انتقادات واسعة لاتهام سورية «تيار المستقبل» بتمويل «فتح الاسلام».. وقوى «14 آذار» تصفه بـ«المضحك»

الحريري من موسكو: ردي سيكون واضحاً وصريحاً على هذه الاتهامات الكاذبة

زعيم تيار المستقبل سعد الحريري لدى لقائه رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين في اطار زيارته الى موسكو (أ ب إ)
TT

تلقت القيادات اللبنانية المعارضة لسورية الاتهامات التي بثها التلفزيون السوري ليل الخميس ـ الجمعة ضد «تيار المستقبل»، الذي يرئسه النائب سعد الحريري، بـ«تمويل» الجماعات التي نفذت تفجير دمشق الاخير، بكثير من الاستياء رغم انها رأت فيه «اتهاماً مضحكاً» كما قال مصدر رفيع في الاكثرية لـ«الشرق الاوسط»، رابطاً بينه وبين اقتراب استحقاق المحكمة الدولية التي ستنظر في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري ورفاقه.

وقد سئل النائب سعد الحريري الموجود في موسكو: ما هو تعليقك على ما بثه التلفزيون السوري من اتهامات لـ«تيار المستقبل» بالتفجيرات التي حصلت اخيراً في دمشق؟ فأجاب: «هذا الكلام مردود لمن ذكره. لا أريد الرد عليه وأنا في روسيا، احتراماً لهذا البلد. ولكن عندما أعود الى لبنان سيكون الرد واضحاً وصريحاً على هذه الاتهامات الكاذبة».

وعقدت الامانة العامة لقوى «14 آذار» اجتماعاً طارئاً أمس وأصدرت بياناً اعتبرت فيه أن «الاتهامات الأخيرة التي وجهها النظام السوري ضد اللبنانيين تشكل محاولة جديدة ومكشوفة للتهرب من مسؤوليته في جرائم الاغتيال، استباقا لتقرير لجنة التحقيق الدولية وقيام المحكمة الدولية». وقالت: «يحاول هذا النظام الإيحاء بأن مسؤولية القتل إنما هي مسؤولية يتشارك فيها الجميع، بدليل الحملة الإرهابية التي تستهدف سورية، وذلك تمهيدا لتبرير رفضه الانصياع لما قد يصدر بحقه نتيجة التحقيق في جرائم الاغتيال». وأضافت: «إن استخدام القتل والإرهاب وسيلة لتحقيق أهداف ومآرب سياسية إنما هو اختصاص حصري للنظام السوري الذي يمهد اليوم الطريق لحملة إرهابية جديدة في لبنان تحت عنوان الدفاع عن النفس».

وتمنى الأمين العام لقوى «14 آذار» النائب السابق فارس سعيد لوزيري الداخلية زياد بارود والدفاع الياس المر «زيارة موفقة الى الشام». واعتبر أن «ما حصل من اتهامات وافتراءات عبر التلفزيون السوري يهدف الى إرباك معالي وزيري الداخلية والدفاع قبل وصولهما الى دمشق». وقال: «استباقا لوصولهما يحاول النظام السوري تحميل المسؤولية لوزيري الداخلية والدفاع اللبنانيين بان لبنان مصدر قلق على سورية وليس العكس. وبالتالي فإن مهمة وزير الداخلية بالغة الاهمية. ونتمنى له التوفيق. ونحذره من ان النظام السوري نصب له فخا قبل ان يصل الى الشام من خلال الافتراءات والاتهامات بأن لبنان هو مصدر قلق لسورية وليس العكس».

وأشار رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع الى أن «الاجهزة الامنية في سورية ليست مضرب مثل في دقة العمل وعدم التلاعب بالتحقيقات». وقال: «ما دام السوريون يقولون إن هذه العناصر من فتح الاسلام، وفي الوقت نفسه، تبين أكثر من مرة لأجهزة التحقيق اللبنانية أن ثمة أدلة على أن لفتح الاسلام علاقة، بشكل ما، ببعض الاغتيالات التي حدثت، فلماذا لا نحيل هؤلاء الموقوفين على لجنة التحقيق الدولية، لأن كل الاغتيالات التي حصلت في لبنان منذ العام 2005 الى اليوم أحيلت أيضا على هذه اللجنة؟ عندها يكون بالنا مرتاحا كلنا ويمكننا أن نصدق أي نتائج تصدر، أكانت تلك التي رأيناها أمس (الاول) من السوريين أو أي نتائج أخرى. ولكن كما هي الامور الآن، أنا شخصيا لا أصدق أي كلمة مما سمعته».

وسئل: «هل تعتقد أن تيار المستقبل له علاقة بمثل هذه الشبكات الارهابية، خصوصا أن التلفزيون السوري قال إنه يمولها؟ فأجاب: «بغض النظر عما قاله هؤلاء الموقوفون، مع العلم اننا نعرف ما جرى أكثر من مرة في مثل هذه المناسبات، فإن هناك أمورا خارجة عن المنطق. لا أدري كيف يمول تيار المستقبل فتح الاسلام في مناطق وجوده، ويعود ليخوض معركة شرسة عندما أعطت الحكومة برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، وتيار المستقبل كان ممثلا فيها ونحن أيضا، أوامر واضحة لأول مرة في تاريخ لبنان للقضاء على مجموعة فتح الاسلام. هناك أمور لا يقبلها المنطق أبدا». وسأل: «لماذا نبقى في التكهنات؟ فلتحول سورية هؤلاء الموقوفين الى لجنة التحقيق الدولية. وإذا أرادت فلتسلمهم الى الاهالي مباشرة كي يتم التحقيق معهم، ليس في هذه العملية تحديدا بل في كل الاتهامات السابقة، وخصوصا في عمليات الاغتيال التي حصلت في لبنان». وعندما قيل له: النائب سعد الحريري تحدى قبل أيام الرئيس السوري بشار الاسد بأن الارهاب يأتي من سورية، أجاب: «يمكن ان يكون هذا هو الرد».

وأعلن النائب بطرس حرب انه فوجئ بالخبر الذي بثه التلفزيون السوري. وقال: «لم نعرف اذا كان المطلوب من الذين دمروا لبنان ان تؤخذ منهم افادات ضد قوى 14 آذار من سورية لمصلحة حليفتها قوى 8 آذار على مشارف الانتخابات لتشويش صورة 14 آذار وتيار المستقبل». واستغرب النائب مصباح الأحدب «الحملة المستمرة التي تقوم بها سورية لتصوير طرابلس وكأنها منبع للإرهاب وتحميلها مسؤولية ما يحدث من توتير أمني وتفجيرات في لبنان وسورية» مؤكدا «ان الجميع يعلم ان طرابلس هي ضحية الارهاب المستورد من الخارج». وقال: «ان الحملة التي قام بها التلفزيون الرسمي السوري امس (الاول) هي للضغط على المباحثات التي سيجريها وزيرا الداخلية زياد بارود والدفاع الياس المر في سورية، لكي تأتي هذه المباحثات لمصلحة المخابرات السورية. وهذا ما نرفضه رفضا تاما، مع تأكيدنا اهمية اجراء هذه المباحثات بطريقة بناءة. إلا اننا لن نقبل بأي شكل من الاشكال العودة الى الوراء». وأضاف: «من المفارقة ان نسمع ممن ظُهِّروا على شاشة التلفزيون السوري تصريحات تفيد بان قسما كبيرا منهم كانوا طلابا في معهد الفتح في دمشق في حين ان الجميع يعلم ان القيمين على هذا المعهد تربطهم علاقة قوية بالنظام السوري».

وكان التلفزيون السوري عرض مساء أول من أمس اعترافات عدد من عناصر مجموعة قالوا إنهم ينتمون لتنظيم فتح الإسلام وشاركوا في تنفيذ تفجير سيارة مفخخة، جدلا كبيرا امس. والتفجير كان نفذ على طريق المتحلق الجنوبي في مدينة دمشق قرب مفرق السيدة زينب في 27 سبتمبر (أيلول) الماضي وأسفر عن مقتل 17 شخصا وإصابة 65 آخرين، وهو الهجوم الأكثر دموية الذي تتعرض له دمشق منذ الثمانيات.

ومن أبرز الأشخاص الذين ظهروا في الشريط عبد الباقي محمود حسين الذي عرف عن نفسه بأنه مسؤول أمني في تنظيم فتح الإسلام، واستأثر بالمساحة الأكبر من الشريط والاعترافات، حيث تحدث عن طريقة تنفيذ العملية بعد حديث مطول عن علاقة تنظيم فتح الاسلام في سورية وفتح الإسلام في لبنان، وعن العلاقة مع التيارات السلفية، ومع تنظيم «القاعدة» وكذلك مصادر التمويل، وتفاصيل حول العناصر القيادية في التنظيم. وفي الشريط كان الحسين يدلي باعترافات يتخللها تأكيد باعترافات عناصر المجموعة الآخرين. وفيما يتعلق بتنفيذ عميلة التفجير في منطقة القزاز، قال حسين إنه في الشهر السابع تم التحضير لتنفيذ عمل في سورية وتم طرح بعض الأهداف الموجودة لضربها وهي المراكز الأمنية والدبلوماسيون (دبلوماسي إيطالي إضافة إلى آخر بريطاني) واستهداف للسيارات التي تنقل عناصر الأمن من وإلى المراكز الأمنية. ومضى محمود الحسين يقول إنه تم التخطيط لضرب أهداف اقتصادية للحصول على تمويل للتنظيم والهدف الأول كان مركز تحويلات موجود في جرمانا ومركز آخر في مفرق حجيرة وشركة القدموس في البرامكة والمصرف المركزي في مدينة دمشق أثناء صرف الرواتب. كما أشار إلى أن فكرة القيام بعملية القزاز تعود لأبي محمد عوض الأمير العام للتنظيم (الذي ناب عن شاكر العبسي بعد اختفائه) وكانت الفكرة القيام بعملية في سورية وبسرعة «والغاية من العمل كانت عدة أوجه، أولاً إرباك النظام في سورية وإظهار أنه لا يضرب القوي إلا القوي»، اذ أن «النظام السوري وأجهزته الأمنية قتلت أبو الليث الذي يعتبر صهر شاكر العبسي ومعه شخص يدعى أبو عبد الرحمن عند الحدود العراقية فضلا عن ملاحقة الكثير من عناصر تنظيم فتح الإسلام وإلقاء القبض عليهم وزجهم في السجون السورية».

وقال «أرسل أبو محمد إلى سورية خبير متفجرات وتفخيخ يدعى أبو هاجر وهو لبناني من طرابلس، كما تم الاتفاق مع مرافق العبسي أبو أيمن على اختيار أبو عائشة السعودي أبو بندر الجزراوي» الذي أدخله أبو هاجر عن طريق الحدود تهريبا وأوصله إلى دمشق وهو الذي كان من مجموعة شاكر العبسي التي خرجت من مخيم نهر البارد ومصاب في احدى عينيه، وذلك للقيام بقيادة السيارة المفخخة. وتبين أن السيارة سرقت بتاريخ 26 سبتمبر ـ قبل يوم من التنفيذ ـ وجرى تفخيخها في مزرعة في منطقة خان الشيح من قبل أبو هاجر، وهو لبناني من قرى عكار ويدعى عبد الغني هاني جوهر مسؤول التفخيخ في تنظيم فتح الإسلام، بحسب الشريط. سلمان محمد الشحنة وهو فني في الكمبيوتر وعضو في تنظيم فتح الإسلام من مواليد 1977 ذكر أن أول عينة (من المواد المتفجرة) بلغت حوالي 23 كيلوغراما، والعينة التي بعدها 150 كيلوغراما، والتي بعدها 88 كيلوغراما. وأفاد محمود الحسين أنه تم تسليم العينات لسلمان شحنة الذي قام بنقل قسم منها إلى مدينة دمشق. وأشار عبد الباقي حسين إلى أن المجموعة وجدت صعوبة في تمويل عملية القزاز التي تطلبت أموالا كثيرة، خاصة أن الموارد الخارجية والتبرعات غير ثابتة من حيث حجم المبلغ وتوقيت وصولها، فتم اللجوء إلى القيام بعمليات سطو على مكتب تحويلات مالية، إلا أن المبلغ لم يكن كافيا ما دفعهم للقيام بالسطو على محل صياغة ذهب لكنها باءت بالفشل وتم إلقاء القبض على واحد من عناصر المجموعة. الاعترافات كشفت وجود مخططات للقيام بسلسلة عمليات كانت تستهدف دبلوماسيين أجانب في دمشق ومقارا أمنية ووسائل نقل رجال الأمن من المراكز إلى البيوت، إضافة إلى أهداف مدنية مثل البنك المركزي، ومكاتب تحويل أموال ومكتب التحويل التابع لشركة القدموس في البرامكة. كما تم إعداد مخطط لاستهداف محطات وقود تابعة للدولة أو مستثمرة من قبل «النصارى» و«الشيعة». ومن أجل هذا تمت الاستعانة بموظف في شركة المحروقات تم تجنيده في التنظيم تولى مهمة وضع قائمة بتلك المحطات، بحسب الشريط. على صعيد آخر، أظهرت الاعترافات أن مصير شاكر العبسي ما زال غامضا فربما هو قتل أو معتقل أو متوار، إلا أن الجماعة في لبنان أنابت عنه في «الإمارة» أبو محمد عوض رغم الخلاف قبيل تنفيذ التفجير بفترة قصيرة. وقال عبد الباقي حسين المسؤول الأمني في التنظيم بسورية إن «قائد تنظيم فتح الإسلام شاكر العبسي هرب من مخيم نهر البارد إلى مخيم البداوي وكانت له مجموعة تضم كلا من أبو هاشم من درعا، وأبو معاذ (فلسطيني سوري) وأبو احمد وأبو الخباب (سوري حلبي) بالإضافة إلى أبو ثابت (تونسي يسكن في ألمانيا) وشابين من السعودية هما أبو عبد الله وأبو عائشة بالإضافة إلى مرافقه أبو أيمن».

وقال حسين انه في أواخر شهر تموز الماضي اختفى العبسي واضعا ثلاثة احتمالات وهي: ذهاب العبسي إلى العراق أو العودة إلى لبنان أو اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية السورية، مضيفا أن «العبسي ذهب برفقة كل من أبو هاشم وأبو معاذ إلى موعد ولم يعودوا منه». وقال موضحا كيفية دخول المجموعة الى سورية إن «العبسي كان يرتب أمور دخول سورية حيث تم ذلك برفقة اللبناني أبو العبد من طرابلس عن طريق مهرب لبناني وتسلمنا مهرب سوري أوصلنا إلى مدينة دمشق حيث انتقلنا إلى بيت أخي أبو أيمن في الحجر الأسود ثم انتقلنا إلى المليحة ذلك بعد فبراير 2008».

وبحسب الاعترافات فان فتح الإسلام على علاقة وطيدة مع التيار السلفي في شمال لبنان، كما ان هذه الجماعات على ارتباط بتنظيم «القاعدة»، وأن عمليات التمويل تتم من مصادر عديدة منها السلفية في شمال لبنان، ومتبرعون من الإمارات والأردن واليمن والعراق وإحدى الدول الأوروبية (لم تسمى)، وبواسطة جمعيات خيرية. كما اتهم الشريط تيار المستقبل في لبنان بتمويل تنظيم فتح الإسلام، قائلا إن مبالغ كانت تحول من قبل تيار المستقبل عبر بنك المتوسط.

وبحسب اعترافات وفاء، ابنة شاكر العبسي وزوجة احد إفراد الجماعة الإرهابية ياسر عناد، فإن «هناك دعما ماليا مباشرا للتنظيم كان يصل من التيارات السلفية»، مشيرة إلى أن «القيادي في فتح الإسلام أبو هريرة (شهاب قدور) كان على علاقة خاصة ببلال الدقماق الذي يرتبط بعلاقة بالداعي الشهال المسؤول عن التيار السلفي في طرابلس». ونقلت وفاء عن والدها قوله إن «هناك رسائل متبادلة بين تنظيم فتح الإسلام وتيار المستقبل، وهناك تواصل عن طريق التيارات السلفية في شمال لبنان»، مشيرة إلى أن«تيار المستقبل كان يمول التنظيم» بالإضافة إلى تلقيه دعما ماليا من أعضاء ينتمون إلى تنظيم «القاعدة» في دولة الإمارات والسعودية.