بعد أن كانت تسمى «بندقية الشرق».. البصرة تصبح صاحبة «أقذر» الأنهار في العالم

أجملها تحولت إلى مبازل للصرف الصحي.. وأخرى تلاشت

TT

ما من مدينة تشتهر بكثرة الأنهار مثلما البصرة التي يمتد فيها نهر دجلة لمسافة 90 كيلومترا والفرات بمسافة 40 كيلومترا قبل ان يلتقيا ليكونا شط العرب البالغ طوله من القرنة، شمال المدينة، حتى مصبه في الخليج 195 كيلومترا. كما تحتوي على 635 نهرا متفرعا حتى أطلق عليها الكلدانيون تسمية «بصرياثا»، أي القنوات لكثرة الأنهار فيها منذ تلك الأزمنة، ومع ذلك فبالصرة تشكو الآن من انحسار الزراعة بسبب شح المياه.

وتصادفك الأنهار أينما ذهبت في المدينة، فلا ينقضي يوم البصري، من دون أن يعبر جسرا أو نهرا. كما منحت الأنهار أسماءها للأحياء السكنية، وصارت مدنا كبيرة، العشار والمعقل والجبيلة والسراجي والرباط والخورة والخندق، وهي الأنهر السبعة التي تخترق مركز المدينة، حفرت في العصر العباسي لأغراض الري، ويتراوح طول الواحد منها ما بين 10 إلى 12 كيلومترا، حتى تبدو المدينة من الجو كأنها شبه جزيرة تلتف حولها الأنهار من كل الجهات. كما لقبت المدينة باسم بندقية الشرق بسبب كثرة الانهار فيها.

وإذا كانت البصرة قد أضاعت عددا من أنهارها في أزمان سابقة، حيث أندرس نهر الزبير والأبلة وأبي الأسد والمبارك وتلاشت بالتدريج أنهار بويب وحبابه ونهر خوز وباب سليمان، فقد أودت البلدية الأنهر السبعة الكبيرة وتحولت إلى مجاري للمياه الثقيلة، واكتفت السلطات المحلية، وسط حسرة الأهالي، بطلاء أسيجتها والجسور القائمة عليها بالألوان الزاهية غير مكترثة بنوعية المياه فيها، بعدما كانت صالحة للشرب.

وأكد الدكتور خاجاك وارثا نيان، مدير دائرة البيئة، انه «يمكن وصف الأنهار التي تخترق البصرة بمجاري للمياه الثقيلة ولا يمكن عدها من الأنهار بعد ان وصل مستوى التلوث فيها إلى حد غير معقول، إذ تشير التحليلات الأخيرة للمياه فيها على انها من أقذر الأنهار في العالم». ويرى الدكتور قصي عبد اللطيف، مسؤول وحدة التوعية الصحية في دائرة صحة المحافظة، ان وجود النفايات الصلبة في الأنهر تشكل خطرا كبيرا على الحياة العامة، مؤكدا على ضرورة توظيف جهود دولية وشركات عالمية لإعادة تأهيلها.

وقال المهندس عبد الستار عاكف، خبير في الموارد المائية، ان «هذه الأنهار تنقل الملوثات فيها خلال عمليتي المد والجزر إلى مياه شط العرب والتي باتت هي الأخرى غير صالحة للاستهلاك البشري والزراعي»، مشيرا إلى ان «المتعارف علية دوليا ان نسبة التلوث الاعتيادية في المياه تصل الى ما بين واحد إلى ثلاثة أجزاء بالمليون فيما وصلت نسبته في مياه الشط إلى 50  جزءا بالمليون فيما بلغت نسبة الملوحة فيه 3000  جزء بالمليون أي انها أكثر من النسبة المقررة بخمس عشر مرة».

وأشار سهيل جاسم (77 عاماً) ويسكن منطقة العشار، الى ان «ماء نهر العشار كان صالحاً للشرب في ستينيات القرن الماضي، حتى الناظر كان يشاهد قاعه لشدة صفاء المياه فيه»، مضيفا ان «من الذكريات الجميلة للنهر ان الملكة عالية والدة ملك العراق فيصل الثاني ركبت زورقا في مطلع الخمسينيات وانتقلت به من شط العرب إلى منطقة البصرة القديمة حيث تطل بيوت الشناشيل».

وعبر ريسان حمود، 82 عاما، من أهالي الجبيلة عن أسفه للتردي الذي وصلت إليها انهار البصرة حتى أصبحت المياه فيها «ملونة بلون الملوثات بعد ان كانت رقراقة تتسابح فيها أنواع الأسماك»، مؤكدا ان «أنهار البصرة تموت حاليا بشكل جماعي».