وكالة الاستخبارات الأميركية تقدم خدماتها لعميلين.. ومصير مديريها غير معروف

أوباما يتلقى تقارير استخبارات يومية وفريقه يتكتم على شكل الوكالة في الإدارة الجديدة

أوباما وزوجته ميشيل يغادران المدرسة التي ترتادها ابنتاهما بعد لقاء للأهل مع المعلمين (أب.أ)
TT

بعد يوم من فوز باراك اوباما برئاسة الجمهورية، وحسب ميعاد سابق، دق اثنان من وكالة الاستخبارات الوطنية باب منزل الرئيس المنتخب في شيكاغو، وقدما له تقريرا تضمن تقييما استخباراتيا عاما عن الاوضاع، من ضرب مواقع طالبان والقاعدة على الحدود بين باكستان وأفغانستان، الى بناء قواعد صواريخ اميركية على الحدود بين روسيا وجمهورية التشيك، في لقاء استمر ساعة من الوقت.

لم يكن التقرير الاستخباراتي اليومي مثار حديث في الصحف ووسط الاميركيين لانه طبعا، سري. لكن، وبسبب الجدل حول فشل الاستخبارات في كشف هجوم 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، وبسبب الجدل حول فشلها في كشف اسلحة العراق النووية، زاد الاهتمام بالتقرير الاستخباراتي الرئاسي اليومي. إلا أن السؤال الذي يطرح اليوم: من الذي سيختاره أوباما ليشغل منصب رئيس الاستخبارات ليقدم له النصح طوال السنوات الاربع المقبلة؟ لم يلمح فريق اوباما الى كيف ينوي ملء المناصب في وكالة الاستخبارات، ولا حتى منصب مدير عام الوكالة الوطنية للاستخبارات الذي يشغله اليوم ميك ماكونيل، ومنصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية مايكل هايدن. ومهمة ملء هذه المقاعد يعتبر من الامور الصعبة بسبب اختلاف القوانين والتقليد في اختيار المسؤولين الذين سيشغلون مناصب استخباراتية.

وعلى عكس الادارة في مكتب التحقيق الفدرالي (إف بي آي)، فان الاشخاص الذين يعينون في المناصب العليا في وكالات الاستخبارات لا تنتهي عقودهم مع انتهاء ولاية الرئيس الذي عينهم. وعلى الرغم من أن الذين يشغلون المناصب الادارية في المكتبين يعملان لدى الرئيس، فان البيت الابيض يتحفظ أكثر في اختيار مديري الاستخبارات ويختار احيانا ان يبقي على المديرين الذين اختارهم سلفه. فالرئيس جورج بوش مثلا عندما تسلم البيت الابيض في العام 2001، قرر ابقاء جورج تينيت كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية، على الرغم من أن سلفه الرئيس الديمقراطي هو الذي عين تينيت. وقال خبير في الاستخبارات الاميركية لصحفية الواشنطن بوست، لم يفصح عن اسمه، إنه «من المفترض ان الاستخبارات غير حزبية، رغم أن هذا لم يكن الحال دوما». وقال عدد من رجال المخابرات السابقين الذين قابلتهم الصحيفة، انهم يعتقدون أن أوباما يفضل بداية جديدة، الا ان البعض يعتقد انه سيبقي على بعض المديرين المهمين في مناصبهم للحفاظ على الاستمرارية بسبب الحربين في العراق وافغانستان والحرب على الارهاب. ورفض فريق اوباما ومستشاروه في مجال الامن القومي التعليق للصحيفة على النقاشات الداخلية التي تدور في الادارة الجديدة حول تعيين مديرين جدد في الاستخبارات أو الحفاظ على الحاليين. وتدور تخمينات داخل اروقة وكالات الاستخبارات، ان اوباما قد يختار استقدام وجوه في المخابرات من المقربين لفريقه، من بينهم جون برينن مدير سابق للمركز القومي لمكافحة الارهاب، وجين هارمن التي كانت عضوا بارزا في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب. واطلاع الرئيس المنتخب عن التقارير الاستخباراتية، هي عادة اميركية الهدف منها اطلاع الرئيس القادم على ما يجري في الخارج والداخل حتى يعرف بعض ما يحدث، ويكون مستعدا عندما يدخل البيت الابيض.

وفي وقت لاحق، ستبدأ الاستخبارات الوطنية في تقديم تقارير استخباراتية يومية الى اوباما. وعندما يدخل البيت الابيض، مثل الحال مع الرئيس بوش حاليا، سيكون التقرير الاستخباراتي اليومي اول بند في اول اجتماع للرئيس مع مساعديه ومستشاريه.

وعندما حققت لجنة شكلها الكونغرس في التقصير في كشف هجوم 11 سبتمبر، طلبت نسخا من هذه التقارير الاستخباراتية.

وقبل سنتين، عندما كتب جورج تينيت، مدير سابق لوكالة الـ«سي آي ايه» كتاب مذكراته، نشر مقتطفات من التقرير الاستخباراتي ليبرهن على انه لم يكذب في موضوع اسلحة العراق النووية (كان قيل انه اكد وجود الاسلحة ليكسب رضى بوش، رغم عدم وجود ادلة تثبت ذلك). واكثر تقرير استخباراتي يومي اثار الجدل، كان ذلك التقرير الاستخباراتي البريطاني الذي يقول بأن العراق اشترى مواد نووية من النيجر. ورغم ان التقريرين، الاميركي والبريطاني، لم يثبتا ذلك، فان الرئيس بوش، في قرار اعلان الحرب على العراق، اعتمد عليهما.

خلال اكثر من خمسين سنة، ومرات كثيرة، تغير اسم «التقرير الاستخباراتي اليومي». وأول تقرير يومي رفع الى الرئيس دوايت ايزنهاور (يوم 17-6-1961) وكان اسمه: «بريزيدنت تشيك لست» (قائمة مراجعة الرئيس). في ذلك الوقت، كان البنتاغون هو الذي يكتب التقرير. وكتب ذلك التقرير ضابط صغير اسمه ريتشارد ليهمان، صار بعد عشرين سنة، وزيرا للبحرية في ادارة الرئيس رونالد ريغان.

لكن في ادارة الرئيس ليندون جونسون، وابتداء من يوم 1-12-1964، صارت الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) هي التي تقدم التقرير اليومي، وصار اسمه «بريزيدنت ديلي بريفنغ» (الملخص الرئاسي اليومي)، ويشار اليه بالاحرف: «بي دي بي». وجرت العادة على ان ترسل نسخة الى كل من وزيري الخارجية والدفاع. ورغم ان وزراء آخرين، مثل التجارة والمالية، طلبوا في الماضي ان تشملهم القائمة، فلم يحدث ذلك.

لكن احيانا يقرر مدير الاستخبارات المركزية ان تقريرا معينا يجب الا يرسل الى حتى وزيري الخارجية والدفاع. وللموضوع صلة بمنافسات على مستوى الوزراء وكبار المسؤولين حول الذين يقدرون على الاطلاع على كل الاسرار. وللموضوع صلة بالجهة، او الشخص، الذي يكتب التقرير. وبعد ان انتقلت مسؤولية كتابته من وزارة الدفاع الى الاستخبارات المركزية، انتقلت مؤخرا الى الاستخبارات الوطنية التي اسسها الرئيس جورج بوش، وتشرف على الاستخبارات المركزية والاستخبارات العسكرية وغيرها. كان يرسل التقرير جون نيغروبونتي، رئيس الاستخبارات الوطنية، وبعد ان انتقل الى وزارة الخارجية، نائبا للوزيرة، صار يرسل التقرير مايك ماكونيل. لكن لاتزال الاستخبارات المركزية ترى انها احق بتقديم التقرير اليومي الى الرئيس.

قبل عشرة سنوات، ومرة اخرى بسبب منافسات حول الوكالات الاستخباراتية، وحول من يملك اكثر الاسرار، وحول من يقدر على الاطلاع عليها، تأسست نشرة يومية اخرى اسمها «ناشونال انتليجنس ديلي» (يومية الاستخبارات الوطنية). ويرمز لها بالاحرف «ان آي دي». لا ترسل النشرة هذه الى الرئيس، لانها اقل اهمية وتحوي أقل اسرارا، ولكنها ترسل الى الوزراء والرؤساء السابقين.

لهذا، لا يعتقد ان ماكونيل، مدير الاستخبارات الوطنية، ارسل الى الرئيس المنتخب اوباما التقرير الاهم «بي دي بي»، وربما ارسل الاقل اهمية «إن آي دي». اذا ارسل الاول او الثاني، وحسب تقليد اميركي، يجب الا يطلع اي شخص على التقريرين قبل ان يطلع عليهما رئيس الجمهورية. لهذا، يتسلم الرؤساء السابقون (اذا ارادو) التقرير في وقت لاحق من اليوم. ولهذا، يتوقع ان يتسلم اوباما التقرير اليومي كل يوم من الان فصاعدا.

وخلال تحقيقات الكونغرس في سبب عدم اكتشاف الذين نفذوا هجوم 11 سبتمبر سنة 2001، كان الحديث عن التقرير اليومي الثاني (ان آي دي). ومرت فترة طويلة قبل ان يعرف محققو الكونغرس عن التقرير الاهم (بي دي بي). وعندما عرفوا، وحسب قوانين الكونغرس، طلبوا نسخا منه خلال الفترة التي سبقت هجوم 11 سبتمبر. في البداية، رفض الرئيس بوش، لكنه، في وقت لاحق، وافق على ارسال تقارير معينة، بعد حذف اشياء معينة منها.

وطلب المحققون تقرير يوم 6-8-2001، وكان عنوانه: «بن لادن مصمم على الهجوم». وبعد تهديد الكونغرس باللجوء الى المحكمة، وافق بوش على تسليم التقرير بعد حذف اشياء فيه. من الاشياء التي حذفت بقيت جملة قالت: «قال بن لادن الى انصاره، بعد الهجوم على قاعدته في افغانستان بالصواريخ الاميركية، انه يريد .....» لم يقل لا ماكدونال ولا هايدن علانية ما اذا كانا يفضلان البقاء في مراكزهما في ظل الادارة الجديدة، وكلاهما تسلم منصبه خلال عهد بوش الثاني ولم تطالهما الانتقادات التي وجهت لوكالات الاستخبارات بسبب أسلحة الدمار الشامل في العراق ولا وسائل التعذيب التي تعتمدها الاستخبارات في السجون. وقد لمح ماكدونال الى انه يتوقع ان يتم استبداله، وقد نقل عنه قوله في الصيف الماضي أنه سيبقى في منصبه في الاشهر الستة الاولى من الولاية الجديدة، وفي الاسبوع الماضي، تحدث في كلمة له أمام طلاب جامعيين، عن أنه يريد العودة الى ولايته في ساوث كارولينا «خلال السنوات القليلة القادمة». أما هايدن، فبدا منفتحا على احتمال البقاء اذا طلب منه ذلك. وقال مسؤول مقرب من هايدن لصحيفة الواشنطن بوست من دون ذكر اسمه، ان هايدن «لا يفكر بهذا الامر الآن وهو يركز على أداء علمه». وقال هايدن في رسالة كتبها منذ يومين ووزعها على العاملين في وكالة الاستخبارات، ان الاستخبارات ستخدم «مجموعتين من العملاء» لغاية 20 يناير (كانون الثاني) واحدة منهما انتقلت الى البيت الابيض والأخرى تتحضر للانتقال.