المتحدث باسم فريق حماية أوباما: خططنا لأي طارئ.. ونقل الإدارة يتطلب الكثير من التمحيص

تشديد الحماية الأمنية على الرئيس المنتخب أكبر من تلك التي يحظى بها بوش

أوباما داخل سيارته المصفحة وهو ينتقل من منزله في شيكاغو الى ناد لاجراء تمارين رياضية (رويترز)
TT

في ظل حملة الانتخابات التمهيدية للرئاسة الاميركية، وفي أحد التجمعات الانتخابية التي نظمت في جامعة ميرلاند الاميركية في شهر مارس (آذار) الماضي، كان باراك اوباما لا يزال مرشحا عاديا يقاتل للفوز بترشيح حزبه. رغم ذلك، كانت الشرطة السرية في هذا التجمع منتشرة بين مئات الآلاف من الناس الذين اصطفوا لسماع اوباما في طابور بلغ طوله ثلاثة كيلومترات. كان التفتيش دقيقا جدا وفرديا وأدى الى تأخير بدء التجمع ساعات طويلة. وعندما انتهى اوباما من كلمته واقترب منه أحد الصحافيين، قفز اثنان من رجال الحراسة الأمنية باتجاه الصحافي والتصقا به قبل ان يصافح اوباما، وعندما تبعه الصحافي ومد معه حديثا استغرق نحو 20 دقيقة، كان رجال الحراسة يشكلون طوقاً أمنياً يحيط بالمرشح ويتنقلون حواليه بخفة وسرعة.

الحراسة الامنية الخاصة التي يتمتع بها أوباما لم تبدأ بعد انتخابه، ولكنها أصبحت أكثر تشديدا. وسيحد هذا الامر من حرية تحركاته، ولن يعود مثلا باستطاعته التجول في الشارع او شراء الصحف بنفسه ولعب كرة السلة مع اصدقائه كما كان يحلو له ان يفعل في مدينته شيكاغو. وكان قد تقرر وضع اوباما تحت «الحراسة اللصيقة» منذ 18 شهراً وذلك في مايو (آيار) من العام الماضي بعد ثلاثة اشهر من اعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية. وتتولى مجموعات من مصالح الشرطة السرية التابعة لوزارة الأمن الداخلي حمايته منذ ذلك التاريخ. وواجهت فرق الحماية متاعب كبيرة مع اوباما اثناء الحملة الانتخابية حيث كانت تتنقل معه في جميع ارجاء الولايات المتحدة، وتواجه مشاكل خصوصا عندما كان يحرص على مصافحة الناخبين والاختلاط بهم. لم يحدث في تاريخ الانتخابات الاميركية ان تعززت الحراسة الأمنية حول مرشح بالطريقة التي تعززت بها حول اوباما. ومع تزايد التهديدات ضد الرئيس المنتخب، تضاعفت هذه الحراسة لتصبح أكبر حجماً من الحراسة التي تخصص للرئيس الاميركي جورج بوش نفسه.

وفي يوم القائه خطاب الفوز، ليلة الثلاثاء، كان أوباما يلوح لمناصريه من خلف زجاج عازل، لم يلحظه الملايين الذين كانوا يشاهدون التلفزيون. وجعل هذا الامر بصحيفة «الديلي اكسبرس» البريطانية الى وضع صورة اوباما وعائلته على غلاف الصفحة الاولى، وكتبت فوقها «هدف»، وهو أمر أثار استياء عارما وانتقادات كبيرة للصحيفة.

وقالت صحيفة «الديلي اكسبرس» البريطانية من جهتها ان اجراءات حماية ذات طابع عسكري اتخذت منذ الاعلان عن فوز باراك اوباما، مشيرة الى ان اوباما عندما كان يتحدث امام حوالي 160 الفا من الحشود في حديقة «غرانت بارك» في شيكاغو كان يتحدث من خلف الواح زجاجية واقية من الرصاص، وطلب منه هو وزوجته وجو بايدن نائبه البقاء عند خطوط خط حددتها عناصر من مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي آي) التي انتشرت في بنايات تحيط بالحديقة. وقالت الصحيفة ايضاً إن هناك مخاوف ان لا يصل باراك اوباما الى البيت الابيض، ويغتال قبل ذلك.

ولم تكن «الديلي اكسبرس» وحدها التي عبرت عن امن اوباما، رغم انها الوحيدة التي قد تكون تطرقت للموضوع بهذا الشكل، فقد ركزت صحيفة «ستار» الاميركية على موضوع حماية اوباما، وقالت انه وأسرته الصغيرة اصبحوا الآت تحت حراسة مشددة على مدار الساعة، بعد ان تزايدت المخاوف حول سلامته الشخصية على اعتبار انه اول رئيس اميركي من اصول افريقية في تاريخ الولايات المتحدة. وقالت الصحيفة: «سينهمك الرئيس المنتخب خلال الأشهر المقبلة في تشكيل إدارته، وخلال ذلك ربما تخطط مجموعات بيضاء متطرفة لاغتياله قبل دخوله البيت الابيض(20 يناير المقبل)».

وكانت السلطات الاميركية قد اعتقلت قبل عشرة ايام من يوم الاقتراع شابين بيضاوين من النازيين الجدد، هما دانيل كوارت وبول سشليسمان في تنيسي ووجهت لهما أمس تهم التخطيط لاغتيال باراك اوباما ومجموعة من السود، وحيازة اسلحة بشكل غير قانوني والتخطيط لسرقة متجر اسلحة. والاثنان من النازيين الجدد الاميركيين او المجموعات التي يطلق عليها ايضاً «رد نيك» وتارة تسمى حليقي الرؤوس، وهي مجموعات بيضاء يمينية معروفة في عنصريتها. وكانت السلطات الأمنية قد عثرت على أسلحة ومتفجرات في سيارتهما في 22 اكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وكان المعتقلان يخططان في البداية لسرقة متجر للاسلحة وبعدها الذهاب الى مكان يمكنهما قتل اكبر عدد ممكن من السود ثم اغتيال باراك اوباما. ويقول فريد بريتون وهو موظف سابق في الشرطة السرية ويعمل الآن في مركز دراسات مناهض للارهاب في واشنطن: «ستكون مسألة توفير حماية اوباما فريدة من نوعها وتشكل تحدياً». وأضاف: «التهديد الأمني والمخاطر والتحديات التي تحيط بحمايته ستكون صعبة. وسيتطلب الامر حجماً كبيراً من تكتيكات الحماية لابقاء حياته بعيداً عن الأشرار».

وقال تقرير عن وكالة الصحافة الفرنسية نشر امس إن المصالح الأمنية تواجه تحديات اساسية لتوفير حماية لاوباما، وان انتماءه العرقي يجعله هدفاً. وقليل من الناس يريد التطرق الى هذه المسألة مباشرة. وقال التقرير إنه لاول مرة تضطر حملته الانتخابية الى استعمال زجاج واق من الرصاص عندما كان اوباما يتحدث بعد فوزه. ونقلت الوكالة عن المتحدث بفريق الحماية الخاصة لاوباما ايد دونوفان قوله ان «تغيير الادارة الرئاسية يتطلب الكثير من التخطيط والاجراءات التطبيقية على صعيد مهمتنا لضمان الحماية»، رافضا الدخول في تفاصيل الاجراءات الامنية الجديدة وما اذا كان سيتم تعزيزها بالنسبة لاوباما. واكتفى بالقول: «نقوم بتكييفات بطبيعة الحال. وقد خططنا لأي طارئ».

يشار الى ان الوكالات التي تعنى بالحماية اخترقت صفوف الجماعات العنصرية التي يحمل انصارها مسؤولية اغتيال المدافع عن الحقوق المدنية الاسود مارتن لوثركنغ ومالكوم اكس وميدغار ايفيرس، كوسيلة لافشال محاولات لاغتيال الشخصيات التي تحميها. واغتيل ايفيرس عام 1963 برصاص اطلقه عضو في مجموعة «كو كلوكس كلان» العنصرية البيضاء التي بث موقعها الالكتروني شريط فيديو هذا الاسبوع يحذر من ادارة برئاسة اوباما. ويقول توماس روب المسؤول في هذه الجماعة في تصريح لتلفزيون «وايت برايد تي في» التابع للجماعة: «لا اريد ان اكون نذير شؤم. لكن ماذا سيحل بهذه الامة؟» واضاف: «الكثير من الاشخاص سيقلقون اذا اصبح اوباما رئيسا للولايات المتحدة. قد تكون ردة الى الوراء وستحصل يقظة وادراك لدى الكثير من البيض في هذا البلد».

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي بلغت المخاوف على حياة اوباما حداً دفع عضو مجلس الشيوخ عن ميسيسبي بيني تومسون الى توجيه رسالة الى المشرفين على جهاز الخدمة السرية للقول ان مواصفات اوباما «تطرح تحديات تتطلب اهتماما خاصا». واضاف تومسون: «بصفتي اميركيا اسود شهد على الكثير من المحطات المخزية في هذه الامة خلال النضال من اجل الحقوق المدنية. واعرف شخصيا ان حقد بعض مواطنينا قد يؤدي الى اعمال عنف حاقدة». وفي مقابلة سابقة مع صحيفة «نيويورك تايمز» تحدث اوباما عن حياته محاطا باجراءات امنية وقال: «اتمتع بافضل حماية في العالم» مرددا عبارة يقولها لانصاره «توقفوا عن القلق». وسبق ان قال اوباما قبل ذلك إنه لا يكترث كثيراً بموضوع أمنه الشخصي، وأوضح في هذا السياق «أواجه بعض التحديات الأمنية مثل أي شخص»، بيد انه تجاهل الرد على اسئلة الصحافيين عندما سئل حول ما إذا كان قد تلقى تهديدات مباشرة. وكان ميشيل شيرتوف وزير الامن الداخلي في إدارة الرئيس جورج بوش قد اتخذ شخصياً قرار «الحماية اللصيقة» لاوباما بعد مشاورات مع لجنة في الكونغرس. بيد ان مصادر رسمية في وزارة الأمن الداخلي قالت إنهم لا يملكون ادلة محددة بشأن مخاطر ضد حياة اوباما. وقال السيناتور الديمقراطي ديك ديربين عن ولاية إلينوي التي يمثلها اوباما ايضا في مجلس الشيوخ، إن لديه معلومات، بعضها ذات طبيعة عنصرية، تجعله يشعر بالقلق على سلامة اوباما. يشار الى ان الاميركيين العاديين لا يعرفون الكثير عن الشرطة السرية في بلادهم، لعدم تدخلها في شؤونهم، كما هو الشأن بالنسبة للشرطة العادية او مكتب التحقيقات الفيدرالي، وأكثر المتعاملين مع الشرطة السرية هم المسؤولون الأجانب الذين يزورون الولايات المتحدة، خاصة واشنطن او نيويورك. والشرطة السرية، على الرغم من مسؤوليتها في حماية الرئيس ونائبه، وحماية المباني الحكومية، فإنها كانت تتبع إداريا وزارة الخزانة، وليس وزارة العدل كما هو الحال بالنسبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف.بي.آي). بيد انها اصبحت تتبع وزارة الامن الداخلي منذ عام 2003 . وكانت هذه الشرطة تتبع لوزارة الخزينة، وهي الوزارة الوحيدة الملتصقة بالبيت الابيض منذ تأسيسها عام 1835 لمكافحة تزوير العملة الأميركية (الدولار)، قبل أن يتم توسيع مهامها في وقت لاحق لتشمل حماية الشخصيات وحراسة المباني الحكومية إضافة إلى التحقيق في جرائم محاولات الاغتيال والاعتداء على الشخصيات الخاضعة للحماية، والتحقيق أيضا في جرائم التزوير والنصب والاحتيال المالي.