معسكرا ماكين وبالين.. قصة الصراعات وراء الكواليس

مسؤولون في حملة المرشح الجمهوري الخاسر يتحدثون عن صعوبة العلاقات بين المرشحين

بالين تحيي مناصريها في انكوريدج بعد عودتها الى ولايتها الاسكا (أ.ب)
TT

مع انتهاء حملة المرشح الجمهوري جون ماكين بخسارته، بدأ كبير مستشاريه في رواية وقائع الحملة الانتخابية، وقصة الاتصال الهاتفي الذي تلقته سارة بالين، حاكمة ولاية ألاسكا والتي كانت المرشحة لنائبة الرئيس مع ماكين، من ممثل كوميدي كندي انتحل شخصية الرئيس الفرنسي. الأسوأ من ذلك، قول المستشار إنها أخفقت في إطلاع زميلها المرشح معها (أي ماكين) بشأن دبلوماسيتها غير المصقولة. وبحسب أحد كبار مستشاري حملة بالين لهذه القصة، فقد كان الهجوم على بالين بسبب هذه القصة غير عادل. فقد كانت المكالمة الهاتفية ضمن جدول أعمال بالين منذ 3 أيام، وقال ان هجوم حملة ماكين عليها لم يكن له أساس. أياً كانت الحقيقة، فإن هناك أمرا واحدا فقط بات أكيدا، وهو أن بالين التي قالت على سبيل المزاح للشخص المازح عبر المحادثة الهاتفية إنها من المحتمل أن تكون رئيسة «في غضون ثماني سنوات»، كانت بمثابة عامل مساعد للحرب التي بدأت بين حملتها الانتخابية وحملة ماكين التي غضبت بشدة بداية من منتصف سبتمبر (أيلول) وحتى اللحظات الأخيرة التي سبقت خطاب التنازل الذي أدلى به ماكين مساء الثلاثاء. ويقول كبار المستشارين، إنه في ذلك الوقت كانت بالين على غير اتصال مستمر مع ماكين. ويتحدث أحد كبار المسؤولين في حملة ماكين والذي طلب عدم ذكر اسمه مثل معظم من تمت مقابلتهم، قائلاً: «أعتقد أنها كانت علاقة صعبة، فقد كان ماكين يتحدث إليها بين الفينة والأخرى». ومع ذلك، أوضح مستشارو ماكين أيضا أنه معجب بالمهارات السياسية التي تحظى بها بالين. وأضاف المستشارون أن ماكين كان على دراية بالصراع الداخلي، ولكن من غير الواضح ما هو مدى عزمه أو قدرته على إيقاف هذا الصراع. وقد كانت التوترات والظهور العام المتزايد لهما عبر وسائل الإعلام موحيا بما سيؤول إليه مصيرهما في الترشح معا، في خضم أزمة الحملة التي وصفت من قبل العديد من الجمهوريين بأنها سلبية وغير منظمة. ومن جانبها، صرحت بالين للصحافيين في أريزونا صباح أمس بأنها لا تعتقد أنها «شخصية استثنائية». وفي وقت لاحق من نفس اليوم، رفضت مواجهة النزاع بين الحملتين، حيث قالت: «ليس لدي أي نية مطلقا للانخراط في أي سلبيات، لأن كل هذا يعد إيجابيا بالنسبة لي». وأضافت أن الوقت قد حان للابتهاج بنصر الرئيس المنتخب باراك أوباما «وألا نسمح للتفاهات أو حتى الأعمال الداخلية للحملة في أن تقوض الاعتراف بهذه اللحظة التاريخية». ونظرا إلى أن بالين تحظى بمستقبل سياسي لامع محتمل، فقد أصبحت أكثر عرضة للخطر لدى مضيها قدما أكثر من ماكين ذاته، والذي يهتم مساعدوه في الوقت الحالي لصب لوم الخسارة على العوامل الخارجية؛ مما يجعل بالين هدفا مغريا. بل إنه حتى في الوقت الذي كانت فيه عمليات فرز الأصوات الانتخابية مازال جارية، كانت تظهر بعض الاتهامات الجديدة، حيث كان مساعدو ماكين يشيرون الى أن أحد مساعدي بالين سرب معلومات مضرة بالنسبة لهم إلى الصحافيين. وتم التحدث عن هذه التوترات في المقابلات التي كانت تُجرى مع كبار المساعدين في كلا الحملتين، حيث تحدثوا بدون الرغبة في الكشف عن أسمائهم نظرا إلى أنهم لا يريدون أن يظهروا بعدم الولاء أو الغدر لجهود ماكين في الأوقات العصيبة.

وتعتبر عملية توجيه أصابع الاتهام في نهاية الحملات الانتخابية الخاسرة أمرا تقليديا، كما أنه عادة ما يكون متوقعا إلى حد كبير كما أقر ماكين نفسه بذلك في إحدى المقابلات التي أُجريت معه في شهر يوليو (تموز). وأوضح ماكين حينها قائلاً: «كل كتاب قرأته عن الحملة الانتخابية يقول إن من يربح، تكون لديه أفضل إدارة للحملة الانتخابية، ويديرها نابغين، كما أنها تحمل رسائل رائعة... ودائما من يخسر تكون حملته الانتخابية قد عملت دون إتقان، وتُمنى الحملة بالكثير من الصراعات، والأشخاص السيئين... لذا، إذا ما ربحت، فأنا على يقين أن المؤرخين سيقولون «من هنا الطريق نحو الأمام، لقد أحسن إدارة هذه الحملة، كما أنه وضع الأشخاص الصحيحين في الأماكن الصحيحة، وفي الوقت الذي زادت فيه قوة الحملة، أعطاهم المزيد من المسؤولية»، أما إذا خسرت، فسيقول الأشخاص «إن هذه الحملة كانت مشوشة دائما». وتركزت النزاعات التي دارت بين الحملتين إلى حد كبير على كمية الملابس البالغة قيمتها 150 ألف دولار التي اشتراها الحزب الجمهوري لبالين وأسرتها. كما تركزت أيضا على ما اعتبره مستشارو ماكين على أنه ضعف استعداد بالين في مقابلتها الفاشلة مع كاتي كوريك من محطة «سي بي إس» الإخبارية ورفضها لأخذ النصيحة والمشورة من حملة ماكين. ومع ذلك، فمن المحتمل أن يكون خلف تلك الخلافات موضوع ضمني آخر، يتمثل في غضب معسكر ماكين من أن بالين كانت تضمر في نفسها بعض الطموحات السياسية لما بعد عام 2008. ومع انقضاء ليلة يوم الثلاثاء، صرح مستشار ماكين أن بالين كانت تضغط لتقديم خطاب خاص بها قبل خطاب الأخير الذي أدلى به ماكين بعد صدور النتيجة. ومع ذلك التقت بالين مع ماكين وهي تحمل نصا بيديها. إلا أن مارك سولتر، أحد المستشارين المقربين لماكين، وستيف شيمدت، كبير الاستراتجيين التابعين ماكين، لم يوافقوا على أن تدلي به. وفي يوم الأربعاء، أشار اثنان من مستشاري الحملة الانتخابية لماكين بأن عمليات شراء الملابس لبالين وأسرتها كانت بمثابة المصدر الأساسي للغضب بين الحملتين. وقالوا إن نيكول والاس، المساعدة البارزة لماكين، سددت النصح لبالين بأن تشتري 3 بذلات جديدة للمؤتمر الوطني الجمهوري في سينت بول في شهر سبتمبر (أيلول)، وثلاث بذلات إضافية للحملة التي ستُعقد في الخريف. وصرح المسؤولون بأن الميزانية المتوقعة للملابس كانت ما بين 20 ألفا و25 ألف دولار. وبدلاً من ذلك، حدثت مفاجأة في العلاقات العامة كان من شأنها تقويض صورة بالين على أنها امرأة عادية (مثل الأمهات اللاتي يلعب أبناؤهن لهبة الهوكي)، فقد كانت الفواتير التي تم إرسالها للجنة الوطنية الجمهورية قيمتها 150 ألف دولارا، منها فواتير بلغت قيمتها 75062 دولارا لمحل نيمان ماركوس، و49425 دولارا لمتجر ساكس فيفث أفينيو. وتضمنت هذه الفواتير ملابس لأسرة بالين، وعمليات شرائية أخرى لأحذية، وحقائب. وذكر المسؤولون في حملة ماكين أنها كانت متشككة بشأن هذا الإفراط الشرائي، وقالوا إن محامي اللجنة الوطنية الجمهورية كانوا من المحتمل أن يسافروا إلى ألاسكا للقيام بعملية جرد، ومحاولة حساب كل ما تم إنفاقه. ومن جانبها، دافعت بالين عن عملياتها الشرائية لملابس، موضحة أنها كانت فكرة اللجنة الوطنية الجمهورية، وأوضحت أنها كانت ستعيدها. وقالت: «إن هذه الملابس ليست من ممتلكاتي، مثلها مثل عمليات الإضاءة، وإقامة المنصات وكل شيء اشترته اللجنة الوطنية الجمهورية». كما أوضح المستشارون في حملة ماكين أن مستشاري بالين سربوا معلومات مضرة عن حملة ماكين لوسائل الإعلام، وأضافوا أنهم متشككون على وجه الخصوص في راندي شوينيمان، كبير مساعدي ماكين للسياسة الخارجية والذي لعب دورا محوريا في إعداد بالين لمناظرات حملتها كنائبة للرئيس. وبناء عليه، أوضح مستشارون في حملة ماكين أن شوينيمان قد تم فصله من الحملة في الأيام الأخيرة للحملة الانتخابية. إلا أن ريك ديفيس، مدير حملة ماكين الانتخابية، وسولتر، أحد مستشاري ماكين المقربين، أوضحوا أمس أن شوينيمان لم يتم فصله فعليا. ومن مكتبه في مقر إدارة حملة ماكين الانتخابية، أجاب شوينيمان على الهاتف قائلاً إن أي شخص يقول إنه قد فُصل إما يكذب، أو أنه يقوم بعمل مضلل أو يهدف إلى تسديد ضربة إلى الحملة. وكان شوينيمان يشير في حديثه إلى الانتقادات المنتشرة بكثرة من قبل مستشاري ماكين في الأيام الأخيرة للحملة بأن بالين – كما يُشاع عنها بأنها سياسية للمرة الأولى ـ تقوم بتسديد ضربات موجعة. وأيا كانت التغيرات، فإن المستشارين يعتقدون بشدة أن شوينيمان أفشى فعليا ببعض الأسرار لويليام كريستول، رئيس تحرير «ويكلي ستاندر» المحافظة، وكاتب العمود الصحافي في «نيويورك تايمز». ويقول كريستول، الذي كتب في عموده الصحافي بتاريخ 13 أكتوبر (تشرين الأول) مطالبا ماكين بأن يفصل حملته الانتخابية لأن الاختلال الوظيفي يعتريها تمامًا ـ في مقابلة أُجريت معه عبر الهاتف، إن مستشاري الحملة الانتخابية أصابتهم البارانويا. وكريستول من أشد المؤيدين لبالين. وقال: «لم أكتب سُمًا. إن راندي شوينيمان صديقي، وأنا أرى أنه أدى عمله على أكمل وجه. لقد تحدثت معه، كما أنني تحدثت أيضًا مع الكثير من الأشخاص في الحملة». وكان معسكر ماكين حانقا للغاية من المقابلة التي أجرتها بالين مع كوريك، والتي تمت إذاعتها في الوقت الذي تلتقي فيه بالين مع القادة الأجانب بالأمم المتحدة، وتحاول أن تؤسس سجلاً لنفسها حول السياسة الخارجية. وقد تمت السخرية من تردد بالين خلال الحديث وأدائها المتلعثم من خلال تقليدها في برنامج «ساترداي نايت لايف»، والذي تقدمه تينا فاي. ويقول مستشارو ماكين إنه لم يكن لدى بالين ـ التي تم إعدادها وشهدت مقابلة مبدئية مع شارليز غيبسون على محطة «إيه بي سي» الإخبارية ـ الوقت أو التركيز الكافيين للاستعداد للمقابلة التي أجرتها معها كوريك. وأفاد أحد المستشارين: «إنها لم تقول «إنني لن أستعد»، بل إنه لم يكن لديها فقط الوقت الكافي لتقوم بجلسة مقابلة محاكاة، وهي الطريقة التي قمنا بها من قبل. كل ما هنالك أنه كان لديها حملا زائد». وكانت القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لمستشاري حملة ماكين عندما تلقت بالين في الأيام الأخيرة قبل الانتخابات مكالمة هاتفية من مارك أنتوني أوديت. ومن المعروف عن أوديت وزميله الكوميدي سيباستيان ترودل أنهما يقومان بمحادثات هاتفية ساخرة مع رؤساء الدول والشخصيات العالمية المشهورة. وبدا أن بالين صدقت أن محدثها هو الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، رغم أن المتحدث الساخر كان جليا أنه يتحدث بلكنة فرنسية منمقة، كما أنه تحدث إليها في أمور شخصية للغاية أكثر مما تقتضيه البروتوكولات الهاتفية. وفي لحظة ما، قال لبالين إنها ستكون رئيسة جيدة في يوم من الأيام، فأجابته «من المحتمل أن يكون ذلك بعد ثماني سنوات».

* خدمة «نيويورك تايمز»