برنامج التشارك في الدراجات يغزو أوروبا.. وأميركا تستعد لتبنيه

الجيل الثالث من دراجات المدن يحدث ثورة في عالم النقل

TT

في خضم الاهتمام المتزايد الذي تبديه الدول الأوروبية بالقضايا البيئية، ساد القول بأنه أصبح هناك نمطان فقط من رؤساء البلديات: من يقرون برنامجاً للتشارك في الدراجات ومن يرغبون في ذلك. على مدار السنوات القليلة الماضية، ظهرت الكثير من البرامج الخاصة بالتشارك في الدراجات داخل عشرات المدن، وذلك بصورة لم تخطر بالبال وفي أماكن لم يكن ركوب الدراجات منتشراً فيها قط. ولم تقتصر برامج التشارك على برنامج «فيليب» الذي أقرته باريس، ويعتمد على 20.000 درجة، وإنما شملت كذلك برامج حظيت بشعبية جارفة تقوم على آلاف الدراجات داخل المدن الكبرى، مثل برشلونة ومدينة ليون الفرنسية. كما ظهرت برامج مشابهة في بامبلونا بأسبانيا ونيس بفرنسا ودوسلدروف في ألمانيا. بل وحتى روما، التي لا تتناسب شوارعها الضيقة المرصوفة بالحصى الكبيرة وحركة المرور الفوضوية لركوب الدراجات، شرعت مؤخراً في تنفيذ برنامج تجريبي صغير للدراجات تحت اسم «رومان بايك»، وتنوي التوسع فيه قريباً. وبالنسبة لرؤساء البلديات الساعين للتخفيف من حدة الازدحام المروري بمدنهم وإثبات اهتمامهم بالحفاظ على البيئة، وفرت برامج التشارك في الدراجات حلاً يسيراً لهم، ذلك أنه مقابل السعر الذي يدفعونه لشراء حافلة واحدة، أصبح بمقدورهم شراء أسطول من الدراجات، إلى جانب تجنب سنوات من أعمال تشييد والبناء والحصول على الرخص اللازمة لبناء مترو أنفاق. وبالنسبة لركاب الدراجات، تساعدهم هذه البرامج على تقليص تكاليف النقل الخاصة بهم وإمدادهم بفرصة للإسهام في الحفاظ على سلامة كوكبنا. ويعود جزء من النجاح الذي أحرزته هذه البرامج إلى أنها تغطي مدنا تتوافر بها بالفعل أعداد كبيرة من الدراجات، إلا أن حجر الزاوية الحقيقي لهذه البرامج يتمثل في التقنية المتقدمة، ذلك أنه بفضل بطاقات إلكترونية وباحات انتظار كومبيوترية للدراجات، أصبح باستطاعة راكبي الدراجات استئجار ثم ترك الدراجات في ثوان معدودة من مئات المراكز المختلفة، بينما يجري خصم الرسوم من حساباتهم المصرفية. من جهته، أشار بول ديمايو، مؤسس شركة متروبايك، التي تتخذ من واشنطن العاصمة مقراً لها، وهي شركة استشارية تُعنى باستخدام الدراجات كوسيلة نقل، إلى أنه «في الوقت الذي نجحت بعض المدن في تحقيق ذلك، أدركت أخرى أن باستطاعتها القيام بالمثل. إن هذا الأمر يشكل توجهاً رائعا».

ومن الواضح أن الشبكات الأوروبية الضخمة للتشارك في الدراجات لا تعمل بصورة رئيسة بهدف توفير وسيلة للاستجمام، وإنما لتقديم وسيلة نقل عامة بديلة منخفضة التكلفة. وتستثني غالبية هذه البرامج (فيما عدا برنامج باريس) السائحين والقائمين بالرحلات. هنا في برشلونة، تزدحم الشوارع في ساعات الذروة براكبي الدراجات الحمراء الزاهية التي تتبع برنامج التشارك في الدراجات التابع للمدينة ويحمل اسم «بايسنج». كان العمل بهذا البرنامج قد بدأ منذ 18 شهراً ماضية. ويوفر بايسنج 6.000 دراجة من 375 باحة انتظار، تتوزع بمختلف جنبات المدينة. وتبدو الدراجات وكأنها في حركة مستمرة. من جانبه، قال أندريه بوراو، 44 عاماً، وهو مقاول، عن الدراجات: ««استخدمها كل يوم في الانتقال، ويستخدمها الجميع. إنها مريحة، وأحب الانتقال عبر الشوارع بها». ويشبه هذا البرنامج واسع النطاق الذي تنفذه برشلونة البرامج التي يطلق عليها الجيل الثالث، والتي تعتمد بشدة على التقنيات الحديثة. (يذكر أن برامج الجيل الأول من التشارك في الدراجات اعتمدت على توزيع دراجات قديمة بمختلف الشوارع، بحيث يمكن استخدامها بلا مقابل. بينما تم تزويد الجيل الثاني بمعدات تقبل العملات المعدنية.) أما في الجيل الثالث، يقوم العملاء بشراء عضوية سنوية مقابل حوالي 30 دولاراً ويتم إصدار بطاقات ذكية تسمح للراكب باستخراج الدراجة من موقف إلكتروني. ويستخدم الراكب الدارجة لمدة أول ثلاثين دقيقة مجاناً، بينما تبلغ التكلفة 30 سنتاً لكل نصف ساعة أخرى بعد ذلك. ويجب إعادة الدراجة في غضون ساعتين إلى أي باحة انتظار للدراجات وإلا قد يتم إنهاء تفعيل البطاقة. يذكر أن معظم البرامج في ألمانيا والنمسا تعمل طبقاً لنظام مختلف، حيث يتلقى المشتركون رسائل نصية على هواتفهم المحمولة تتضمن شفرة لفك أقفال الدراجات. والمعروف أن كل من كوبنهاغن وأمستردام اعتادت خدمة راكبي الدراجات منذ سنوات عديدة، إلا أن البرامج الجديدة خلقت أكبر ثورة بمجال النقل بوسط وجنوب أوروبا، حيث يسمح المناخ الأكثر دفئاً لركوب الدراجات بلا مشقة تُذكر طوال أوقات العام. ويشير المسؤولون ببرشلونة وباريس وليون إلى أن برامج التشارك في الدراجات بمدنهم تشهد إقبالاً شديداً، ويبلغ متوسط أعداد ركوب الدراجة في اليوم الواحد 10 مرات. أما في أميركا الشمالية، فإن قضايا مثل التأمين والتمسك الأقوى بثقافة ركوب السيارات والانتقال عبر مسافات أطول وتفضيل ارتداء الخوذات، أسهمت جميعها في إبطاء وتيرة إقرار برامج التشارك في الدراجات. يذكر أنه لا تُلزم أي من البرامج الأوروبية الركاب بارتداء خوذة. ومع ذلك، تشهد واشنطن ومونتريال تنفيذ المشروعات التجريبية الصغيرة في هذا الصدد، في الوقت الذي تعكف شيكاغو وبوسطن ونيويورك على دراسة الخيارات المتاحة أمامها. وربما يتمثل المؤشر الأقوى على بزوغ عصر التشارك في الدراجات في شنغهاي، التي منذ عشر سنوات حاولت منع ركوب الدراجات في بعض شوارعها لإفساح المجال أمام السيارات. أما الآن فقد افتتحت باحة كبرى للتشارك في الدراجات الشهر الماضي. من جهتها، صرحت مارتينا شميدت، مديرة برامج التشارك في الدراجات في شركة كلير تشانيل أوتدورز، التي تتولى حالياً إدارة برامج في 13 مدينة أوروبية وشرعت مؤخراً في تنفيذ أول برنامج أميركي لها في واشنطن «نوفر برامج جاهزة للاستخدام. نحن نمد المدينة بما تتطلع نحوه، وهم يمنحوننا بمساحة لبيعها». هنا في برشلونة، شهد برنامج بايسنج بعض الإخفاقات، ما يعكس بصورة جزئية الإقبال غير المتوقع الذي حظي به من قبل الأفراد. في ضواحي برشلونة، يشكو العملاء من أن باحات الدراجات التابعة للبرنامج والتي تضم كل منها 36 دراجة، من الممكن أن تنفذ الدراجات بها قرب نهاية ساعات الذروة بالنهار، ما يترك العملاء في مأزق. وكذلك، فإن باحات الانتظار في قلب المدينة تكون في بعض الأحيان ممتلئة بحيث يبحث الركاب لفترات طويلة عن أماكن لترك دراجاتهم. ويشكو أصحاب السيارات من إزالة باحات الانتظار الخاصة بالسيارات لصالح مسارات الدراجات الجديدة. يذكر أن المدينة بها حالياً طرق للدراجات يبلغ طولها حوالي 80 ميلاً، في أعقاب التوسع الكبير الذي شهدته تلك الطرق العامين السابقين. ويقع حي الأعمال في وسط مدينة برشلونة في تجويف جغرافي مقارنة بالأماكن المأهولة الأخرى، لذا ففي الوقت الذي يرغب فيه الكثيرون من سكان المدينة في ركوب دراجاتهم متوجهين إلى عملهم إلا أن القليل منهم يرغبون في العودة إلى منازلهم على الدراجات. ويقوم 100 من موظفي شركة بيسينج بناء على تعليمات محطة القيادة باستخدام الشاحنات لإعادة التوازن إلى النظام، آخذين الدراجات معهم إلى حيث توجد الحاجة لاستخدامها.

من ناحيتهم، يبدي المسؤولون اهتماماً بالغاً بتلك البرامج. يقول رامون فيريرو المسؤول في شركة بيسنج «لن نزيد العدد أكثر من ذلك. وفي الوقت الحالي، يجب أن ندعم ونبدأ العمل حتى تكون الصيانة ملائمة ويتحسن النظام على جميع المستويات».ويقدر المسؤولون في ليون، إحدى أوائل المدن التي وضعت برنامجا لتكنولوجيا الدراجات بأن برنامج مشاركة الدراجات قضى على أطنان من الملوثات منذ بدايته عام 2005، لكن الأهم من ذلك أنه غير وجه المدينة.

ويقول جيلز فيسكو نائب العمدة المسؤول عن البرنامج في ليون «لقد خفف ذلك العدد الكبير من الدراجات على الطريق ازدحام المرور، وأصبحت الشوارع الآن ملكا للجميع وبحاجة إلى أسلوب مشاركة جيدة، وأصبحت الساحات العامة أكثر إثارة للبهجة».

* خدمة «نيويورك تايمز»