إدارة أوباما لحملته تؤشر إلى أسلوب مثابر وهادئ في الحكم.. وبيت أبيض أكثر تنظيما

أحاط نفسه بمجموعة من الموهوبين بدون تسريب المعلومات أو حرب داخلية

جورج بوش يتحدث إلى كبار موظفي البيت الأبيض أمس (أ.ب)
TT

أثبت الرئيس الاميركي المنتخب باراك أوباما أنه واحد من ابرع المرشحين السياسيين في العصر الحديث، ولكن سيرته الذاتية أقصر من أي رئيس جاء أخيرا، ولذا يجب تأجيل المعرفة الأكيدة لأي نوع من الرؤساء سيكون أوباما حتى يتولى مهام منصبه في يناير (كانون الثاني).

فلم يكن على أوباما أن يظهر مهاراته كمفاوض مع أعضاء الكونغرس العنيدين، وقد اجتمع مع زعماء أجانب، ولكن لا يُعرف الكثير عن كيفية تصرفه في مثل هذه الاجتماعات. كما أنه لم يواجه أزمة مماثلة لما قد يواجهه رئيس. وقد قاوم في ثبات تحديد كيفية تأثير البيئة الاقتصادية والمالية المختلفة إلى حد كبير على خطته في الحكم. وقد تجنب بعض القضايا الصعبة التي سيواجهها في الأسابيع الأولى من فترته الرئاسية، وخاصة فيما يتعلق بالإنفاق.

ولكن، هناك مفاتيح كافية تشير إلى ما ستكون عليه رئاسة أوباما، كما ظهر في حملته الانتخابية التي استمرت لمدة 21 شهرا من أجل الوصول إلى البيت الأبيض، وهي تسمح بإجراء تقييم أولي.

والمقارنة بين خوض حملة انتخابية وممارسة الحكم ناقصة، ولكن مع زيادة دور تقنيات الحملة الدائمة في تشكيل الرئاسة الحديثة أصبحت الفجوة بين الاثنين أقل مما كانت عليه منذ جيل مضى. ويقول بعض الدارسين لشؤون الرئاسة والخبراء الإستراتيجيين ومستشاري أوباما إن حملته المنظمة والمتماسكة والمعتمدة على التكنولوجيا والممولة جيدا قد تكون نموذجا للفترة الرئاسية التي يأمل في تمضيتها.

لقد أثبت أوباما، مع كونه بدأ ترشيحه كمبتدئ على الساحة الوطنية، أنه مثابر وثابت وهادئ. من الممكن أن تمنح تلك الصفات الشخصية، إذا كانت موجودة في شخص الرئيس، الاستقرار الذي تحتاج إليه أية إدارة في أوقات الاضطراب، كما حدث في أوقات مختلفة أثناء الحملة. وتوحي حالته المزاجية كمرشح بأنه سيكون رئيسا لا يترك نفسه رهينة لحالات الصعود والهبوط، وتنبئ حملته بوجود تنظيم أكبر في البيت الأبيض من عهد آخر رئيسين ديمقراطيين بيل كلينتون وجيمي كارتر.

عندما شكك البعض في ترشيحه في الصيف والخريف من عام 2007، ظل أوباما مخلصا للطريق الذي وضعه مع مستشاريه في بداية الحملة. وعندما كان يعاني من انتكاسات على يد السيناتور هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية في العام الحالي، أعاد ترتيب أوضاعه بدون ضغائن، وظل في تقدمه. وعندما حدثت أزمة أسواق المال في سبتمبر (أيلول)، وانطلق السيناتور جون ماكين في اتجاهات مختلفة كرد فعل لذلك، ساعد رد الفعل المدروس الذي أبداه أوباما وحملته على إقناع المشككين بكفاءته لأن يكون رئيسا.

يقول العالم السياسي والدارس لشؤون الرئاسة تشارلز جونز: «لقد كان رد فعلهم جيدا جدا في ظل هذه الظروف، لقد كان رد فعل نموذجيا لمرشح لمنصب الرئاسة، مقارنة بماكين، الذي استجاب للحدث كسيناتور خارج عن حزبه».

وإن لم يكن هناك شيء آخر، فقد أظهر أوباما مهارة فائقة كمتحدث، وهو مفتاح آخر للوصول إلى الرئاسة في العصر الحديث. ينظر إلى رونالد ريغان، الذي كان بارعا أمام الكاميرا، باعتباره نموذجا يقاس عليه الرؤساء الآخرون. وكان كلينتون، على الرغم من اختلافه عن ريغان، أيضا موهوبا على نحو فائق بقدرته على الاتصال بالناس. وقد ظهرت موهبة أوباما الكبرى في الخطابات أمام جماهير عريضة، 125 الف شخص ليلة الثلاثاء في غرانت بارك في شيكاغو، و220 الف في برلين، و 800 الف في إنفسكو فيلد في دينفر عندما أعلن قبوله ترشيح الحزب له. وليس من المعروف ما إذا كان يستطيع البقاء جاذبا للانتباه في مواقف أقل أو أكثر حميمية، أو مقنعا في إلقاء خطابه إلى الأمة من البيت الأبيض في وقت الأزمات.

طوال الحملة، كان أوباما يتحدث عن الحاجة إلى خطة طموحة من أجل التوسع الكبير في الرعاية الصحية والتخلص من اعتماد أميركا على البترول الأجنبي. وقد قدم موجزا لخطة كبرى لتخفيض الضرائب على الطبقة المتوسطة، وفضل خطة كبيرة من الحوافز للتشجيع على النمو الاقتصادي، وتبنى خطة الحكومة بالتدخل للإنقاذ المالي بقيمة 700 مليار دولار لدعم المؤسسات المالية. وسيدور الحوار القادم حول حجم خطته المبكرة وسرعة تحركه لتنفيذها.

وأشار أحد المستشارين إلى وجود اختلاف بين الجرأة والتسرع، مضيفا أن أوباما، كرئيس، سيضع أهدافا كبيرة من أجل البلاد، ولكن وفقا لجدول زمني عقلاني. وقد أوضح أوباما ذلك في خطبة الانتصار التي ألقاها في شيكاغو في ليلة الثلاثاء، مهددا بحدوث انتكاسات وبدايات خاطئة. فقد قال: «ربما لا نحقق ما نريد في عام واحد أو حتى فترة رئاسية واحدة، ولكني لم أكن، مطلقا، أكثر تفاؤلا مما أنا عليه الليلة بأننا سنحقق ذلك».

وسيتضح ما إذا كان أوباما لديه معتقدات آيديولوجية أو إطار فلسفي مع تصرف عقلاني، مع بدئه في تحويل وعود حملته الانتخابية إلى برامج وأولويات. وقد وصفه منتقدون بأنه ليبرالي واشتراكي، وكما قالها ماكين «معيد توزيع الثروة». يدل سجله الانتخابي والبرنامج الذي خاض به الانتخابات إلى أن معتقداته تضعه في يسار الوسط. ولكن يشير حلفاء أوباما إلى تعهده بحكم شامل في مقابل هؤلاء الذين يقولون إن هدفه الحقيقي هو العمل على الأجندة الليبرالية.

يقول توم مان من معهد بروكينغز: «إنه تقدمي مخلص، ولكنه ليس داعية لفكر معين. إنه شخص عملي إلى حد كبير، عندما يواجه مواقف جديدة يكون مستعدا لتبني منهج جديد أو إستراتيجية جديدة».

وقال أحد كبار مستشاريه، الذي تحدث قبل الانتخابات بشرط عدم ذكر اسمه، إن أوباما مصمم على الوفاء بالوعد الذي تعهد به بالوصول إلى المستقلين، والجمهوريين، والنقاد، لإظهار التزامه بمحاولة توحيد البلاد وتغيير نغمة الخطاب السياسي في واشنطن. وقد قال الرئيس جورج بوش الكثير عن الشيء نفسه منذ ثمانية أعوام عندما اقترب موعد توليه الرئاسة.

وفي سعيه إلى منصب الرئاسة، أظهر أوباما قدرته على توجيه عمل كبير الحجم وشديد التعقيد. وقد تبدو أية حملة انتخابية ضعيفة مقارنة بإدارة حكومة فيدرالية، ولكن توصف حملة أوباما بنموذج للفاعلية، على الأقل في سياق عمل يسوده التشويش مثل الترشح من أجل منصب الرئاسة.

لقد أحاط أوباما نفسه بمجموعة من الأشخاص الموهوبين، ووثق بهم من أجل القيام بمهامهم. وقد أعرب عن امتنانه لمدير الحملة ديفيد بلوف وكبير الاستراتيجيين ديفيد اكسلرود ليلة الثلاثاء، ولكن كان هناك عشرات الأشخاص الذين لعبوا أدوارا مهمة وقد فعلوا ذلك بدون غيبة أو تسريب للمعلومات أو الحرب الداخلية التي كانت تشوب حملات أخرى.

وينسب المستشارون الفضل إلى أوباما في وضع نغمة منذ البداية، لا تسريبات، لا ذاتية، والجميع يسير في الاتجاه نفسه، لتتحمل التوترات التي شهدتها الحملة الطويلة. وكان جهازه السياسي كبيرا، فضم مزيجا من المسؤولين القدامى في الإدارات السابقة ومن خارجها أيضا. وبجميع الأدلة، كانت الحملة خالية من تعظيم الذات أكثر مما يكون عليه الوضع في بعض الأحيان بين دارسي السياسات والمثقفين.

ما يثير اهتمام المراقبين لـ«حملة» أوباما وهي تتحول إلى «إدارة» أوباما هو كيف سيستخدم الرئيس رقم 44 الآلية التنظيمية والابتكار التكنولوجي لحملته من أجل تقديم أولوياته التشريعية والسياسية. كانت هذه البنية هي مفتاح انتصاره، ولكن لا توجد وسيلة لتحويلها مباشرة إلى البيت الأبيض.

لقد أعطى جونز تحذيرا من ذلك، حيث تركز الحملة الرئاسية على نحو استثنائي، بل وأناني، على أمرين: المرشح ويوم الانتخابات.

لا يتمتع الرئيس غالبا بتلك الرفاهية، على الرغم من الانتباه الذي ينصب على كل خطوة يخطوها، لأن الأحداث تتطلب الاهتمام وردود أفعال. فقال: «عندما تصبح رئيسا، لا يمكنك التحكم في ذلك بالطريقة ذاتها. وهذه النقطة لا نجد عليها الكثير من الأدلة، لذا من الصعب أن نحكم على هذا الرجل».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»