الرئيس مبارك: مشكلة دارفور معقدة.. وندفع لوحدة السودان

التقى الرئيس السوداني ونائبه الأول في زيارة مفاجئة إلى الخرطوم وجوبا.. ووزير الخارجية السوداني يكشف جهودا مصرية لإقناع المتمردين بالسلام

الرئيس السوداني عمر البشير خلال استقباله نظيره المصري حسني مبارك بالخرطوم أمس (أ ف ب)
TT

قام الرئيس المصري حسني مبارك بزيارة رسمية ليوم واحد امس الى السودان، شملت العاصمة الخرطوم، ومدينة جوبا عاصمة جنوب البلاد، احيطت بدرجة عالية من الاجراءات الامنية. واستغل مبارك خلال تنقله في الخرطوم وبمدينة جوبا سيارة خاصة احضرها معه من القاهرة، وتعتبر الزيارة الأولى للسودان منذ مطلع التسعينات والأولى لجوبا.

وقالت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الاوسط» ان الزيارة اقرب إلى الاستكشافية لمعرفة مصير السودان بين «الوحدة اوالانفصال»، الذي سيتقرر عبر الاستفتاء سيجري عام 2011. وقال مبارك للصحافيين في الخرطوم وجوبا انه جاء من أجل المساهمة في جعل وحدة السودان، لتكون خيارا جاذبا بالنسبة للجنوبيين. وقال ان الرئيس عمر البشير «يعي تماما اهمية وحدة أراضي السودان ومساندة الجنوب»، واضاف انه بحث معه «سبل جعل الوحدة السودانية جاذبة»، قبل ان يكشف انه حصل على تطمينات من البشير بانه يعمل من اجل تحقيق الوحدة في البلاد. واجرى الرئيس المصري مباحثات مع البشير، تناولت الأوضاع في دارفور ومسار تنفيذ اتفاقية السلام الشامل بين الشمال والجنوب، والاستعدادات لاجراء الانتخابات القادمة، ودفع مسيرة التنمية وترقية الاستثمارات في مختلف المجالات. وكرر مبارك في تصريحات صحافية عقب جلسة المباحثات المشتركة مع الجانب السوداني عقدت ببيت الضيافة انه سيدفع من اجل وحدة السودان. وقال «تطرقنا إلي العلاقات الثنائية بين البلدين التي وصفها بأنها تسير بصورة ممتازة في جميع المجالات». وقال مبارك في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس السوداني عقب مباحثاتهما إنه ناقش مع البشير العلاقات الثنائية ومشكلة دارفور التي وصفها بأن بها الكثير من التعقيدات، وحول الوضع بالجنوب قال مبارك إن «العلاقات تسير بصورة طيبة بين الشمال والجنوب وهناك تعاون بيننا»، واضاف ان «الرئيس البشير يعي تماما اهمية وحدة أراضي السودان ومساندة الجنوب». وبشأن ما يتعلق بالمشروعات المصرية بالجنوب، قال مبارك «هناك مشاريع مشتركة في العديد من المجالات وان المسؤولين في البلدين يبحثون سبل تنفيذها»، وأضاف أن المباحثات قد تطرقت إلى الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط والموقف العربي من إسرائيل، ونوه الى انه في حال التوصل إلي سلام مع إسرائيل في فلسطين فان جميع الدول العربية ستبدأ علاقات دبلوماسية معها وأنه بدون ذلك غير ممكن. وفي جوبا، اكد مبارك في مؤتمر صحافي المشترك مع النائب الاول للرئيس رئيس حكومة جنوب السودان، سلفا كير، تعاون الحكومة المصرية مع حكومة جنوب السودان، وتقديم كافة المساعدات اللازمة لدفع العملية السلمية والتنموية في جنوب السودان. وقال إنه بحث مع رئيس حكومة الجنوب القضايا ذات الاهتمام المشترك وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. وتعد زيارة مبارك الى جنوب السودان وهو مورد مهم لمياه النيل هي الاولى من نوعها لرئيس مصري منذ ان زار جمال عبد الناصر المنطقة عام 1962. ويقول دبلوماسيون ان مصر تعارض بقوة انفصال الجنوب خشية ان يعقد المفاوضات متعددة الاطراف لتوزيع مياه النيل. وقال مبارك للصحافيين انه جاء الى جوبا للمرة الاولى مما يوضح اهتمام بلاده بجنوب السودان.

واعلن مبارك عن افتتاح فرع جامعة الاسكندرية بـ«جوبا» خلال الايام القادمة، وقال ان بلاده سترسل في مقبل الايام اطباء مصريين لجنوب السودان، وتقدم بعثات دراسية للطلاب الجنوبيين للدراسة في مصر. من جانبه قال سلفا كير ان أبواب الجنوب ستكون مفتوحة للمستثمرين المصريين في كافة المجالات.

وفي تصريحات صحافية، كشف وزير الخارجية السوداني دينق الور ان مبارك اطلع البشير على الجهود واللقاءات التي أجرتها الحكومة المصرية لاقناع الدكتور خليل ابراهيم رئيس حركة العدل والمساواة المسلحة في إقليم دارفور للجلوس في طاولة المفاوضات المزمع عقدها بالدوحة. وأحاط البشير ضيفه بتطورات الاوضاع في دارفور وسير تنفيذ اتفاق السلام الشامل والاستعدادات لإجراء الانتخابات القادمة.

وقال الور إن الرئيس البشير ثمن الجهود التي تضطلع بها الحكومة المصرية لجهة اقناع الحركات المسلحة بدارفور للمشاركة في جولة المفاوضات القادمة بالدوحة. وحول الزيارة التي قام بها الرئيس المصري إلى جوبا، قال وزير الخارجية إنها تأتي في إطار دفع جهود التنمية بالجنوب التي تجعل من الوحدة خياراً جاذباً، وقال الور ان مصر حريصة على وحدة السودان، وذكر أن مصر تقوم بتنفيذ مشروعات تنموية تشمل مستشفيات ومحطات للكهرباء ومشروعات للبنى التحتية بالجنوب.

وفي رده على السؤال حول ما اذا كانت مباحثات البشير ومبارك قد تطرقت إلى موضوع الجنائية الدولية، قال الور انه لم يتم التطرق إليها. وكانت مصر أول من رَحَّبَ بقيام حكم الرئيس البشير «الإنقاذ»، الذي جاء بعد انقلاب عسكري في يونيو العام 1989، وتوجت القاهرة الخطوة بزيارة قام بها الرئيس مبارك للخرطوم بعد اسابيع من وقوع الانقلاب، ولكن العلاقات بدأت تسوء تدرجيا بسبب اتهام مصر للحكومة السودانية بدعم الجماعات الاسلامية في مصر الذين تضعهم في قائمة الارهابيين. ووصلت الازمة ذروتها مع وقوع محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا في العام 1995، بعدما اتهمت الحكومة المصرية الخرطوم بتدبير المحاولة وقامت بتصعيد القضية الى مجلس الامن الدولي.

ثم بدأت رحلة تقارب حذر بين البلدين، وزار الرئيس مبارك الخرطوم في نهاية أبريل عام 2003، لأول مرة، منذ 14 عاماً، ووصفت انذاك بانها عودة لقمة العلاقة بين البلدين من خلال رؤية إستراتيجية مصرية لأمن مصر الذي لا ينفصل عن أمن السودان ومن خلال دور مفروض لمصر في النزاع في جنوب السودان، منذ فشل المبادرة المصرية الليبية المشتركة للمُصالحة السودانية، حسب المحللين.