أنصار الصدر ينتظرون ما ستحمله لهم رياح التغيير

دورهم يتراجع بينما يعزز خصومهم في الحكم نفوذهم

TT

بدت علامات التوتر على المقاتل التابع لـ«جيش المهدي» في كل مرة فيها يمر عبر نقطة تفتيش يقيمها الجيش العراقي داخل مدينة الصدر. بل وبلغ قلقه حداً دفعه إلى حلق لحيته، التي تعد مؤشراً على التقوى وولائه للميليشيا الشيعية، سعياً للحيلولة دون تعرف أي من الجنود على حقيقة هويته. وقال باسم، الذي يبلغ من العمر 28 عاماً، خلال مسيرة خرجت اخيرا تأييداً لقائده رجل الدين مقتدى الصدر «إنني أتعرض للتعقب. وعاجز عن البقاء في منزلي. إن الجيران يبلغون السلطات عنا». وأضاف: «لقد أغارت الفرقة القذرة على منزلي أربع مرات». يذكر أنه في ذروة الحرب الأهلية العراقية، كان جيش المهدي أقوى جماعة على مستوى البلاد، حيث أبدى الكثيرون تقديرهم له باعتباره الجهة التي تضطلع بحماية الأغلبية الشيعية داخل البلاد والتي يحسب لها الآخرون ألف حساب بسبب فرق الموت التابعة لها والنشاطات الإجرامية التي تقترفها. في تلك الفترة، عمل جيش المهدي بمثابة دولة داخل الدولة، حيث عمد أعضاؤه إلى جمع رسوم من الشركات التجارية مقابل الحماية، بينما سعى مقاتلوه لتهديد قوات الأمن العراقية التي من المفترض أنها كانت تتولى فرض النظام عليهم. بيد أن الوضع الذي تمتع به الصدر بدأ في التداعي، ويخشى أتباعه الآن من إمكانية أن تشهد الفترة القادمة مطاردة مستمرة لهم من جانب السلطات الأمنية، بينما يتمتع خصومهم من الشيعة باليد العليا. ولا شك أن الأوضاع الراهنة داخل مدينة الصدر تشكل عبئاً بالغاً على الميليشيا، بل وتعد برهاناً على الضعف الذي لحق بها، حيث يتحرك الجنود العراقيون عبر شوارع المدينة خارج مقر رئاسة مقتدى الصدر. وبالقرب، توجد حالياً قاعدة تابعة للجيش بمنطقة سبق وأن امتلأت بالقمامة، وأحياناً استغلها سكان المنطقة في أداء صلاة الجمعة. والآن، يقوم قاطنو المنطقة بفرش سجادات الصلاة في الشوارع. من جهتها، تحاول الميليشيا الشيعية النجاة من هذه الفترة الحرجة من خلال إعادة هيكلة صفوفها واستيعاب المقاتلين داخل منظمة اجتماعية جديدة، وأيضاً عبر شن حملة سياسية ضد الاتفاق الأمني الأميركي ـ العراقي الذي يفتقر إلى التأييد الشعبي. ومن الممكن أن تثمر هذه الإجراءات عن ظهور ميليشيا الصدر بصورة جديدة كقوة أقل عدداً وأكثر تنظيماً باستطاعتها المنافسة على السلطة في العراق إذا ما انسحبت الولايات المتحدة ولم تعد توفر دعماً عسكرياً لخصوم الصدر. أو ربما تشكل تلك الإجراءات بداية النهاية لهذه الحركة الشعبوية. ورغم أن مقاتلين من أمثال باسم يؤكدون أنه يتعين عليهم الالتزام بوقف إطلاق النار الذي أعلنه الصدر، فإن آخرين داخل مدينة الصدر يتهامسون بشأن إقدام موالين لجيش المهدي في زرع عبوات ناسفة أو إطلاق النار ضد الجنود العراقيين من على مسافات قريبة. من جانبها، أعلنت المؤسسة العسكرية الأميركية أنه لا تتوافر لديها سجلات بشأن مثل تلك الاغتيالات. ورغم ذلك، توحي الشائعات المنتشرة حالياً بأن بعض الفرق داخل جيش المهدي ربما تستمر في تنفيذ هجمات حتى في الوقت الذي تعاني الحركة الأوسع من التهميش، الأمر الذي يثير شبح عودة الفترة الدموية التي عانى منها العراق من قبل. ومع تجميد جناحه المسلح رسمياً، سعى الصدر لإصلاح صورة الحركة التي يقودها. وعليه، أعلن في يونيو (حزيران) ضرورة أن يشكل مقاتلوه منظمة اجتماعية وتعليمية دينية جديدة، تحمل اسم «ممهدون»، بهدف تعليم العراقيين بشأن الإسلام. كما تم اختيار بعض المقاتلين للانضمام إلى جناح مسلح نخبوي خول له الصدر سلطة مقاتلة الأميركيين، خارج المدن وبعيداً عن التجمعات السكنية المدنية. من ناحيتهم، أكد كبار مساعدي الصدر في تصريحاتهم على ان وجود جيش المهدي بصورته القديمة داخل المدن انتهى. في هذا الصدد، صرح الشيخ حازم الأعرجي، أحد كبار مساعدي الصدر، بأنه: «ربما يخشى الأميركيون من عودة جيش المهدي شاهراً السلاح. لكن نحن نقول لهم لن يحدث ذلك. هذا الفصل انتهى. وبات النضال الآن داخل البرلمان والساحة السياسية». داخل مكتب التيار الصدري، ينتظر عدد من الرجال الشباب الانضمام إلى «الممهدون». من جهته، اعترف فريد الفاضلي، 28 عاماً، مسؤول المكتب، بأن الأوضاع أصبحت صعبة بالنسبة للحركة منذ أن بدأت الحكومة في استهداف أعضائها في الربيع السابق. وقال «بالفعل، لقد تمتعنا بحرية أكبر قبل عملية البصرة وكانت لنا علاقات طيبة مع الحكومة. بعد البصرة، تبدل كل شيء». وأعرب عن اعتقاده بأن إنشاء جماعة «الممهدون» سوف يساعد في استمرار حركة الصدر. وينوي الفاضلي إرسال ممثلين لكافة أنحاء بغداد والعراق لتوجيه الناس بشأن التعاليم الصحيحة للإسلام. وتعهد بأن تنجح حركة الصدر في المرور من محنتها الحالية بسلام. وأكد أنه: «لن يقدر أي طرف أو شخص على محو حركة الصدر». وفي الوقت الحاضر، ما زال مقاتلو ميليشيا الصدر يترنحون. على سبيل المثال، وصف أبو بكر، أحد أعضاء جيش المهدي، حجم الصدمة التي شعر بها الربيع الماضي عندما أصدر الصدر أوامره للميليشيا بوقف القتال داخل مدينة الصدر. وقال: «انتابتني الدهشة. لقد اعتقدت أنه سيمضي قدما في القتال. وقد فوجئ الجميع بالقرار. وشعر بعض القادة بالاستياء إزاءه، لكن عندما تفهموا الأمر، نفذوا الأوامر». واعترف أبو بكر بأن الكثيرين داخل مدينة الصدر رحبوا بالجيش العراقي بعد انتهاء أعمال القتال، لكنه استطرد بأن مشاعر حسن النية تلاشت. وشرح السبب بقوله: «لقد شاهد الناس الجيش ينتهك حقوقهم وبدأوا يتذكرون حسنات جيش المهدي». جدير بالذكر، أن جهود كبح جماح جماعة المهدي أثارت انقسامات داخلية عميقة. وخلال الشهور الستة الماضية، لقي اثنان على الأقل من أنصار الصدر على صلة بإجراءات تفكيك الميليشيا حتفهما؛ ففي أبريل (نيسان)، اُغتيل رياض نوري، أحد مساعدي الصدر، والذي عمل على حشد التأييد لنزع تسليح جيش المهدي، أثناء وجوده بمدينة النجف. وفي الشهر الماضي، تعرض صالح العقيلي، أحد أعضاء البرلمان من حركة الصدر، والذي يعد واحداً من العناصر المعتدلة، للاغتيال. من ناحيتها، لمحت الحكومة إلى ان القتلة ينتمون لفصيل منشق عن الحركة. في هذا السياق، أكد ضابط الاستخبارات العسكرية الأميركي على أن: «هناك انقسامات داخل حركة الصدر. هناك انقسامات سياسية وخلافات شخصية. ويملك مقتدى درجات متباينة من السيطرة على الميليشيات المختلفة». من جهته، أبدى ابو بكر غضبه من الجماعات غير الموالية للصدر. ورغم أنه في الربيع حارب بجانبهم، فإنه ليس على استعداد الآن للتساهل إزاء أي شخص لا يطيع الصدر. وفي الوقت الراهن، يقبع أنصار الصدر في انتظار ما ستحمله لهم رياح التغيير. وخلال مسيرة في بغداد الشهر الماضي، تحدث أحد الشباب من أعضاء جيش المهدي يدعى رسول بمرارة قائلا: «يعمل المالكي مع الأميركيين. إنه يدمرنا». وبينما أخذ يجول بناظريه في الحشد الذي ضم ما يزيد على 20.000 من أنصار الصدر، عمل رسول على تعزيز ثقته بالمنظمة من خلال التركيز على الجانب الإيماني لحركة الصدر، متجاهلا حقيقة أن منظمي المسيرة زعموا أن عددا ممن شاركوا بها بلغ مليون شخص. وشدد رسول على أن: «الأنبياء يحموننا».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)