تقرير: تفويض سري للجيش الأميركي لملاحقة «القاعدة» حول العالم

12 عملية عسكرية سرية ضد سورية وباكستان.. وأخرى ألغيت بسبب خطورتها على الصعيد الدبلوماسي

TT

كشف مسؤولون أميركيون بارزون، أن الجيش الأميركي استخدم تفويضا سريا واسع النطاق لتنفيذ ما يزيد على حوالي 10 هجمات غير معلنة في السابق ضد تنظيم «القاعدة»، والمسلحين الآخرين في سورية، وباكستان، وفي نواح متفرقة أخرى من العالم. ويقول المسؤولون الأميركيون أنه في ربيع 2004، وبموافقة الرئيس الأميركي جورج بوش، وقع دونالد رامسفيلد ـ وزير الدفاع الأميركي السابق ـ تفويضا سري التصنيف يجيز شن تلك الغارات ـ التي قامت بها قوات العمليات الخاصة. ومنح هذا التفويض السري الجيش الأميركي سلطات جديدة من نوعها، يمكن على أساسها الهجوم على الشبكة الإرهابية للقاعدة في أي مكان في العالم، كما منح هذا التفويض الجيش الأميركي أيضا تفويضا شاملا يجيز له مباشرة وإدارة عمليات عسكرية في الدول التي لا تخوض حربا مع الولايات المتحدة. ومثالا على ذلك، وطبقا لمسؤول بارز سابق بوكالة الاستخبارات المركزية، ما حدث عام 2006 عندما هاجمت وحدة بالبحرية الأميركية مجمع للمباني والمنشآت يشتبه في كونه تابعا للمسلحين في باجور بباكستان. وفي وقت العملية، كان فريق من المسؤولين يتابعون المهمة العسكرية كاملة ـ والتي تم تصويرها بالفيديو عبر كاميرا مثبتة في طائرة بريداتور ـ من مقر مركز مكافحة الإرهاب التابع لوكالة الاستخبارات المركزية في فيرجينيا على بعد 7000 ميل من مقر العملية. وحسبما أفاد مسؤولون أميركيون بارزون، فإن بعض هذه المهام العسكرية تمت إدارتها بتنسيق وثيق مع وكالة الاستخبارات المركزية، وأضاف المسؤولون أنه في بعض العمليات الأخرى ـ مثل تلك التي تأتي على غرار الغارة الأميركية على بوكمال السورية في 26 أكتوبر (تشرين الأول) من هذا العام ـ باشر جنود كوماندوز أميركيون مهام عملياتهم العسكرية بدعم عملياتي مباشر من وكالة الاستخبارات الأميركية. ويشير مسؤولون عسكريون بارزون، أنه قد تم إلغاء العشرات من العمليات الأخرى على مدار السنوات الأربع الماضية، نظرا إلى خوف القادة العسكريين منها في الغالب، حيث قرر مسؤولو الإدارة البارزين في هذه الحالات أن تلك المهام تعتبر بالغة الخطورة، وبها قدر كبير من المجازفة، أو أن لها تبعات دبلوماسية ضارة للغاية، أو أن الأدلة التي ترتكن إليها العمليات الاستخباراتية غير كافية. ووصف أكثر من 6 مسؤولين ـ منهم مسؤولون عسكريون واستخباراتيون حاليون وسابقون فضلا عن صناع سياسة بارزين داخل إدارة بوش، لم يرغبوا في الكشف عن أسمائهم نظرا للطبيعة السياسية الحساسة للقضية ـ تفاصيل التفويض العسكري لعام 2004. يأتي هذا في الوقت الذي أحجم فيه البيت الأبيض، ووزارة الدفاع، والجيش الأميركي عن التعليق على الأمر. وبعيدا عن الغارة الأميركية التي تم شنها على الأراضي الباكستانية عام 2006، رفض المسؤولون الأميركيون إفشاء تفاصيل الهجمات الأخرى غير المعلنة التي أشاروا إليها، فيما عدا قولهم أنها تمت في سورية، وباكستان، ودول أخرى. وأكد المسؤولون على أنه لم تحدث غارات على إيران من هذا القبيل، على أساس هذا التفويض، إلا أنهم عادوا وأوضحوا أن القوات الأميركية نفذت مهاما استطلاعية في إيران باستخدام توجيهات أخرى مصنفة سريا. وأورد مسؤول بارز بالإدارة الأميركية أن التفويض الجديد منصوص عليه في وثيقة مصنفة سريا تُدعى «القاعدة» «نت وورك إكسورد» أو الأمر التنفيذي، والتي تشير للجيش بالموافقة على مباشرته لعمليات خارج مناطق الحرب المعلن عنها رسميا. تجدر الإشارة إلى أنه في الماضي، كانت الحاجة تقتضي الحصول على موافقة البنتاغون على كل مهمة عسكرية على حدة، وكان هذا الأمر يستغرق أياما في بعض الأحيان، في الوقت الذي تكون فيه هناك حاجة ماسة لسرعة مباشرة العملية في غضون ساعات فقط. وأضاف المسؤول أن هذا التفويض الجديد أجاز لمخططي البنتاغون الحصول على الضوء الأخضر اللازم لمباشرة أي مهمة عسكرية بأقصى سرعة ممكنة. كما أتاح هذا التفويض أيضا للمسؤولين البارزين التفكير في كيفية استجابة ورد الولايات المتحدة إذا ما أخفقت العملية، حيث يقول مسؤول عسكري بارز: «إذا ما سقطت المروحية في سورية في طريقها للهدف، فستكون الاستجابة الأميركية بأنه ليس من الضروري إنجاز العملية جوا». وكان هذا التفويض الصادر عام 2004، بمثابة خطوة تشير إلى مدى التطور الحادث بين الحكومة الأميركية في سعيها لأسر الإرهابيين التابعين للقاعدة من جميع أرجاء العالم. كما تم إصدار هذا الأمر بعد أن منحت إدارة بوش فعليا أجهزة الاستخبارات الأميركية سلطات شاملة لاعتقال المشتبه فيهم في الإرهاب سرا والتحقيق معهم في السجون بجميع أرجاء العالم، هذا علاوة على السماح لها بإجراء عمليات تنصت سرية على الهواتف ووسائل الاتصال الإلكترونية دون الحصول على تفويض مسبق. جدير بالذكر، أنه بعد أحداث 11 سبتمبر (ايلول) الإرهابية بفترة قليلة، أصدر بوش قرارا مصنفا سريا يقضي بأن تعمد وكالة الاستخبارات المركزية إلى قتل أو أسر مسلحي «القاعدة» في العالم بأسره. وبحلول عام 2003، أصبحت أجهزة الاستخبارات الأميركية، والجيش الأميركي أكثر فهما لطبيعة الشبكة العالمية الموسعة للقاعدة. وفي تلك الأثناء، ضغط رامسفيلد بشدة لإطلاق العنان للجيش ضد المسلحين خارج مناطق الصراع في العراق وأفغانستان. وأوضح مسؤول بارز بالإدارة الأميركية أن التفويض الصادر عام 2004 يحدد 15 ـ 20 دولة، منها سورية، وباكستان، واليمن، والعديد من دول الخليج الأخرى، التي يسود توقع بأن مسلحي «القاعدة» يباشرون مهامهم من أراضيها، أو أنهم يتخذون من أراضيها ملاذا آمنا لهم. وأضاف المسؤول البارز أنه حتى في ظل هذا التفويض، فإن كل عملية محددة تستلزم الحصول على موافقة رفيعة المستوى من الحكومة. فعلى سبيل المثال، استلزمت الأهداف التي تمت مباشرتها في الصومال الحصول على موافقة وزير الدفاع، واستلزمت العمليات التي تمت في بعض الدول ـ مثل باكستان وسورية ـ الحصول على الموافقة الرئاسية. ويقوم البنتاغون بممارسة سلطاته بصورة متكررة، حيث يرسل أفراد الكوماندوز إلى بعض الدول مثل أفغانستان، والصومال. وقد تم نقل تفاصيل القليل من هذه الهجمات في السابق. ومثالاً على ذلك، بعدما عبرت القوات الإثيوبية إلى الصومال بنهاية عام 2006 للإطاحة بالنظام الإسلامي في مقديشيو، أرسلت قيادة العمليات الخاصة المشتركة في البنتاغون على نحو من السرية عملاء لها وطائرات من طراز AC-130 إلى مهبط طائرات بالقرب من المدينة الإثيوبية دير داوا. وانطلاقًا من هذا المكان، عبرت وحدة سرية أطلق عليها القوة 88 إلى الصومال لاقتناص أعضاء خلية «القاعدة» البارزين، والمعتقد أنهم هم المسؤولون عن تفجيرات السفارة الأميركية في كينيا وتنزانيا عام 1998. في تلك الأثناء، أفاد المسؤولون الأميركيون أن قوات العمليات الخاصة كانت تباشر مهمتها بموجب توجيه سري يجيز للجيش قتل أو أسر نشطاء «القاعدة» إذا ما كان الإخفاق في العمل سريعا سيعني فقدان الولايات المتحدة «فرصة العبور سريعا» لإضعاف العدو. وقال المسؤولون إنه سيتم إنزال قوات العمليات الخاصة في الصومال لتقييم نتائج الضربات، وفي السابع من يناير (كانون ثاني) 2007 قامت مروحية من طراز إيه سي 130 بقصف إحدى قرى الصيد المنعزلة على الحدود الكينية، وفي غضون ساعات وصلت قوات الكوماندوز الأميركية ترافقها القوات الإثيوبية لتفقد الأنقاض وتتأكد مما إذا كان أي من نشاطي «القاعدة» قد قتل أثناء الهجوم أو لا.

لكن مسؤولي الإدارة قالوا إنه بالرغم من السلطات الجديدة، كانت عمليات البنتاغون المقترحة تتعرض في بعض الأحيان إلى الإلغاء بسبب ضعف المعلومات الاستخبارية أو العقبات البيروقراطية.

وقد أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» في بدايات عام 2005 تفاصيل إحدى تلك المهام التي ألغيت حيث ذكرت أنه كان من المفترض إرسال فريق من مشاة البحرية وجوالة الجيش إلى باكستان للقبض على أيمن الظواهري الساعد الأيمن لأسامة بن لادن لكن المهمة ألغيت في اللحظة الأخيرة.

كان مسؤولو الاستخبارات يعتقدون أن أيمن الظواهري يحضر إحدى الاحتفالات في منطقة باجور القبلية الباكستانية، ووضعت قيادة العمليات الخاصة المشتركة بالبنتاغون خطة على عجل للقبض عليه، وكان هناك رفض كبير من داخل البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ضد جودة الاستخبارات وعبّر بعض قادة الجيش عن مخاوفهم من أن تكون المهمة محفوفة بالمخاطر وغير ضرورية.

وقد حث بورتر جوس مدير وكالة الاستخبارات المركزية في حينها الجيش على تنفيذ المهمة، حتى أن البعض من داخل الوكالة طالب بتنفيذها دون إحاطة ريان كروكر السفير الأميركي في إسلام علما بها، لكن دونالد رامسفيلد رفض التصريح بتنفيذ المهمة.

وصرح مسؤولون عسكريون واستخباراتيون سابقون أن الفريق ستانلي إيه ماكريستال والذي أنهيت مدة خدمته كقائد لقيادة العمليات الخاصة المشتركة، قد حاول بشدة خلال السنوات الماضية الحصول على تصريح بالقيام بعمليات كوماندوز في باكستان، لكن تلك المهام تم رفضها لأن المسؤولين في واشنطن قالوا إن المخاطرة بالقوات الأميركية وقوات الحلفاء في باكستان ستكون كبيرة جدا. وقد رفض جون كيربي المتحدث باسم الفريق ماكريستال الذي يشغل الآن منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة التعليق على تلك التصريحات.

ولم تكن تلك الغارة الأخيرة على بوكمال داخل الأراضي السورية هي المرة الأولى التي تقوم فيها قوات العمليات الخاصة بالعمل في البلاد، وذلك حسب تصريح أحد المسؤولين العسكريين ومستشار للبنتاغون.

وقد أضاف أن قوات العمليات الخاصة قامت، منذ بداية حرب العراق، بتنفيذ عدة عمليات عبر الحدود تستهدف المقاتلين والبنية التحتية الداعمة لتدفق المقاتلين الأجانب إلى العراق.

ويعلل المسؤولون العسكريون السبب وراء الاحتجاج الحاد الذي أبدته الحكومة السورية بأن الغارة التي نفذت في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على بوكمال كانت لافتة للنظر أكثر من الغارات التي سبقتها. وكان مسؤولون عديدون بالإدارة قد قالوا إن البنتاغون ووزارة الخارجية والاستخبارات قد دخلوا في مفاوضات استغرقت ما يقرب من عام للتوصل إلى قرار عام 2004 حول الدور المحدد للجيش حول العالم، لكنهم أشاروا إلى الاختلاف الذي وقع بين ضم إيران إلى القرار من عدمه، لكن الأمر حسم في النهاية لصالح استبعادها، ربما للتعامل معها من قبل سلطة منفصلة.

وكان مسؤولون بوزارة الخارجية والاستخبارات المركزية قد عبروا عن خشيتهم من قيام قوات الكوماندوز العسكرية بعمليات كانت وكالة الاستخبارات المركزية قد قامت بها أو بمهمات دون إعلام السفير أو موافقته.

وقد دفع دونالد رامسفيلد خلال الأعوام التي تلت أحداث 11/9 باتجاه تمديد عمل القوات الخاصة لتضم جمع المعلومات الاستخباراتية وعمليات مكافحة الإرهاب في الدول التي لم تقم القوات الخاصة الأميركية بعمليات فيها. وقد أظهر مسؤولو إدارة الرئيس بوش تصميما على العمل وفق تعريف موسع للدفاع عن النفس يوفر الذرائع القانونية لتنفيذ هجمات ضد أهداف في الدول ذات السيادة دون موافقة تلك الدول.

وقد أشار عدد من المسؤولين إلى أن المفاوضات بين البنتاغون ووزارة الخارجية والاستخبارات المركزية حول قانون 2004 نتج عنها تقارب كبير وأرست معايير محددة لجودة الاستخبارات الضرورية للحصول على موافقة بالهجوم.

وقدم قرار عام 2004 أساسا للقرارات التي صادق عليها الرئيس بوش في يوليو (تموز) للسماح للجيش بشن عمليات في مناطق القبائل الباكستانية والتي كان من بينها عملية 3 سبتمبر التي نفذتها القوات الخاصة والتي قتل فيها 20 مقاتلا. وقد صرح مسؤولون بأن موافقة الرئيس بوش مهدت الطريق لوزير الدفاع روبرت غيتس لتوقيع قرار ـ منفصل عن قرار 2004 ـ يأمر الجيش تحديدا بالتخطيط لسلسلة من العمليات بالتعاون مع الاستخبارات لتنفيذها ضد شبكة «القاعدة» والمجموعات المقاتلة المرتبطة بها في باكستان.

وأضاف هؤلاء المسؤولون بأن القرار الذي تم توقيعه في يوليو (تموز) الماضي يأمر الجيش بالعمل مع الاستخبارات في إيجاد أهداف في المناطق القبلية، على عكس قرار عام 2004 الذي يلزم قادة العمليات الخاصة بالإعلان عن أسماء أهدافهم للموافقة عليها من قبل كبار مسؤولي الحكومة، وأوضحوا أن كل هدف لا يزال بحاجة إلى الموافقة عليه من قبل كبار مجموعة الرئيس بوش للأمن القومي ومستشاري السياسة الخارجية، والتي تسمى لجنة المبادئ.

* خدمة «نيويورك تايمز»