حالة انقسام في صفوف السلفيين بين من يرفض الشريط ومن يطلب التحقيق فيه

الشريط السوري المتلفز يهزّ الوسط السلفي في لبنان

TT

خضّة كبيرة في طرابلس أحدثتها اعترافات المتهمين بتفجير «القزاز» في دمشق والذين ينتمون إلى تنظيم فتح الإسلام، بعد ظهورهم على شاشة التلفزيون السوري مساء أول من أمس. وتحدث بعض المتهمين عن انتقالهم بين طرابلس وسورية وعلاقات لهم بسلفيين لبنانيين في شمال لبنان. كما قالت وفاء العبسي، ابنة رئيس تنظيم فتح الإسلام المختفي منذ معارك نهر البارد، في الشريط إن المدعو أبو هريرة (أحد قادة التنظيم) كان على علاقة خاصة مع التيارات السلفية في شمال لبنان وخاصة مع بلال دقماق الذي يعمل مع داعي الإسلام الشهال. وانقسم السلفيون أمس في ردود فعلهم على هذه الاعترافات، ففيما رأت فئة منهم أن كل ما يأتي من سورية هو مثار شك وريبة و«أن المتهمين أدلوا باعترافاتهم تحت الضغط، خاصة ان التعذيب في السجون يكاد يكون أمراً روتينياً هناك»، رأت فئة أخرى «أن جزءاً من هذه الاعترافات لا يخلو من الصحة وإن كان قد تم تمليح بعض الأحداث وتبهيرها لإحداث الصدى المرجو منها». واعتبر هذا الفريق ان ما ورد على لسان المتهمين من اعترافات يجب ان يكون بمثابة إخبار للقوى الأمنية اللبنانية التي يفترض ان تستدعي من وردت أسماؤهم لاستجوابهم ومعرفة الحقيقة كاملة منهم، كما يفترض ان تعيد استجواب الموقوفين من بين من ذكرت أسماؤهم على ضوء المعلومات الجديدة التي ظهرت أول أمس. وسجل أحد السلفيين الذي رفض الكشف عن اسمه إعجابه بما سماه «الضربة السورية للطريقة الدعائية التي استطاعت بها تظهير القضية». وتساءل «لماذا لم تتمكن القوى اللبنانية من الوصول إلى نتائج واضحة في التحقيقات تطلع عليها الرأي العام، علماً بأنها اعتقلت عدداً كبيراً من تنظيم فتح الإسلام. كما ان وفاء شاكر العبسي كانت موجودة في لبنان طوال شهور، ولم نعرف إن كانت قد استجوبت أم لا، وما هي المعلومات التي أدلت بها؟ وهل هي متطابقة مع التي أدلت بها في سورية ام تتناقض معها؟». واستطرد هذا السلفي قائلاً: «ما شاهدناه بالأمس على الشاشة يثبت ان لسورية قدرة كبيرة على اختراق التنظيمات الإسلامية استخباراتياً، وهو ما عجزت عنه القوى الأمنية اللبنانية، التي لم تُرِنا رغم كثرة ودسامة الموقوفين الإسلاميين لديها شيئاً مشابهاً لما استطاع ان يقدمه السوريون للرأي العام». ونفى بلال دقماق أمس، وهو رئيس «جمعية اِقرأ» الذي ورد اسمه في الاعترافات كأحد الذين تعاونوا مع فتح الإسلام، ان تكون القوى الأمنية قد استدعته للتحقيق معه حول ما نسب إليه في الشريط المتلفز. وأضاف: «لا أتصور أنهم يجرؤون على ذلك، فنحن لم ننكر يوماً علاقتنا بفتح الإسلام. والجميع بات يعلم أننا كلفنا من قبل الحكومة اللبنانية يومها بوساطة مع التنظيم. وقد قمنا بالفعل بهذه الوساطة التي دامت حوالي ثلاثة أشهر، وتمحورت حول التعرض للأمن اللبناني وتسليم مطلوبين من بينهم للسلطات اللبنانية. اذ انه أثناء هذه المفاوضات وقع انفجار عين علق» (تبين لاحقاً مسؤولية فتح الإسلام عنه). وحول السبب الذي استدعى اختيار الشيخين دقماق وداعي الإسلام الشهال دون غيرهما للقيام بهذه الوساطة، وهل ان الوجوه المتهمة التي ظهرت أمس على الشاشة هي من ضمن معارفهما يقول دقماق: «تم اختيارنا لأننا معروفان باستقلاليتنا وكنا غالباً ما نلتقي في منزل شاكر العبسي او في مركز التنظيم العسكري، أما بقية الوجوه التي كنا نقابلها فكانت كثيرة، ولم يتسن لي معرفة أحد ممن ظهروا بالأمس». ويشدد فياض الحلبي، المدير الإعلامي لمكتب الشيخ داعي الإسلام الشهال الموجود حالياً خارج لبنان، على أمرين ويقول: «الشق الأول ان بلال دقماق ليس على ارتباط عضوي بالشيخ الشهال، ولكل منهما جمعية تختلف عن الأخرى، وهما يختلفان في المواقف أو يلتقيان. أما الشق الثاني الذي يتعلق بعلاقتنا بفتح الإسلام، فقد كانت بسبب وساطة كلفتنا بها الحكومة اللبنانية، وهذا أمر لم يعد خافياً على أحد وليس فيه أي جديد». ويتهم البعض الشهال ودقماق بالتمادي في الوساطة التي كلفا بها مع فتح الإسلام وانهما ذهبا أبعد مما هو مسموح، كما وردت اتهامات في الشريط التلفزيوني تعتبر ان دقماق كان قد تحول إلى وسيط مالي مع التنظيم. وأجاب دقماق على هذه الاتهامات بالقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «نحن لا إمكانية لدينا لمساعدة أحد. ونحن نختلف مع فتح الإسلام عقائدياً، كما أننا لم نذهب بعيداً في علاقتنا معه، بدليل اننا لم نستدع للتحقيق بعد معارك نهر البارد وتورط التنظيم بقتل اكثر من مائة جندي من الجيش اللبناني».

ويعلق الشيخ السلفي صفوان الزعبي، رئيس «جمعية وقف التراث» على هذه التطورات التي أحدثت ما يشبه الصدمة في طرابلس وهزّت الوسط السلفي بالقول: «قد يكون ما قيل صحيحاً، لكن الساحة السلفية بمجملها لا تتحمل أخطاء أفراد غير منضبطين، خاصة ان بعضهم لا يحمل من السلفية إلا اللحية». ويستطرد: «ثمة احتمال ان يكون بعض الأفراد قد تورطوا، ومن المفترض ان يعتبر ما سمعناه أول أمس بمثابة بلاغ وعلى القوى الأمنية ان تحقق في صحته، بأن تستدعي من تراه مناسباً لاستجوابه ومعرفة الحقيقة». ويضيف «لا نستغرب ما سمعناه، فثمة أكثر من طرف يحاول استغلال السلفيين، وهو مسلسل يتكرر دائماً. والمؤسف ان هذا المسلسل يعاد استخدام أبطاله أنفسهم، وعلى الإسلاميين الا يتقبلوا استغلالهم بهذه الطريقة الغبية وغير المقبولة».

وفي «مخيم البداوي» الموجود على أطراف مدينة طرابلس تم بالأمس اعتقال اثنين من عناصر تنظيم «فتح الإسلام».