جفري فيلتمان: التزامنا حيال قضايا المنطقة مستمر.. لكن «التكتيكات» عرضة للتغيير

نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الاوسط»: سلاح حزب الله لا يحمي اللبنانيين بل «يجلب لهم الضربات»

جفري فيلتمان
TT

أكد النائب الاول لمساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان لـ«الشرق الاوسط» ان سياسة بلاده حيال قضايا المنطقة لن تتغير في ظل الرئاسة الاميركية الجديدة، وإن اعترف بامكان حدوث «تغييرات في التكتيكات والاشخاص»، مشيرا الى انه خلافا لما كان حاصلا في السابق، لدى الادارات الاميركية المتعاقبة سياسة واضحة وثابتة حيال لبنان وهي لن تتغير. وتوقع فيلتمان الذي عمل سفيرا لبلاده في بيروت قبل انتقاله الى واشنطن أن لا يحرز أي من فريقي «14 اذار» و«8 اذار» فوزا حاسما في الانتخابات النيابية المقبلة، معتبرا أن الحل الانسب هو في قيام حكومة وحدة وطنية كما هو حاصل الان. وأشار الى أن بلاده ترى «اشارات مشجعة في انطلاق الحوار داخل المؤسسات اللبنانية حول الاستراتيجية الدفاعية الفضلى لحماية لبنان»، منبها اللبنانيين الى ان «سلاح «حزب الله» لا يحميهم، بل يجلب اليهم الضربات» معترفا في الوقت نفسه بان بلاده لا تتوقع بدء نزع سلاح الحزب منذ الغد.

وفي ما يأتي نص الحوار الذي أجري مع فيلتمان في واشنطن:

* كنت سفيرا لبلادك لدى لبنان في فترة حساسة جدا من تاريخه، فهل ما زلت على ارتباط بالسياسة اللبنانية؟

ـ السياسة اللبنانية تدخل في مجرى الدماء، فما ان تدخل اليها حتى تصبح عالقا فيها، ولهذا ما زلت اتابعها بالتأكيد.

* اللبنانيون ترقبوا طويلا نتائج الانتخابات الاميركية، فكيف ستنعكس هذه النتائج عليهم؟

ـ لا أرى اي تغيير في سياسة دعم لبنان لدى أي ادارة اميركية تصل الى الحكم. أنا مقتنع بأن الالتزام بدعم لبنان والعمل مع المؤسسات اللبنانية كالجيش، والالتزام بدعم وحدة لبنان وسيادته واستقلاله سوف تبقى على حالها. التكتيكات قد تتغير على الأرجح وقد يتغير بعض الاشخاص، فربما هناك بعض الافكار الجديدة، لكن السياسة تبقى على حالها. فحتى قبل صدور النتائج كان السيناتور (جون ماكين) يعلن التزامه سيادة لبنان، فيما كان الرئيس المنتخب يلتقي اعضاء من الجالية اللبنانية ويبدي أمامهم التزاما مماثلا. الاشخاص يتغيرون، لكن سياستنا حيال لبنان ثابتة لجهة دعم سيادته وحريته ومبدأ ان يحكمه اللبنانيون أنفسهم.

* لدى اللبنانيين اقتناع بأهمية هذه الانتخابات، فبعضهم يعتقد أن وصول أوباما الى الحكم سينعكس على الوضع اللبناني «تهدئة»؟

ـ كل رئيس لديه أسلوبه وطريقته في ادارة الامور ونظرته اليها. لكن انظر الى مواقفنا في الشرق الاوسط، فنحن ندعم سيادة لبنان واستقلاله، وحل الدولتين للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، ورغبة في رؤية عراق مستقر ومزدهر، ورغبة في رؤية ايران جارا مسؤولا. وهذه المبادئ لن تتغير في ظل اي ادارة اميركية. فهناك مؤسسات ثابتة تدير هذه السياسات. كان هناك وقت في الماضي لم يكن للبنان اي سياسة محددة اميركيا، فقد كانت هناك سياسة اميركية في ما يتعلق بإسرائيل وأخرى تتعلق بسورية وهكذا، أما اليوم فلدى الادارات الاميركية المتعاقبة سياسة واضحة وثابتة حيال لبنان كلبنان، ولا اعتقد أنها سوف تتغير.

* هل تعتقد أن لبنان يمتلك فرصة لحل أزمته خلال الفترة المقبلة؟

ـ الرئيس (اللبناني ميشال) سليمان يرعى الآن حوارا وطنيا، والبرلمان يعمل مجددا وكذلك الحكومة. من المهم جدا ما نراه من ان النقاش السياسي يأخذ مداه بين اللبنانيين أنفسهم وداخل المؤسسات السياسية، فقبل سنتين كان هناك صراع في الشارع، وفي مايو (ايار) كانت هناك معارك حربية في الشارع، بينما الوضع الان صحي أكثر مع انتقال النقاش الى المؤسسات الدستورية، وهذا ما نفعله نحن وما تفعله الديمقراطيات عادة. ولبنان سيواجه ايضا انتخابات نيابية بعد بضعة اشهر، وسيتمكن اللبنانيون مرة اخرى من اختياراعضاء البرلمان الذين يعتقدون أنهم الافضل لقيادتهم في المستقبل. والاهم من هذا كله، ان هذا النقاش يجري بين اللبنانيين أنفسهم، وان القرار يتخذونه بأنفسهم.

* اذا كانت السياسة الاميركية ثابتة حيال لبنان، فكذلك هي السياسات الاخرى ايرانيا وسوريا، فما الذي تغير لتتغير معه اتجاهات السياسة في لبنان؟

ـ لا اريد أن اتكهن باسلوب الرئيس الجديد في التعامل مع سورية وايران، لكن هناك ما افصح عنه الرئيس الجديد في الحملة الانتخابية. وعندما نتكلم مثلا عما اذا كان حرياً بنا فتح حوار مع سورية، فالسؤال لم يكن يوما ما اذا كنا سندعم سيادة لبنان، لكن السؤال كيف سنفعل ذلك؟ وكيف وما هو افضل حل للوصول الى حل الدولتين للصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني؟ وكيف سنحمي استقرار العراق وازدهاره. وهل من الأفضل ان نوسع قاعدة الحوار مع سورية أو نضيّقها للوصول الى هذه الغايات. وهذه اسئلة تطرح أمام الادارة الجديدة التي ستقدم الاجوبة المناسبة. ومرة جديدة أؤكد ان الاهداف لم تتغير، فسواء تحدثنا الى السوريين أم لا، فان هدفنا سيبقى حماية لبنان.

*هل ستعترفون بنتائج الانتخابات اللبنانية وتتعاملون مع أي فريق يفوز بها؟

ـ نعرف جميعا أن هناك انقسامات عميقة في لبنان، وهذه الانتخابات لن تعالج هذه الانقسامات التي سوف تبقى بعدها. وأتوقع أن يكون هناك سباق متقارب في الانتخابات، وأيا كان الفائز بها، فسيفوز بفارق ضئيل جدا مما يدفعني الى الاقتناع بان ايا من الطرفين لن يكون قادرا على فرض وجهة نظره على الاخرين. كما ان هناك الكثير من التوازنات القائمة في النظام اللبناني كما افهمه. ولا اعتقد أن اي طرف سيحرز انتصار كاسحا، وبالتالي فان الحل سيكون بحكومة وحدة وطنية كتلك القائمة الآن. وأنا مقتنع بأن المجتمع الدولي ـ ومن ضمنه الولايات المتحدة – سيبقى ملتزما بالعمق المصلحة اللبنانية العليا أيا تكن الغالبية البرلمانية. بالطبع نحن نريد أن نرى برلمانا يدعم التزام لبنان القرارات الدولية ويعمل على حصرية السلاح بالدولة اللبنانية وأجهزتها الرسمية فقط. هذه أمور نتمنى أن نرى أي حكومة لبنانية جديدة تعمل من أجلها.

* الحوار الوطني يتركز حول الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان، فكيف ترون الحل الأفضل لحمايته من دون سلاح «حزب الله»؟

ـ انها بالفعل قضية صعبة جدا ومفصلية ايضا حول ماهية دولة لبنان. داعمو لبنان في الخارج يأملون في قيام دولة قادرة على ان تحمي كل أراضيها بقواها الشرعية. لا احد منا يتوقع نزعا كاملا لسلاح الحزب في الغد القريب، لكننا نتشجع ايضا بأن هذا الموضوع هو قيد الحوار الداخلي بين القيادات اللبنانية، لا يوجد حل قريب لهذا، لكن ما يهمنا هو ان يدرك اللبنانيون ان سلاح «حزب الله» بدلا من أن يحميهم فانه يجعلهم عرضة للهجمات.

* اليس بامكانكم في الولايات المتحدة أن تساعدوا لبنان في حل قضية مزارع شبعا التي يربط «حزب الله» سلاحه بتحريرها؟

ـ عندما وضع الامين العام للأمم المتحدة تقريره حول الخط الازرق الفاصل بين لبنان واسرائيل في العام 2000 بعيد الانسحاب الاسرائيلي، كان هناك نقاش حول موضوع المزارع. فالتقرير لم يرسم حدودا بين لبنان وسورية في تلك المنطقة. والسؤال هو لماذا لم تسهل سورية تحديد هذه الحدود؟ السوريون يتذرعون بعدم قدرتهم على الوصول الى المنطقة، لكن مع التطور التكنولوجي القائم يمكن تحديد هذه الحدود عبر الاقمار الصناعية ومن دون ضرورة للنزول الى الارض. الخطوة الاولى مطلوبة من السوريين، فاذا قال اللبنانيون والسوريون معا أين هي الاراضي اللبنانية والسورية في المزارع، فهذا سيعطينا شيئا ما للانطلاق منه في تحركنا. ويبدو أن السوريين يريدون ابقاء هذا الملف مفتوحا لإعطاء «حزب الله» ذريعة لابقاء سلاحه.

* انهم يتحركون الان على طول الحدود مع لبنان؟

ـ انه من القضايا التي نراقبها عن كثب. فالعلاقات اللبنانية السورية اتسمت تاريخيا بغموض سوري ازاء السيادة اللبنانية. وهذه هي المرة الاولى التي تتعامل مع لبنان كدولة مستقلة. ولكي تكون جارة جيدة للبنان، على سورية أن تقوم بخطوات في طليعتها ترسيم الحدود مع لبنان، كما عليها أن تغلق بعض المواقع الفلسطينية التي تخرق السيادة اللبنانية كما هو الحال في «قوسايا» التي يعرف الجميع من يتحكم فيها، ونعلم من أين تأتي الاسلحة اليها، ونعلم أن لا علاقة لها بموضوع تحرير فلسطين. على سورية أن تتعاون مع لبنان في حفظ حدوده من الشمال وحتى مزارع شبعا، وأن تحدد هذه الحدود بما ينهي أي جدل حولها.

* ما موقفكم من اقفال المدرسة الاميركية في دمشق؟

ـ هي في الواقع ليست مدرسة أميركية، بل مدرسة للجالية الاميركية، وقد تخرج منها العديد من التلاميذ السوريين اللامعين وهي مفتوحة منذ نحو 15 سنة. السوريون يقومون بما نسميه «تجدع انفك نكاية بوجهك». ففي هذه المدرسة 400 تلميذ بينهم عدد قليل جدا من ابناء الدبلوماسيين الاميركيين، معظمهم هم ابناء رجال اعمال يستقرون في سورية ويساعدون الاقتصاد السوري في التطور، وابناء ديبلوماسيين اجانب من أوروبا وكندا وغيرها. سورية اتخذت القرار باقفال مؤسسة تعليمية محترمة جدا، ومن الذي تضرر؟ انهم التلامذة السوريون وابناء الجاليات الاجنبية في سورية.

* ماذا عن تأثير انتخاب الرئيس الجديد على العلاقة مع ايران؟

ـ ايران هي من القضايا الفريدة التي تواجه الرئيس الجديد، فايران تلعب دورا لا يساعد في استقرار المنطقة، اذ انها تلعب دورا سلبيا في استقرار افغانستان والعراق، وهي تنتهك قرارات مجلس الامن الدولي عبر امدادات الأسلحة الى «حزب الله»، وتسعى إلى منع حل «الدولتين» بين الفلسطينيين والإسرائيليين عبر دعمها المالي لحركات الرفض الفلسطيني. وايران لديها طموحات نووية تتعارض مع قرارات مجلس الامن الدولي، وهي تمثل تحديا ليس للولايات المتحدة فحسب، بل للمجتمع الدولي ودول المنطقة.

* لماذا على العالم أن يخشى «القنبلة الايرانية»؟

ـ انظر الى التصرفات الايرانية، ايران تخرق القرارات الدولية حول امدادات السلاح الى «حزب الله» عبر الحدود السورية، وهذا واحد من الامثلة على الخروق الايرانية للقرارات الدولية. ان غياب الشفافية في الملف النووي الايراني الذي تحدثت عنه الوكالة الدولية للطاقة الذرية لغياب المعلومات الدقيقة حوله أمر مثير للريبة، خصوصا اذا نظرنا الى تصريحات القادة الايرانيين وفي مقدمهم الرئيس أحمدي نجاد، كما ان هناك السلاح الايراني الذي اكتشفناه في العراق. ايران ليست جارا جيدا، وليست لاعبا ايجابيا في النظام العالمي.

* يبدو أن الايرانيين لن يوقفوا برنامجهم النووي، فما هو الحل؟

ـ المجتمع الدولي كان واضحا جدا في التعامل مع هذا الملف، فما دامت ايران لا تتجاوب مع معايير المجتمع الدولي وقرارات مجلس الامن الدولي والوكالة الدولية للطاقة النووية، فالقيود على التعامل مع طهران سوف تتزايد. هناك الان خمسة قرارات لمجلس الامن، ثلاثة منها تحت الفصل السابع، وكذلك عقوبات اوروبية لعدد من المصارف الايرانية. بالاضافة الى العقوبات الاميركية.

* هناك من يعتقد أن الحل هو بعملية عسكرية ضد ايران لتحسين تصرفاتها؟

ـ لا نريد أن نرى حلولا عسكرية، بل ديبلوماسية. لهذا اخترنا طريق المفاوضات لنظهر التزامنا بالحل الديبلوماسي. والديبلوماسية يمكن ان تنجح، واحتمالات نجاحها كبيرة جدا.

* هل هذا يعني ان الحل العسكري اصبح مستبعدا كليا؟

ـ لا اعتقد ان اي رئيس للولايات المتحدة أو أي زعيم أوروبي سيزيل اي احتمال عن الطاولة ما دامت ايران لا تتجاوب مع القرارات الدولية. لا احد يريد الخيار الثاني، الجميع يسعون الى الخيار الديبلوماسي.