قيادات الشرطة العراقية تخشى انسحابا أميركيا قبل استكمال بنائها

عديد الجهاز لا يتجاوز 42 ألفا من أصل 100 ألف هو الرقم المستهدف

TT

يبدي المقدم كاظم جابر كاظم، الذي سبق له العمل في جيش صدام حسين، فخره بكونه المسؤول الأعلى في الشرطة داخل سوق الدورة الكبير، والذي كان واحداً من أكثر مناطق بغداد خطورة حتى نجاح القوات الأميركية في طرد المتمردين منه العام السابق. وتباهى قائد الشرطة العراقي، أثناء وقوفه محاطاً بأكثر من عشرة ضباط عراقيين يرتدون زيهم الرسمي الجديد الأزرق الرمادي اللون، بقوله: «منذ مجيئنا إلى هنا، سيطرنا على الوضع الأمني بأنفسنا». ورغم ذلك، بل وأثناء حديث كاظم، عكفت وحدة تابعة للجيش الأميركي على وضع حواجز خرسانية بهدف حماية مركز الشرطة التابع له الواقع على طرف السوق. وعند سؤاله حول إمكانية انسحاب القوات الأميركية، الذي ربما يتم الإسراع في تنفيذه نظراً للخطة التي أعلنها الرئيس المنتخب، باراك أوباما، بشأن سحب معظم القوات المقاتلة في غضون 16 شهراً من توليه السلطة، بدا الفزع على وجه كاظم. وأجاب: «شخصياً، أحتاج إلى بقاء القوات الأميركية. إن الحكومة العراقية ما تزال ضعيفة»، واستطرد موضحاً كيف تساعده القوات الأميركية من خلال إمداده بالمعدات والخدمات الضرورية. والواضح أنه مع تراجع أعمال العنف بصورة بالغة، تحاول القوات الأميركية تعزيز الصورة العامة للقوات الأمنية العراقية والثقة فيها من خلال توجيه وتدريب الجنود والضباط التابعين لها، وإجراء حملات داعمة لها على صعيد العلاقات العامة. وترمي واشنطن من وراء ذلك إلى دفع المواطنين لطلب الحماية من القوات العراقية، بدلا من الميليشيات أو الجماعات المتمردة، مع رحيل القوات الأميركية. في هذا الصدد، أكد الليفتنانت كولونيل تروي سميث، قائد السرية 7، من فوج الفرسان 10 التابع للفرقة الرابعة مشاة، أن: «هذا هو العنصر الجوهري ... إذا ما أصبح لدى الأفراد ثقة في قدرة قوات الأمن على توفير الأمن لهم. وألا يشعر المواطنون... بأن القوات تحمل طابعاً طائفياً، وإنما تعمل من أجل دعم كل الشعب». يذكر أن السرية التي يقودها سميث عملت على تقديم العون إلى الشرطة العراقية بجنوب بغداد منذ مارس (آذار). وخلال عمليات الانتشار السابقة له داخل المنطقة، عام 2006، عاين سميث شن المتمردين السنة والشيعة القتال ضد بعضهم البعض وضد القوات الأميركية باستخدام مدافع الهاون والبنادق الآلية والقنابل. وأشار إلى أنه في ذلك الوقت، لم توفر الشرطة أي عون، وقال: «لقد كانوا بشعين. كانوا ميليشيا في صور متعددة». إلا أنه أضاف أنه شهد هذا العام تغييراً هائلاً، حيث نجحت وزارة الداخلية في تطهير صفوفها من خلال فصل أو نقل معظم القيادات الشرطية الكبرى، إلى جانب تسريح ما يزيد على 11.000 ضابط. وأوضح سميث أنه رغم بقاء بعض ضباط الشرطة الفاسدين في مناصبهم، فإنهم «كمنظمة، لم يعد الطابع الطائفي غالباً عليهم». بيد أن الكثير من العراقيين لهم رأي مختلف. في الشهر السابق، انفجرت سيارة مفخخة في سوق بأبو دشير، وهو حي يقطنه الشيعة داخل المنطقة التي يعمل بها سميث، مما أسفر عن مقتل 14 شخصا. وهرعت إلى منطقة الحادث فرقة من الشرطة ينتمي غالبية أعضائها إلى السنة. ولدى وصول قوة الشرطة، اندلعت أعمال شغب وشرع سكان المنطقة في إلقاء الحجارة على الضباط، متهمين إياهم بالانحياز لصف المتمردين السنة، حسبما أفاد شهود العيان. من ناحيتها، بعثت القوات الأميركية بطائرات مروحية وجنود للمساعدة في وقف أعمال العنف. وأعرب سميث عن اعتقاده بأن القنبلة ربما تم زرعها على يد أعضاء ميليشيات شيعية، وليس سنية بهدف إشعال مواجهة شيعية ـ سنية. يذكر أنه من المقرر أن تصبح الشرطة الوطنية حجر الزاوية في القوات العراقية المعنية بمكافحة حركة التمرد بالعراق، بينما ستضطلع المؤسسة العسكرية بمسؤولية حماية البلاد من الهجمات الخارجية. يذكر أن قوات مكافحة التمرد أضافت إلى صفوفها عشرات الآلاف من الضباط في العام السابق.

ومع ذلك، فإن الشرطة الوطنية، مع وجود قرابة 42.000 عنصر في صفوفها، ما تزال أقل بكثير من الهدف المنشود الخاص بضمها حوالي 100.000 عنصر، وليس بمقدورها حتى الآن تغطية البلاد بأكملها. جدير بالذكر أن الشرطة الوطنية لا تعمل داخل إقليم كردستان في الشمال الذي يتمتع بشبه استقلال ذاتي، وأخفقت في التوصل إلى اتفاق يتيح لها استيعاب قوة الشرطة الكردستانية في صفوفها، حسبما صرح مسؤولون أميركيون وعراقيون. ويوجد بالعراق عشرات الآلاف من ضباط الشرطة المحلية. من جهته، قال رئيس الشرطة الوطنية، الفريق حسين العوادي، في لقاء أجري معه: «ليس لدينا تغطية جوية لتساعدنا في تنفيذ مهامنا. ونحتاج للمزيد من وسائل النقل. ونحتاج إلى أسلحة. في الوقت الحاضر، تجري تغطية كل هذه الأمور من جانب قوات التحالف». يذكر أن معظم ضباط الشرطة الوطنية تلقوا توجيها وتدريبا على امتداد ثلاثة شهور فقط، إلا أنه يجري إشراكهم تدريجياً في دورات تدريبية أطول تديرها قوة شرطية إيطالية شبه عسكرية. أما أزمة المعدات فما تزال قائمة. من ناحيتها، عمدت الشرطة الوطنية إلى تعيين آلاف السنة في صفوفها التي هيمن عليها الشيعة. ومع ذلك، لا تزال المخاوف تراود الكثيرين حيال قوة الشرطة، التي وفرت غطاءً خلال السنوات السابقة لفرق الموت الشيعية ويُبدي أعضاؤها ميولا وولاءات طائفية. يذكر أن مسودة الاتفاق الأمني الذي من المقرر بدء سريانه في الأول من يناير (كانون الثاني) تمنح العراق قدرا أكبر من السيطرة على العمليات العسكرية الداخلية. وبمقتضى الاتفاق، لن يصبح بمقدور القوات الأميركية احتجاز المشتبه فيهم بدون إذن من السلطات العراقية، وسوف تفقد القوات الأميركية بدرجة كبيرة قدرتها على العمل بصورة انفرادية. ومن المقرر أن يحل الاتفاق محل التفويض الذي توفره الأمم المتحدة والذي يسمح بوجود القوات الأميركية في العراق وينتهي بحلول 31 ديسمبر (كانون الأول). وتحيط الشكوك بما إذا كان الاتفاق سيحظى بموافقة البرلمان العراقي. وينص الاتفاق على انسحاب القوات الأميركية من المدن العراقية بحلول منتصف عام 2009، ومغادرة البلاد بأكملها بحلول ديسمبر (كانون الأول) 2011. من ناحيتهم، يرى مسؤولون عسكريون أميركيون وعراقيون أن العراق ربما لا تتوافر لديه القدرة على الدفاع عن نفسه في ذلك الوقت، مشيرين إلى أنه ما يزال يفتقر إلى وجود طائرات نفاثة مقاتلة أو مدفعية، ولن يستلم أول سفينة كبرى بأسطوله البحري حتى العام المقبل. علاوة على ذلك، فإن الكثير من الطيارين من أعضاء القوة الجوية سابقاً والذين تم تعيينهم مجدداً اقتربوا من سن التقاعد ولم يقوموا بقيادة طائرات منذ سنوات عديدة. كما تعتمد الحكومة العراقية بشدة على القوات العسكرية الأميركية في الحصول على الدعم الجوي، وبمجالي جمع الاستخبارات وأمن الحدود، حسبما أفاد مسؤولون عراقيون. من جهته، أكد علي الدباغ، المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية، أن القوات العسكرية والشرطية حققت تقدماً كبيراً، لكنه أضاف: «نعتقد أن قواتنا الأمنية ما تزال بحاجة إلى مزيد من الإمدادات والتدريب». ويأمل المسؤولون العسكريون الأميركيون في تلقين قوات الأمن العراقية، التي عادة ما لجأت لتوجهات عنيفة في ظل حكم الديكتاتور السابق، ليس فقط المهارات الفنية الجيدة، وإنما كذلك القيم الديمقراطية.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)