الملك محمد السادس يطلق مسار نظام مناطق متقدم ومتدرج يشمل جميع جهات البلاد

جدد التأكيد على استعداد الرباط للتفاوض الجاد بشأن الحكم الذاتي كحل نهائي لنزاع الصحراء

TT

أعلن العاهل المغربي الملك محمد السادس، عن إطلاق مسار جهوية (نظام المناطق) متقدمة ومتدرجة تشمل كل مناطق المملكة، وفي مقدمتها منطقة الصحراء.

وقال ملك المغرب في خطاب، وجهه الليلة قبل الماضية إلى الأمة، بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين للمسيرة الخضراء السلمية، التي استرجع المغرب عبرها الصحراء، التي كانت تحتلها اسبانيا: «قررنا، بعون الله، فتح صفحة جديدة في نهج الإصلاحات المتواصلة الشاملة، التي نقودها بإطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة تشمل كل مناطق المملكة وفي مقدمتها جهة الصحراء المغربية».

وأكد العاهل المغربي عزمه الراسخ، على تمكين كافة سكان جهة الصحراء وأبنائها من التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية ضمن مغرب موحد، «سواء بإقامة جهوية واسعة وملائمة، وذلك طبقا لإرادتنا الوطنية أو من خلال الحكم الذاتي المقترح متى تم التوافق السياسي بشأنه، واعتماده كحل نهائي من طرف المنتظم الأممي».

ووضع الملك محمد السادس خريطة طريق تتضمن أهداف ومرتكزات ومقاربات مسار الجهوية، باعتباره إصلاحا هيكليا عميقا يقتضي جهدا جماعيا لبلورته وإنضاجه. وقال إن «طموحنا الكبير من هذا الورش الواعد هو ترسيخ الحكامة المحلية الجيدة، وتعزيز القرب من المواطن، وتفعيل التنمية الجهوية المندمجة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية».

وشدد العاهل المغربي على أن التضامن الوطني يظل حجر الزاوية في الجهوية المتقدمة، إذ أن تحويل الاختصاصات للجهة (المنطقة) يقترن بتوفير موارد مالية عامة وذاتية، مؤكدا أن نجاح الجهوية، رهين باعتماد تقسيم ناجع يتوخى قيام مناطق متكاملة اقتصاديا وجغرافيا ومنسجمة اجتماعيا وثقافيا. وبخصوص تدبير هذا المسار، أكد الملك محمد السادس أنه «على غرار نهجنا في تدبير القضايا الكبرى للأمة، ارتأينا اعتماد مقاربتنا الديمقراطية والتشاركية في إعداده».

وأعلن عزمه إقامة «لجنة استشارية متعددة الاختصاصات مكونة من شخصيات، مشهود لها بالكفاءة والخبرة الواسعة وبعد النظر، مكلفين إياها باقتراح تصور عام للجهوية في استشعار لكل أبعادها واستحضار لدور المؤسسات الدستورية المختصة، في تفعيلها بعد رفع الأمر إلى نظرنا السامي». وأكد العاهل المغربي حرصه على أن يتمخض التصور العام، لهذا المشروع الكبير، عن نقاش وطني واسع وبناء، تشارك فيه كل المؤسسات والسلطات المختصة والفعاليات التمثيلية والحزبية، الأكاديمية والجمعوية المؤهلة.

وأضاف الملك محمد السادس أن هذه الجهوية ستظل محدودة، مهما توفر لها من تقدم «ما لم تقترن بتعزيز مسار اللاتمركز، لذلك، يتعين إعطاء دفعة قوية لعمل الدولة على المستوى الترابي خاصة في مجال إعادة تنظيم الإدارة المحلية وجعلها أكثر تناسقا وفعالية وتقوية التأطير عن قرب».

وفي سياق ذلك، أعطى العاهل المغربي توجيهاته للحكومة لكي ترفع إليه اقتراحات بشأن إحداث عمالات وأقاليم (محافظات) جديدة، على أن تراعي في ذلك مستلزمات الحكامة الترابية الجيدة، وخصوصيات وإمكانات بعض المناطق والمتطلبات التنموية لسكانها.

وأهاب الملك بالحكومة، إعداد ميثاق وطني لعدم التمركز، يتوخى إقامة نظام فعال لإدارة لاممركزة «يشكل قطيعة حقيقية مع المركزية المتحجرة، نظام يعتمد مقاربة ترابية، ويقوم على نقل صلاحيات مركزية للمصالح الخارجية وانتظامها في أقطاب تقنية جهوية». كما يتعين، يضيف ملك المغرب، تضمين هذا الميثاق، الآليات القانونية الملائمة لحكامة ترابية تخول للولاة والعمال الصلاحيات اللازمة للنهوض بمهامهم ولاسيما ما يتعلق منها بالإشراف على نجاعة ممارسة اختصاصات أجهزة الدولة، وتناسق عمل كافة المتدخلين على المستوى الترابي، الإقليمي والجهوي.

ودعا الجميع إلى التحلي «بروح الوطنية والمواطنة، لرفع التحدي الكبير، لانبثاق نموذج مغربي لجهوية متميزة نريدها، بحكم ما تجسده من تقدم ديمقراطي وتنموي، ترسيخا للحكامة الجيدة وتأهيلا للإصلاح المؤسسي العميق». من جهة أخرى، جدد الملك محمد السادس التأكيد على استعداد المغرب التام للتفاوض الجاد بشأن الحكم الذاتي كحل نهائي للنزاع المفتعل حول الصحراء.

وقال العاهل المغربي، إن المغرب يعتبر «أن مبادرته مطروحة باستمرار على طاولة الحوار في نطاق الأمم المتحدة، واثقا من أن منطق التعقل والنظرة المستقبلية سيتغلب، لا محالة، على الأطروحات المتجاوزة وأوهام الماضي»، وإلى أن يتم ذلك، يضيف الملك محمد السادس، فإن المغرب لن يبقى مكتوف الأيدي ولن يقبل بأن يكون تقدمه الديمقراطي والتنموي رهين حسابات ومناورات الغير، مؤكدا أنه «وكيفما كانت التطورات التي يعرفها التعاطي الجهوي والدولي مع قضيتنا الوطنية، فإن المغرب سيظل معولا على ذاته، والتمسك بحقوقه المشروعة، والتحلي باليقظة المستمرة، ومواصلة التعبئة الشاملة ووحدة الجبهة الداخلية، التي هي مصدر قوتنا».

وأكد العاهل المغربي أنه بفضل دينامية المسار البناء الذي خلقته المبادرة المغربية المقدامة للحكم الذاتي، تأكد التطابق التام بين مجهودات المملكة ورغبة المجتمع الدولي في الوصول، سريعا، إلى حل توافقي وواقعي وقابل للتطبيق، من خلال مفاوضات مكثفة وجوهرية، تشارك فيها كافة الأطراف المعنية بصدق وحسن نية، في إطار القرار1813 وبرعاية الأمم المتحدة.

وأوضح أنه، وبغية إيجاد مخرج لهذا الخلاف، أبان المغرب، عن إرادته الصادقة في الفصل بين النزاع الإقليمي حول الصحراء، وبين التطور المنشود للعلاقات الثنائية مع الجزائر.

وعبر العاهل المغربي عن الأسف لكون الموقف الرسمي للجزائر «يسعى لعرقلة الدينامية الفاضلة التي أطلقتها المبادرة المغربية، مسخرة (الجزائر) طاقاتها لتكريس الوضع الراهن المشحون ببلقنة المنطقة المغاربية والساحلية، في الوقت الذي تفرض عليها التحولات الإقليمية والعالمية التكتل لرفع ما يواجهها من تحديات تنموية مصيرية ومخاطر أمنية». كما أن التمادي، يضيف ملك المغرب، في رفض كل مساعي التطبيع المغربية أو تلك المبذولة من بلدان شقيقة وصديقة وقوى فاعلة في المجتمع الدولي، يعد توجها معاكسا لمنطق التاريخ والجغرافيا الذي يتنافى مع إغلاق الحدود بين بلدين جارين شقيقين». وأكد العاهل المغربي أن «تشبث بلادنا بفتح هذه الحدود وتطبيع العلاقات ليس إلا وفاء لأواصر الأخوة وحسن الجوار وتمسكا بحقوق الإنسان في حرية التنقل والتبادل وكذا استجابة لحتمية الاندماج المغاربي».

على صعيد اخر، أكد الملك محمد السادس أن حصول المغرب على الوضع المتقدم في شراكته مع الاتحاد الأوروبي، يشكل اعترافا بوجاهة اختياراته الاستراتيجية، ونجاعة دبلوماسيته، ومصداقية جهوده الإصلاحية ومنجزاته التنموية الكبرى. وقال العاهل المغربي: «نعرب عن اعتزازنا بحصول المملكة، في سابقة رائدة من نوعها، على وضع متقدم في شراكتها بالاتحاد الأوروبي».