تعتمد على مبادئ للتغيير وأخرى لإعادة الثقة تتناقض مع بعضها بعضا. مزج سيناتور ولاية إلينوى بين الأهداف الطموحة ونزعة الحذر، وتعهد بتخفيض الضرائب وتوفير رعاية صحية أفضل وبرامج طاقة جديدة ونظام مالي، كل ذلك في نفس الوقت، و دون المشاكل والصعاب التي ظهرت في الماضي عند تناول تلك القضايا. وفي الوقت الذي يستعد فيه أوباما للانتقال للبيت الأبيض، يصبح المجهود اللازم لتنظيم الساحة السياسية التحدي المحدد خلال الأشهر المقبلة. ويطرح ذلك تساؤل: أي باراك أوباما سوف يحكم في المرحلة المقبلة؟

فهو ليبرالي طموح للغاية، وهو يشعل نزعات حزبية كان من المفترض أن يتجاوزها. كما أنه وسيط حذر للغاية يمد يده للوصول إلى حلول وسط مع الجمهوريين، ويخاطر بخسارة الحيوية والمثالية التي جذب عن طريقهما الملايين. وستكون أمام الرئيس المنتخب مساحة صغيرة من الوقت لا تسوده فيها المشاكل وهو يسعى لتحقيق التوازن الذي وعد به. فالولايات المتحدة تعاني من مآزق اقتصادية خطيرة. وينتظر حزبه الديمقراطي أن تتاح له الفرصة منذ إدارة الرئيس بيل كلينتون ليقوم بما يريد. ومن غير المحتمل أن تخف حدة معارضة الحزب الجمهوري المحافظة على الرغم من أنها تضررت كثيرا. وسيركز الرئيس الجديد أولا على تحقيق الاستقرار في الاقتصاد، حسبما يقول مستشارو أوباما وشخصيات بارزة في الحزب الديمقراطي. وسيسعى وراء تحقيق مكاسب تشريعية كبيرة بالاستفادة من دعم من كلا الحزبين. ومن المحتمل أن يؤجل بعض أهدافه الكبرى، تلك الأكثر إثارة للجدل، الأمر الذي قد يجعل بعض مناصريه الليبراليين يعانون من إحباط ما بعد الانتخابات. وفي خطاب فوزه في شيكاغو، حذر أوباما مناصريه قائلا: «المنحدر الذي أمامنا شديد الانحدار، وقد لا نحقق النجاح خلال عام واحد أو حتى خلال مدة رئاسية احدة... ستكون هناك عقبات وبدايات خاطئة، وسيكون هناك الكثيرون الذين لن يتفقوا مع كل قرار اتخذه وكل سياسة أتبناها.» ويقول مستشارون إن الاقتصاد المتردي هو السبب الأكبر في هذا الحذر، حيث بات الوضع الاقتصادي الأولوية الكبرى أمام الحكومة الفيدرالية، وغطى على كافة المخاوف الأخرى. ويقول ليون بانتا، الرئيس السابق لمكتب كلينتون: «أولا، يجب معالجة الوضع الاقتصادي، وإذا لم يتم إعادته إلى طريقه الصحيح، فسيقوض ذلك من كل الأولويات الأخرى التي يجب إنجازها.» وربما يمرر الكونغرس الحالي حزمة اقتصادية تحفيزية جديدة بنهاية العام الحالي، وإذا لم يقم بذلك، فربما يكون ذلك أول أمر على أوباما التعامل معه. وإذا قام الكونغرس بتمرير هذه الحزمة المتوقعة، فمن المحتمل أن يطالب أوباما بالمزيد، ويتضمن ذلك تعديل التخفيضات الضريبية للطبقة الوسطى التي كانت شيئا محوريا في حملته، كما أنه سيروج لمشروعات بنية تحتية ومشروعات طاقة من شأنها أن توفر وظائف في الوقت الذي تتزايد فيه البطالة. ويذكر أن أوباما قال خلال خطابه الأسبوع الماضي: «سنوفر مليوني وظيفة جديدة عن طريق إعادة بناء الطرق والجسور والمدارس المتهدمة، وسأقوم باستثمار 15 مليار دولار سنويا في مصادر لتوفير الطاقة المتجدد لتوفير 5 ملايين وظيفة جديدة في قطاع الطاقة على مدى العقد القادم، تلك الوظائف التي تعطي مرتبات جيدة ولا يمكن تعهيدها لآخرين».

وسيخلق هذا الإنفاق مشكلة في الميزانية أمام الرئيس الذي وعد بتقليل العجز الفيدرالي المتضخم، ويعني ذلك نقاش في الكونغرس بين المنفقين الكبار وصقور الميزانية، حتى بين الديمقراطيين أنفسهم. ولكن، إذا ما انزلق الاقتصاد إلى مرحلة ركود، الأمر الذي يقارن بفترة الكساد الكبير في الثلاثينات من القرن الماضي، سيكون النقاش مقيد بصورة أكبر مقارنة بالماضي. ولكن كل ذلك حتى مرحلة معينة. ويتساءل وليام غالستون، الذي كان مساعدا لإدارة الرئيس كلينتون: «هل ثمة قيود للإنفاق يمكن أن يعتمدها أوباما خلال فترته الأولى؟ يرى الكثيرون أن ذلك غير ممكن، وحيث أننا ننفق كثيرا جدا، فلن تضر 150 مليار دولار إضافية. وعلى أوباما أن يقرر حجم تمويل المصروفات العامة عن طريق الاقتراض الذي يمكن أن يتحمله سوق السياسة، فإذا وصلت الميزانية إلى تريليون دولار، ستواجه البلاد أزمة أشد».

ولكن، أية أولويات يحتمل تقليل أهميتها أو تأخيرها؟

المرشح الأساسي لذلك هو خطة أوباما لتوفير رعاية صحية تقترب من العالمية، ويقول مساعده إنها ستتكلف 50 مليار دولار سنويا على الأقل، في الوقت الذي تشير فيه تقييمات مستقلة إلى أنها قد تكون أكبر. وبدلا من التحرك للأمام بخطة شاملة، وهذا منحى دفع بكلينتون إلى مواجهة عقبة كؤود خلال ولايته الأولى، فربما يختبر أوباما عقبات أبسط.

وفي الصيف الماضي، قال السيناتور السابق توم داسكل، أحد مستشاري أوباما ويتوقع أن يكون رئيس مكتبه في البيت الأبيض، إن إصلاح الرعاية الصحية سيكون تمريره أمرا أكثر سهولة «إذا ما تعاملنا معه شيئا فشيء» بدلا من التعامل معه كبرنامج إصلاح ضخم مرة واحدة. ويقول راهم إيمانول، النائب الديمقراطي عن ولاية إلينوى ومستشار أوباما، إن الرعاية الصحية ما زالت أولوية كبرى، ولكنه أضاف أنه سيكون راضيا إذا ما تم تقديم «عربون» خلال الولاية الأولى لأوباما. ويقول مستشارون أنه يمكن التعامل مع مقترحات الطاقة الطموحة للرئيس المنتخب بالقطّاعي، وتحظى بعض الأمور بشعبية كبيرة مثل استثمارات الطاقة البديلة لتوفير الوظائف التي أكد عليها أوباما الأسبوع الماضي. ولكن قد تكون هناك صعوبات أكبر أمام مقترحات لقيود شديدة على انبعاثات البيوت الزجاجية من مصانع توليد الطاقة أو المنشئات الأخرى، لأنها تفرض كلفة جديدة على منتجي الطاقة. ويقول هيثر هيجينبوتم، وهو مستشار السياسة الداخلية لحملة أوباما: «سيكون ذلك أمرا يصعب تمريره».

ويتناقش بعض الديمقراطيين في الوقت الحالي حول ما إذا كان يجب إعادة النظر في التخفيضات الضريبية للطبقة الوسطى التي وعد بها أوباما وذلك لتقليل الزيادة في الميزانية. ويقول ويل مارشل من مجلس القيادة الديمقراطي الوسطي: «يجب أن تكون لديه القدرة على إقناع البلاد بأن بعضا من وعوده يمكن تأجيلها».

وعليه، فإنه بدلا من التركيز على أهداف أوباما ذات التكلفة الكبيرة، فإن مستشاريه والقيادات الديمقراطية في الكونغرس يعكفون على إعداد قائمة من البنود التي يسهل تمريرها بدعم واسع من كلا الحزبين. ويرى هؤلاء إن أفضل شيء لتتمكن إدارة أوباما من تحقيق نجاح في البداية هو بتحقيق سلسلة من النجاحات الجذابة المبكرة، وسيحاولون الوصول إلى أرضية مشتركة مع الجمهوريين إن أمكن ذلك. ويقول بانتا: «لتحقيق نجاح في البداية، يجب تجهيز مجموعة من الأشياء القليلة، والتأكد من أنها ستحقق نجاحا، فهذا يعطي إشارة للكونغرس والمواطنين تفيد بأن الرئيس جاد في إداراته للبلاد».

ومن الأمور الرئيسية المرشحة في البداية هو توسيع برنامج التأمين الصحي للأطفال داخل الولايات بتوفير الرعاية الصحية للمزيد من الأطفال داخل الأسر ذات الدخل المنخفض، ويمكن تمويل ذلك برفع الضرائب على التبغ. ويقول إيمانويل إن تحقيق تقدم في البرنامج الصحي للأطفال سيضمن لأوباما إنجازا سريعا وواضحا في قضية يوافق عليها معظم الناخبين، ويشبه ذلك كثيرا مشروع قانون الإجازة الصحية والعائلية الذي مرره كلينتون في العام الأول من توليه لمنصب الرئيس. ويقول مساعدو أوباما إن الأولوية الثانية في البداية ستكون في توفير تمويل فيدرالي لأبحاث خلايا الجنين، وفي عام 2007، استخدم الرئيس بوش حق الفيتو ضد مسودات قوانين خاصة بتمويل أبحاث الخلايا وقام بتوسيع التأمين الصحي للأطفال.

ولا يعد إيمانويل المستشار الوحيد لأوباما الذي ينظر في دروس العام الأول لكلينتون في منصب الرئيس الذي لم يكن عاما سعيدا، عندما ضغطت قيادات الحزب الديمقراطي في الكونغرس على الرئيس الجديد، وكانت النتيجة خسارة الحزب في الانتخابات التجديد النصفي لغرفتي البرلمان في عام 1994.

* خدمة لوس انجليس تايمز ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)