مسؤولون أميركيون: الانتخابات المحلية ستحدد مستوى الاستقرار الأمني في العراق

مخاوف من تفجر صراعات جديدة طائفية وعرقية

TT

يفرض العراق أمام باراك أوباما مهمة معقدة تتمثل في العمل على سحب القوات الأميركية من حرب تفتقر إلى التأييد الشعبي بصورة حادة وتحديد ماهية الدور الذي ستضطلع به الولايات المتحدة في النضال الذي ستخوضه هذه الدولة المدمرة من أجل إعادة بناء نفسها. ومن المؤكد أن أحد أكبر التحديات أمام الإدارة الجديدة في واشنطن على صعيد السياسة الخارجية ستتمثل في كيفية انسحاب القوات الأميركية من العراق، والحالة التي سيتركون عليها العراق، بمعنى ما إذا كان سيصبح حينئذ آمناً نسبياً أم في حالة من الفوضى. من ناحيتهم، يقول المسؤولون الأميركيون إن تحديد مستوى الاستقرار الذي سينعم به العراق يعتمد على الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في أواخر يناير (كانون الثاني). وبإمكان هذه الانتخابات، إلى جانب الانتخابات التشريعية المقرر عقدها في نهاية عام 2009، إما دفع الفرق الدينية والعرقية بالعراق نحو المصالحة أو توسيع هوة الخلافات بينها. ومن المتوقع أن تشهد الانتخابات تنافسات سياسية تهيمن عليها بشدة الصراعات الطائفية والأخرى المعقدة التي يعاني منها العراق. فعلى سبيل المثال، من الممكن أن تسفر تلك الانتخابات عن تفاقم التوترات بين حزب الدعوة بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي، وهما الحزبان الشيعيان الرئيسان في البلاد. ومن المحتمل أن تعمل نتائج التنافس الشيعي الداخلي على تحديد ما إذا كان العراق سينتهي به الحال إلى التفكك إلى أقاليم تتمتع بشبه استقلال ذاتي أم سيبقى تحت مظلة حكومة مركزية قوية. من ناحيته، يرغب المجلس الأعلى الإسلامي العراقي في الضغط من أجل إقامة اتحاد فيدرالي مؤلف من تسعة أقاليم، الأمر الذي يخشى حزب الدعوة أن يهدد وحدة العراق. في هذا الصدد، أشار جوست هلترمان، الخبير بالشؤون العراقية داخل مجموعة الأزمات الدولية، إلى أن: «الخطر يتهدد البصرة والمحافظات الأخرى الغنية بالنفط. أما بغداد فهي الجائزة لمن يسعون لاستعادة حكومة مركزية قوية بالعراق». في بعقوبة، عاصمة محافظة ديالى، تمتلئ المباني بثقوب ناجمة عن رصاص، ما يذكر الجميع بالإخفاقات التي تمخضت عنها انتخابات يناير (كانون الثاني) 2005. خلال تلك الانتخابات، بقي غالبية العرب السنة في منازلهم وامتنعوا عن المشاركة في الاقتراع بسبب غضبهم من الغزو الأميركي والسياسات التي أعقبته. إلا أنه بات يجري النظر في الوقت الحالي لتلك المقاطعة باعتبارها خطأ السنة الأكبر. وفي بعقوبة، مثلما حدث في بغداد والموصل، أسهمت نتائج الانتخابات، التي منحت أغلبية غير متوازنة للطوائف والمجموعات الدينية الأخرى، في إشعال أعمال العنف. والآن، يبدي السنة من سكان المحافظة حماسهم تجاه التصويت، لكن يساورهم القلق بشأن الحكومة التي يتزعمها الشيعة. كما أنهم يتهمون بغداد باستمرار بمحاولة تخريب نفوذ السنة داخل المحافظة. جدير بالذكر أن العناصر السنية المتمردة سابقاً والمعروفة باسم جماعة «أبناء العراق»، والتي اضطلعت فيما بعد بدور كبير في التصدي لتنظيم القاعدة داخل العراق، مطلوب القبض عليها.

من ناحيته، أعرب المحافظ رعد التميمي عن اعتقاده بأن الشيعة سيفوزون بأغلبية الأصوات داخل ديالى، رغم ادعاءات السنة بأنهم يشكلون نسبة أكبر من أبناء المحافظة. اما في بغداد فانه وعلى امتداد أربع سنوات، هيمنت على المجلس المحلي أحزاب دينية شيعية. وحتى هذا العام، شكلت هذه المحافظة مصدر إحباط للضباط الأميركيين الذين سعوا لضمان توفير خدمات أفضل للمناطق السنية. ونبعت مشكلة انقطاع المياه والكهرباء في جزء منها من الأخطار المرتبطة بالجيوب السنية، علاوة على مشاعر التحيز والتحامل من قبل السلطات الشيعية. من جانبهم، يأمل السياسيون السنة الجدد، الذين سبق انتماءهم لحركة «أبناء العراق»، في إحداث تغيير في هذه المعادلة. وعليه، دخلوا في شراكة مع التكتلات البرلمانية السنية القائمة بالفعل، مثل جبهة التوافق العراقية، سعياً وراء الحصول على مقاعد برلمانية. جدير بالذكر أن العقيد رعد علي، عضو «أبناء العراق» في منطقة الغزالية، انضم إلى قائمة واحدة مع عضو البرلمان ذي التوجهات العلمانية صالح المطلك. وفي تعليقه على هذا الأمر، قال العقيد علي «هذه الانتخابات بالغة الأهمية. هذا الوقت هو لحظة نكون أو لا نكون. لا يمكن أن ندع تلك الأحزاب الدينية تحكمنا. لقد عانينا بما يكفي. ونعتقد أنه حال وصولنا إلى السلطة سيصبح باستطاعتنا محاكمتهم على جرائمهم أولاً ثم نشرع في إعادة البناء. إننا دولة علمانية. ونلنا ما فيه الكفاية من الأحزاب الدينية». وفي البصرة هناك منطقة صراعات أخرى حيث سيتنافس حزب الدعوة والمجلس الأعلى الإسلامي ضد بعضهما البعض. ويؤكد فرات الشرا، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي في البصرة، «لدينا القدرة والطموح اللازمان للفوز في الانتخابات القادمة».

على الجانب الآخر، حظي حزب الدعوة بدفعة كبيرة نتيجة مستوى الأداء الذي قدمه المالكي منذ الربيع السابق، عندما أصدر أوامره للجيش العراق بتحرير البصرة من سيطرة الميليشيات والعصابات الإجرامية. ويبدي الحزب الذي يتزعمه المالكي معارضة شديدة للرؤية التي يطرحها المجلس العراقي حول إقامة منطقة فيدرالية ضخمة جنوب العراق. وشدد علي العلاق، أحد أعضاء البرلمان عن حزب الدعوة «نعتقد أن الولاية القضائية للحكومة المركزية ينبغي أن تكون أوسع نطاقاً وأقوى عن الحكومة المحلية. إن وحدة العراق تعتمد على الحكومة المركزية. وباستطاعة نتائج الانتخابات تحديد ما إذا كان المجلس الأعلى الإسلامي سيمضي قدماً في تنفيذ رؤيته لإقامة منطقة فيدرالية بالجنوب، أم أنه سيتخلى عن هذه الفكرة في مواجهة شعبية المالكي المتزايدة بقوة.

وفي محافظة نينوى تتركز أكبر التهديدات على مستوى المناطق الواقعة شمال العراق. ويأمل العرب السنة في الفوز بأغلبية داخل المجلس المحلي بعدما أدت مقاطعتهم للانتخابات المحلية الأخيرة عام 2005 إلى فوز الأكراد بأغلبية مقاعد المجلس. وحال فوزهم، يأمل العرب في تحدي الأكراد بشأن قضايا مثل سيطرتهم الفعلية على المناطق الواقعة شمال وشرق الموصل، عاصمة المحافظة.

من ناحيتهم، يعترف الأكراد بأنه لن يكون باستطاعتهم التمتع بأكبر ائتلاف داخل المجلس المحلي، لكنهم يحذرون من أنهم لن يتساهلوا حيال التعامل مع المناطق الواقعة على حدود إقليم كردستان، الذي يتمتع باستقلال ذاتي، والتي يرون أنه تم الاستيلاء عليها في عهد صدام حسين. من ناحيته، يشعر كمال خورشيد، رئيس مكتب الاتحاد الوطني الكردستاني في الموصل، بالقلق إزاء أحد الأحزاب السنية الجديدة، والمعروف باسم الهضبة، والذي يرتبط بالسنة الذين سبق لهم العمل في ظل صدام حسين. وأشار في هذا الصدد إلى أنه: «نرغب في التعايش مع الجميع، لكن هناك عناصر في الأحزاب الجديدة... ترغب في احتكار المجلس المحلي بأكمله وإعادتنا لعهد النظام البعثي». * خدمة: «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الأوسط»