أوباما «الهادئ» وبايدن «الانفعالي».. مزاجان ينبئان بدينامية مثيرة

لا يريد أن يكون مثل ديك تشيني.. وسيكون منخرطا في صياغة السياسة خصوصا باكستان

TT

لاول مرة منذ فوزه مع الرئيس المنتخب باراك اوباما، عاد، امس الخميس، نائبه جوزيف بايدن الى ولايته، ولاية ديلاوير، حيث حضر احتفالا لفوزه في منصب آخر، هو اعادة انتخابه ممثلا للولاية في مجلس الشيوخ. حسب تقليد قديم في الولاية، يعود عمره الى مائة وخمسين سنة تقريبا، بعد يومين من اعلان نتائج انتخابات الولاية لعضوية مجلس الشيوخ، يجلس المنتصر والمهزوم في عربة تجرها خيول، ويطوفان شوارع عاصمة الولاية في ما يسمى «ريتيرن داي» (يوم العودة). وامس جلست الى جانبه كرستين اودونيل، مرشحة الحزب الجمهوري التي هزمها بايدن. لكن، لن يقدر بايدن على ان يكون نائب رئيس وعضوا في الكونغرس في نفس الوقت. ولهذا، يتوقع ان يقدم استقالته، لتجرى انتخابات ثانية، قالت كرستين انها ستخوضها ايضا. وليس مؤكدا من سيرشح الحزب الديمقراطي ضدها، لكن يبدو ان المقعد مضمون للحزب الديمقراطي.

لان عادة «يوم العودة» تجمع الفائز والمنتصر، ارسلت اللجنة التي تنظمها دعوات الى الرئيس المنتخب باراك اوباما، ومرشح الحزب الجمهوري المنهزم جون ماكين، ونائبته المنهزمة سارة بولين. لكن، قالت اللجنة ان ايا منهم لم يرد على الدعوة.

وقبل «يوم العودة»، صرح بايدن للصحافيين بأنه يريد ان يكون نائب رئيس من نوع جديد: «نائب الرئيس المستشار». وكان انتقد نائب الرئيس الحالي، ديك شيني، وقال انه «اخطر نائب رئيس في تايخ الولايات المتحدة»، وامس، عقب ديفيد اكسلرود، كبير مستشاري اوباما، على تصريح بايدن الاخير بقوله: «يقدر الرئيس المنتخب استشارات نائب الرئيس المنتخب، خاصة في السياسة الخارجية»، واضاف اكسلرود ان بايدن، قبل دخولهما البيت الابيض في يناير (كانون الثاني) القادم، سيقدم استشارات الى اوباما في مواضيع مثل: اختيار الوزراء، وضع الاجندة التنفيذية للسياسة الخارجية، ومواضيع الامن الوطني.

وايضا، علق السناتور جون سبيكتور (جمهوري من ولاية بنسلفانيا) على تصريح بايدن، وقال: «سيركز جو على تنفيذ اجندة اوباما اكثر من اجندته هو. بالنسبة لبوش ونائبه تشيني، حدث العكس، وهو ان تشيني كان احيانا ينفذ اجندته هو». وقال مراقبون في واشنطن ان بايدن لا يريد ان يكون مثل تشيني، ولكن مثل والتر مونديل، نائب الرئيس كارتر (1967 ـ 1980).

وامس، قال رتشارد مو، كبير موظفي مونديل في ذلك الوقت: «كان مونديل يقدم استشارات لكارتر، وكان كارتر يتوقع ذلك. يجب الا ننسى ان الرئيس ونائب الرئيس هما الشخصان الوحيدان المنتخبان في البيت الابيض. وليسا مثل الوزراء. ولهذا، يتشاوران من موقع اعلى».

في الصيف، خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي رشح اوباما وبايدن، قابل مونديل بايدن. وفي وقت لاحق، قال مونديل للصحافيين ان بايدن ساله عن وظيفة نائب الرئيس. وقال مونديل: «قلت له انني كنت اقدم استشارات للرئيس كارتر في كل اجتماع ادعى اليه، وكان يدعوني الى كل اجتماع هام. كنت اقرأ نسخا من التقارير الرئيسية التي تصل اليه، خاصة تقارير وكالات الاستخبارات». وقال مونديل ان كارتر، مثل اوباما، لم يكن يعرف كثيرا في السياسة الخارجية، وان خبرة مونديل في السياسة الخارجية، عندما كان عضوا في الكونغرس، افادتهما.

وقال متحدث باسم بايدن ان بايدن، ايضا، سيستفيد من تجارب خمس وثلاثين سنة في الكونغرس، وخاصة في لجنة العلاقات الخارجية التي لا يزال بايدن يرأسها. اي استشارات سيقدم بايدن، وخاصة عن الشرق الاوسط؟ قبل سنة، في نقاش مع مرشحين من الحزب الديمقراطي في الانتخابات الاولية لرئاسة الجمهورية، قال بايدن: «يجب الا نخدع انفسنا بالقول ان استخدام القوة لن يحقق اهدافنا. ارى ان استعمال القوة في افغانستان ضروري ومعقول. وفي دارفور، وفي البلقان»، وخاطب بايدن مرشحي الحزب الذين اشترك معهم في مناظرة: «تقدرون على الحديث الجميل والمنغم. لكن، الخيال شيء، والواقع شيء آخر» ومنذ سنوات، خاصة كعضو في لجنة العلاقات الخارجية، لم يتردد بايدن في تأييد إسرائيل. ربما لم يؤيدها غيره من أعضاء اللجنة سوى الأعضاء اليهود، مثل السناتور جو ليبرمان.

وقبل شهور، قبل ان يختاره اوباما نائبا له، تحدث بايدن في المؤتمر السنوي الديمقراطيين اليهود، ومما قال: اولا: «اذا لم يوافق المجتمع الدولى على ارسال قوات الى دارفور، ساصوت لارسال قوات اميركية» ثانيا: «كنت من اوائل اعضاء الكونغرس الذين دعوا للتدخل في البلقان (في بداية التسعينات). ثالثا: «غير سناتور هنا وهناك، انا اقوى سناتور ايد اسرائيل خلال سنوات عملي في الكونغرس».

رابعا: «لا يجب ان يكون الشخص يهوديا ليكون صهيونيا».

خامسا: «ماذا سيفعل العرب لو ايدنا احتلال اسرائيل الدائم للقدس الشرقية؟» ومؤخرا، كتب شمويل روزنر، معلق اسرائيلي في موقع «سليت» الليبرالي في الانترنت: «نعم، يملك بايدن تجارب كثيرة في السياسة الخارجية. لكنه، ايضا، يتكلم كثيرا، ويتغير كثيرا. وظل يفعل ذلك في الكونغرس لاكثر من ثلاثين سنة. لهذا، ليس سهلا التأكد من انه سيقول غدا ما قال اليوم. ليست لديه اجندة مؤكدة ودائمة. ليست عنده عقيدة سياسية، لكن عنده مواقف سياسية». واضاف: «طبعا، يشتكى العرب منه كثيرا. لكن، يقلق الاسرائيليون منه لان سياساته المتغيرة ربما تقوده الى اتجاه غير حميد بالنسبة لهم».

ويقول ديفيد ويد المتحدث باسم بايدن ان اوباما لم يختر نائبا له «ليوكل اليه مسألة هنا او مسألة هناك وان جو بايدن سيكون نائبا للرئيس على الطاولة وفي المكتب البيضاوي من أجل جميع القرارات المهمة». لكن قد يكون هذا صعبا على بايدن الذي سقط في كثير من الزلات على مدى مشواره السياسي الطويل. وقال بول لايت الاستاذ بكلية روبرت اف. واجنر للخدمة العامة بجامعة نيويورل: «عليهم الحذر من ميل بايدن الى الكلام الذي يورطه في مشاكل. ليس فقط في الاجتماعات المطولة بل المؤتمرات الصحافية والتعليقات الفورية التي تصدر عنه. لن يرغب أوباما في أن يجد نفسه يفسر تعليقات بايدن». ويقول بينارت ان لبايدن وأوباما مزاجين مختلفين حيث يتسم الرئيس القادم بمزيد من الهدوء والحذر بينما يتصف سناتور ديلاوير بأنه اكثر انفعالية وحماسا. وأضاف أن هذا ينبئ بديناميكية مثيرة للاهتمام في علاقتهما بالمكتب البيضاوي. وعلى الرغم من زعم بايدن أنه لا يرغب في تولي أي حقائب فان العديد من المحللين يرجحون أن تستغل خبرته في السياسة الخارجية، خصوصا باكستان، والقضاء. ووجه الباحث في شؤون الرئاسة ستيفن هيس من معهد بروكينجز نصيحة لاوباما لدى قيامه بتوزيع الاختصاصات على بايدن قائلا «لا تعط مسؤوليات كبرى في مجال السياسة العامة لشخص لا تستطيع فصله».